رواية أحببته رغم جنونه الفصل الثالث عشر

رواية أحببته رغم جنونه

الفصل 13 

كان عُدى يعامل جنى بلطفٍ نادر، يفيض بالاحترام والتقدير.

يا له من رجلٍ مميز كان عُدى! مدير رفيع في مجموعة “فاضِل”، يشغل أعلى المناصب في الشركة. وفي تلك المؤسسة الضخمة، لم يكن من المعتاد أن يُعامل أحد بمثل هذا التقدير، فكيف بجنى تيمور، القادمة من شركة ديكور صغيرة؟ لم يصدق أحد أن ضيفةً من شركة متواضعة قد تحظى بهذا الاستقبال الحافل.

كان المشهد صادمًا بكل المقاييس. تملّك الذهول الحاضرين حتى بدا عليهم الارتباك، كأنهم تلقّوا صڤعة غير متوقعة.

ليان، التي اعتادت التكبر، بدت متشككة، ترفض تصديق ما تراه عيناها. لم تكن مستعدة لمواجهة الحقيقة التي اقتحمتها دون استئذان. شعرت وكأن الكرامة تهتز تحت قدميها.

أما جنى، فقد كانت في حالة من الذهول التام. مشاعر متشابكة اجتاحت قلبها؛ مزيج من اليأس والكبرياء الجريح والانكسار الداخلي. أحست وكأن العالم بأسره انقلب ضدها. لكنها لم تتخيل أبدًا أن يظهر عُدى فجأة، ويقوم بطرد ليان المتغطرسة، بل ويدعوها شخصيًا لمناقشة مشروع تعاون محتمل.

لم تصدق جنى تيمور ما يحدث. بدا الأمر كأنه حلم سريالي، لا يمتّ للواقع بصلة.

“آنسة تيمور، من هنا من فضلك.” قالها عُدى بلطف، عندما لاحظ أنها ما تزال متسمّرة في مكانها.

ارتجفت جنى، واستفاقت أخيرًا من شرودها. أدركت أن عُدى يتحدث إليها، فارتجف قلبها، وتلألأت عيناها ببريق الانفعال. لم تستطع أن تمنع نفسها من التحديق في وجوه من حولها، ترصد ملامح الصدمة المرتسمة عليهم. ثم وقعت عيناها على ليان، وقد شحب وجهها وتحول إلى لونٍ أخضر باهت.

في تلك اللحظة، شعرت جنى بفرحة لا توصف. رفعت رأسها بفخر، وشعرت بانتشاء داخلي لم تعهده من قبل.

تحت أنظار الجميع، تقدّمت بخطى واثقة، ودخلت المصعد برفقة عُدى.

لكن الحماسة سرعان ما تحوّلت إلى توترٍ صامت، وهي تصعد برفقته إلى المكتب الكبير في الطابق العلوي.

عند الباب، توقف عُدى وانحنى لها قليلاً وقال بأدب: “آنسة تيمور، تفضلي، الرئيس في انتظارك.”

كانت جنى تُمسك بملفها بقوة، تحاول أن تُخفي ارتباكها. استجمعت شجاعتها، وطرقت الباب بخفة.

“تفضلي بالدخول، من فضلك.” جاءها صوت عميق يفيض بالهيبة.

نظرت إلى عُدى نظرة قصيرة، ثم دخلت.

كان المكتب فسيحًا بشكل مذهل، يبعث على الانبهار، لكن عقلها لم يعد يهتم بهذه التفاصيل. عيناها كانتا معلقتين بالرجل الجالس خلف المكتب.

عرفته فورًا. إنه جياني، المدير العام لمجموعة فاضِل في مدينة الشيخ، ونائب رئيس المجموعة. كانت قد رأته مرارًا على شاشات التلفاز، ولم تتخيل يومًا أنها ستقابله وجهًا لوجه.

خفق قلبها بقوة. لم تكن تدري إن كانت تحلم أم تعيش معجزة. جاءت إلى هذا المكان مدفوعة ببصيص أملٍ واهن، طامحة فقط بلقاء أحد مديري الأقسام. لكن اليوم، رافقها المدير بنفسه، واستقبلها نائب الرئيس شخصيًا. يا له من شرف!

كان التوتر يأكل أطرافها. راحت تفرك حواف فستانها بتوتر، ثم تنهدت وهمست بصوت خاڤت أجش: “تشرفت بلقائك، الرئيس جياني.”

ابتسم لها جياني بلطف وقال: “التشرف لي، آنسة تيمور. تفضلي بالجلوس.”

شعرت جنى أن ساقيها لم تعودا تحملانها. جلست بسرعة على الكرسي المقابل، متمنية أن تُخفي اهتزازها الداخلي.

ما إن جلست جنى حتى قال جياني بلطف مشوب بالاعتذار:
“موظفونا كانوا وقحين جدًا، وهذا خطئي. لا بأس، آنسة تيمور.”

