“أسرار الجبل الملعـ.ـون”
في إحدى القرى النائية الواقعة عند سفح الجبل المظـ.ـلم، كان الجميع يتحدثون عن أسطورة قديمة، لا أحد يعرف أصلها، لكنها كانت تحكم حياتهم. كانت القرية محاطة بغابات كثيفة، وكانت تحجب عنها أشعة الشمس معظم أيام السنة، مما أضفى على المكان جوًا من الغموض والتشاؤم. هذه الأسطورة تتعلق بالعفـ.ـاريت، تلك الكائنات التي يُقال إنها تسكن الجبل الملعـ.ـون.
كانت العفـ.ـاريت تُعد من أسوأ الكائنات التي يمكن للإنسان أن يواجهها. في كل مرة يحدث شيء غريب في القرية، كان السكان يربطون ذلك بالتحركات الخفية للعفـ.ـاريت. عندما كان أحدهم يختفي فجأة، يُقال إن العفـ.ـريت قد أخذه. وعندما كانت العواصف تشتد بشكل غير طبيعي، كانوا يعتقدون أن العفـ.ـاريت تثير الرياح لتسبب الدمار. وحتى الحيوانات، التي كانت تختفي بين عشية وضحاها، كانت تُتهم بأنها وقعت ضحية للعفـ.ـاريت.
“لا تذهب إلى الجبل، فالعفـ.ـاريت تملك تلك الأرض!” كان كبار السن يكررون هذه الكلمات مرارًا، في محاولة لمنع الشباب من الاقتراب من الجبل. ورغم كل التحذيرات، كان هناك دائمًا من يرفض أن يؤمن بتلك القصص ويعتبرها مجرد خرافات قديمة. لكن في تلك الليلة، كان شيء غريب سيحدث، شيء كان من الممكن أن يغير كل ما كان يعتقده الناس عن العفـ.ـاريت.
كان “محمود” شابًا مغامرًا، يبلغ من العمر 22 عامًا، وقد سمع الكثير من القصص عن الجبل والعفـ.ـاريت. ولكن رغم كل التحذيرات، كان في قلبه رغـ.ـبة شديدة لاكتشاف الحقيقة وراء تلك الأساطير. لم يكن يصدق أن كائنات خرافية تستطيع أن تسيطر على البشر، ولذلك قرر أن يذهب إلى الجبل في ليلة مظـ.ـلمة، ليبحث عن العفـ.ـاريت.
أخذ محمود معه مصباحًا صغيرًا، واستعد للرحلة. كانت القرية قد غطتها الظـ.ـلمة، وكانت الرياح تعصف بالأشجار التي كانت تتحرك كأنها تتحدث. عزم محمود على المضي قدمًا، رغم أن قلبه كان ينبض بسرعة، وبدأ في السير نحو الجبل المظـ.ـلم.
كلما اقترب من الجبل، بدأ يشعر بشيء غريب، وكأن كل خطوة يخطوها تقوده إلى عالم آخر. بدا الجبل وكأنه يبتلع الضوء، وأصبحت الأشجار أكثر كثافة، حتى شعرت السماء وكأنها على وشك الانهيار. كانت الأصوات تتغير حوله؛ الرياح كانت تعوي، والظـ.ـلال تتراقص بين الأشجار. شعر محمود بشيء غير مريح، لكنه واصل سيره حتى وصل إلى قمة الجبل.
على قمة الجبل، اكتشف محمود مغارة قديمة. كان مدخلها مظـ.ـلمًا للغاية، وكأنها كانت تعيش في أعماق الأرض. لكنه قرر أن يدخل، وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يتقدم إلى الداخل. كانت هناك رائحة غريبة في الهواء، رائحة عفنة، وكأن المكان كان مليئًا بالأسرار القديمة.