كان واضحًا أنه يقصد ليان. ولدهشتها، بدا هذا المدير الرفيع متواضعًا وودودًا إلى حدٍّ لا يُصدّق، حتى أنه بادر بالاعتذار بنفسه. شعرت جنى بفيض من الامتنان، وأجابت بخجل:
“لا بأس، لا بأس… أشكرك على لطفك.”

نظر إليها جياني بتركيز ثم سأل:
“سمعت أن الآنسة تيمور بصدد التعاون مع شركتنا، أليس كذلك؟”

كانت هذه الكلمات بمثابة صاعقة خفيفة لجنى، فقد استحضرت كلمات ليان القاسېة، وشعرت بخجل شديد عند الحديث عن فكرة التعاون. تلعثمت:
“أنا… كنت فقط… أحاول…”

لاحظ جياني ارتباكها، فأراد تهدئتها، وقال بابتسامة مشجعة:
“لا داعي للقلق، آنسة تيمور. لقد سمعتُ الكثير عن موهبتكِ في التصميم، وكنتُ أبحث فعلًا عن فرصة للتعاون مع شركتكم. وما دمتِ قد عرضتِ المبادرة، فهذا يُسعدني جدًا.”

ثم أخرج عقدًا أنيقًا ووضعه على المكتب بلطف.
“هذه طلبية بقيمة خمسين مليون دولار. تفضلي بمراجعتها، وإذا لم يكن لديكِ اعتراض، أرجو أن توقّعي باسمك.”

رفعت جنى نظرها إلى العقد بدهشة، وعقلها بالكاد يستوعب الرقم المذكور. خمسون مليون دولار؟
هل هذا حقيقي؟

هي مصممة ديكور داخلي، وكان عملها سابقًا يقتصر على مشاريع متوسطة ضمن قسم الديكور قبل أن تُنقل لقسم الأعمال. ورغم موهبتها، لم تتخيل يومًا أن يُقدّرها شخص بمكانة جياني. بل وأن يُمنح لها مثل هذا العقد بلا تردد.

هذا ليس عرض عمل فقط… إنها نعمة نزلت عليها من السماء!

مدّت يدها بتردد وحماس في آن، وتناولت العقد. بدأت في قراءته بتمعن، وكانت البنود واضحة وعادلة. علمت أن مجموعة فاضِل ترغب في التعاقد مع شركة “أنجول” لتنفيذ مشروع ضخم.

شركة أنجول، رغم كونها مجرد شركة ديكور عادية في مدينة الشيخ، لم تتلقَّ طلبية بهذه الضخامة طوال تاريخها. بل إن وضعها المالي المتدهور مؤخرًا جعل فرص نهوضها شبه مستحيلة.

والآن، تأتيها هذه الطلبية…
فرصة قد تغيّر مصير الشركة بأكملها، وتُنقذها من شبح الإفلاس.

شعرت جنى بموجة من الفرح العارم، لكنها كتمت اندفاعها وحاولت الحفاظ على هدوئها. اختبرت الموقف بحذر وقالت:
“سيد جياني، أ… أنت لا تمزح، أليس كذلك؟”

ابتسم جياني بجدية ونظر إليها بعينين واثقتين:
“أنا لا أمزح. أنا واثق من قدراتك.”

كانت كلماته أشبه بنسمة حانية على قلب جنى. غمرت عيناها الدموع من شدة التأثر. معجزة… لا يمكن وصفها إلا بذلك. شعرت وكأن الحظ قد قرر أخيرًا أن يبتسم لها.

بعد لحظات من الصمت، التقطت القلم، وبتنهيدة خفيفة، وقّعت اسمها على العقد، ممتنة من أعماق قلبها.

ما إن فرغت من التوقيع، حتى وقفت وانحنت لجياني قائلة:
“شكرًا لتقديرك، سيد جياني. أعدك أننا لن نُخيب ظنك.”

وقف جياني بدوره وقال بابتسامة صادقة:
“الشرف لي، آنسة تيمور.”

لكن ما لم تعلمه جنى، هو أن جياني لم يكن أقل توترًا منها. رغم سنواته الطويلة في عالم الأعمال، لم يشعر بمثل هذا القلق من قبل. لقد نظر إلى جنى كأنها فرصة لا تُعوّض، أو ربما كمنقذة عليه أن يتمسك بها مهما كلّف الأمر.

بعد أن ودّعها وغادرت، شعر بشيء من الراحة أخيرًا.

في هذه اللحظة، انفتح باب جانبي في المكتب، وظهر “فاضِل”.

بادره جياني بتواضع واحترام:
“سيدي، هل تصرّفت بشكل خاطئ؟”

أجاب فاضِل بنبرة غامضة، وكأنه يفكر بصوتٍ عالٍ:
“لا أعلم… هذا يعتمد على رأي الرئيس الكبير.”

الساعة الرابعة والنصف مساءً، في قاعة اجتماعات شركة أنجول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top