دخل المغارة بحذر، وبدأ يكتشف جدرانها المغطاة بالرسوم القديمة. كانت هناك صور لكائنات غريبة، تشبه تلك التي كان يسمع عنها في القصص. كانت هذه الرسوم تشير إلى نوع من الكائنات ذات الأجسام البشرية، ولكن وجوهها كانت مشوهة، وعيناهما مملوءة بـالكـ.ـراهية. كانت تظهر وهي تمسك بالسيوف والأشواك، وكأنها في معركة. بينما كان محمود يدرس هذه الرسوم، شعر فجأة بشيء يلمس قلبه، وكأن شخصًا ما كان يراقبه.
فجأة، شعر بشيء ثقيل يسحب الهواء من حوله، ثم جاء الصوت الذي كان يخشاه منذ البداية. صوت همسات خافتة كانت تتردد في أرجاء المغارة. كان الصوت مثل الرياح التي تهز الأشجار، لكنه كان أقوى وأكثر وضوحًا. بدأ محمود يلتفت في جميع الاتجاهات، لكنه لم يرَ أحدًا. كانت الظـ.ـلال تتحرك بشكل غير طبيعي، وكان الصوت يتكاثر حوله. فجأة، ظهر أمامه كائن مظـ.ـلم، يرتدي ملابس بالية، وعيناه تلمعان في الظـ.ـلام.
“أنت هنا، أيها الفضولي!” قال الكائن بصوت غير بشري، عميق ومخيف.
قفز محمود في مكانه، وكان قلبه ينبض بسرعة شديدة. “من أنت؟ ماذا تريد؟”
“أنا واحد من العفـ.ـاريت التي تسكن هذا الجبل. نحن هنا منذ العصور القديمة، وكل من يجرؤ على دخول هذه المغارة يصبح جزءًا منا.”
كان الصوت الذي يخرج من الكائن يشبه أزيز الرياح في العاصفة. بدأ محمود يشعر بشيء غريب يسيطر عليه، وكأنما قوته تتسرب منه. حاول أن يركض، لكن قدميه لم تكن تطيعانه. كان يشعر وكأن شيئًا غير مرئي يربطه بالأرض.
“لقد اخترت أن تأتي هنا، والآن عليك أن تدفع الثمن.” قال الكائن بلهجة تهديدية.
حاول محمود أن يهرب، لكنه شعر بشيء يقترب منه بسرعة. كانت العفـ.ـاريت تبدأ في الظهور، تتشكل من الظـ.ـلال التي كانت تحيط بالمغارة. كانوا يتجمعون حوله، وعيونهم متوهجة بـالكـ.ـراهية. كان يمكن أن يشعر بهم يقتربون أكثر فأكثر، يتسللون إلى عقله، وكأنهم يحاولون أخذ روحه.
ومع كل دقيقة تمر، كان محمود يشعر أن السيطرة على جسده بدأت تتلاشى. كانت أصوات العفـ.ـاريت تهمس في أذنه، تطلب منه الاستسلام. كان يعلم أنه إذا استمر في المقاومة، سيتحول إلى جزء من الظـ.ـلام الأبدي، لكن قلبه كان يعج بالأمل. في لحظة، قرر أن لا يستسلم، فركض بأقصى سرعة نحو المخرج. وكان كل خطوة تدفعه أكثر نحو العدم، ولكن فجأة، شعر بشيء يشد قدمه، وسقط على الأرض.
ثم فجأة، سمع صوتًا من بعيد، كان صوت الرياح، ولكنه كان يهمس باسمه، ويأمره بأن يركض بسرعة. دفعه ذلك الصوت إلى النهوض والركض نحو الضوء الذي بدأ يظهر أمامه. وبكل قوته، اندفع خارج المغارة، وركض نحو الجبال المحيطة. ومع كل خطوة، بدأ الظـ.ـلام يتلاشى خلفه، حتى شعر أنه أصبح بعيدًا عن العفـ.ـاريت.
عندما وصل إلى القرية، كان متعبًا للغاية، ووجهه شاحبًا، وعيناه متسعتين من الخوف. لكنه نجا، وعاد ليخبر الجميع بما رآه. ومنذ ذلك اليوم، لم يعد أحد يجرؤ على الاقتراب من الجبل الملعـ.ـون، وظل الجبل يحمل سره المظـ.ـلم، الذي عاش فيه العفـ.ـاريت لأجيال طويلة.