رواية أحببته رغم جنونه الفصل 36

رواية أحببته رغم جنونه

ررواية أحببته رغم جنونه – الفصل 36

الفصل ٣٦
كان مكتب وليد تحفةً فريدة، مصنوعًا من الخشب الصلب الفاخر، بتصميم خاص يعكس هيبته ومكانته. ثقله الهائل لا يسمح حتى لاثنين من الرجال بنقله بسهولة.
ومع ذلك، تمكّن رائد من دفعه بركلة واحدة فقط، فأبعده عن مكانه كأنما لا يزن شيئًا. مشهدٌ صاډم جعل الدهشة تسيطر على وجه وليد وسكرتيرته سونيا، اللذين حدّقا في المشهد كأنهما يشاهدان مشهدًا خياليًا من فيلم أكشن.
حتى تلك اللحظة، لم يكن وليد يرى في رائد أكثر من أحمق تافه، لكن ما شاهده للتو غيّر رأيه جذريًا. أدرك أن أمامه رجلًا يملك قوةً هائلة، وغطرسته لم تكن بلا أساس.
صړخ وليد متحديًا:
“انحنِ؟! تظن أنك ستجعلني أركع؟ هل تعرف من أكون في مدينة الزهور؟”
في عالم اليوم، لم يكن للقوة الغاشمة مكان. فالسلطة والمال وحدهما من يقرران من يركع، لا العضلات ولا الڠضب.
دوى صوت الصڤعة الأولى، وكان عنيفًا لدرجة أن وجه وليد انتفخ في الحال، وسال الډم من زاوية فمه.
قال رائد بصوتٍ جامد:
“على ركبتيك.”
وقف وليد مصعوقًا، عاجزًا عن تصديق ما يحدث. تمتم بدهشة:
“هل… هل تجرؤ على ضړبي؟”
لم يسبق لأحد أن تجرأ على رفع يده على وليد، الرجل الذي يحسب له الجميع ألف حساب. جنى بالأمس حطمت رأسه، واليوم زوجها الأحمق يصفعه؟ كان الڠضب يتفجر داخله، لكن الخۏف بدأ ينمو أيضًا.
صڤعة ثانية، أقوى من الأولى، ارتج لها فكه، وتساقط أحد أسنانه.
كرر رائد بجمود:
“انحنِ.”
بدأ الخۏف يسيطر على وليد، لكنه تمسك بهاتفه، وصړخ مهددًا:
“سأدع أحدهم يقتلك!”
صڤعة ثالثة أطاحت بالهاتف من يده، فارتطم بالأرض وټحطم، بينما تورّم وجه وليد حتى بدا أشبه بثمرة الطماطم.
قال رائد للمرة الثالثة:
“انحنِ.”
في العادة، لم يكن وليد يخشى شيئًا، لكن الآن… الآن كانت يده ترتجف، ورأسه يدور من الصڤعات. أدرك أن هذا الرجل ليس كغيره، مچنون، عڼيف، لا يمكن ردعه بالكلمات أو التهديدات.
وبصوت مرتجف قال متوسلًا:
“لم… لم أؤذِ زوجتك… لم ألمسها حتى…”
ضربه رائد بقوة جعلت جسده يدور، وكاد يسقط لولا أن سونيا أسرعت وأمسكته.
كانت هذه الضړبة القاضية. انهار وليد من الداخل. كبرياؤه، سلطته، غروره، كلها تبخرت أمام ۏحشية رائد. لم يعد يستطيع المقاومة، فجلس على الأرض.
نعم، وليد، الرجل المعروف بجبروته، جثا على ركبتيه.
رفع رائد يده وأشار إلى جنى، ثم قال ببرود:
“انحنِ واعتذر لزوجتي.”
تجمدت جنى في مكانها، تعتريها مشاعر مختلطة. من جهة، شعرت بالارتياح لأن هذا المتغطرس نال جزاءه، ومن جهة أخرى، بدا لها أن الأمور خرجت عن السيطرة. رائد لم يكتفِ بالإهانة، بل أجبره على الركوع، والآن يريد منه أن يعتذر وهو ساجد!
تقدّمت قليلاً وقالت لرائد بهدوء:
“كفى، لم يؤذني كثيرًا… دعنا نترك الأمر هنا.”
لكن رائد أجابها بجديّة حاسمة:
“إذا كان قد دفعكِ لضربه، فذنبه لا يُغتفر.”
كان يعلم أن جنى طيبة القلب، لا ټؤذي أحدًا، وحتى فكرة العڼف تزعجها. ولأنها أقدمت على ضړب وليد، فلا بد أن هناك ما هو أسوأ تحت السطح، وربما كان سببًا في محاولتها السابقة للاڼتحار. لذلك لم يكن لينسحب الآن.
الټفت إلى وليد مجددًا، وقال بلهجة آمرة:
“بسرعة!”
ارتجف وليد من هيبته، وتحت وطأة الخۏف والعجز، انحنى ببطء، ثم جلس على الأرض أمام جنى، قائلاً بصوت متهدّج:
“سيدة جنى… أنا آسف… لم يكن يجدر بي التفكير بك حتى.”
سقط رأسه على الأرض، لأول مرة في حياته، انكسر رجلٌ كان يظن نفسه فوق الجميع.
حتى سونيا، التي لطالما نظرت إلى وليد بإعجاب، لم تصدق عينيها. أما جنى، فقد صُدمت لدرجة أنها لم تجد ما تقوله. لم تتخيل أن رجلًا كوليد يمكن أن يركع لها بهذا الشكل. قلبها كان يرتجف من الحيرة والذهول.
رائد، وقد حقق هدفه، انحنى نحو وليد، وأمسك بشعره، ثم همس في أذنه:
“أعلم أنك لن تنسى هذا، وأنا لا أتوقع ذلك. لكن تذكّر، غدًا عند الساعة الثانية عشرة ظهرًا، سأكون في منزل عائلة الزهور… وأنتظر اڼتقامك.”
كان يعلم أن هذا لم يكن إلا الفصل الأول من المعركة.
ثم نهض، وسار نحو الباب، ومد يده إلى المكتب الثقيل، فأعاده إلى مكانه بحركة واحدة، وكأنه لا يزن شيئًا.
استدار إلى جنى، وقال بابتسامة هادئة:
“عزيزتي، لنذهب.”
خلع رداء الڠضب، واستعاد رقّته معها. كانت جنى لا تزال في حالة صدمة، لكنها تبعته بصمت.
وحين خرجا إلى الشارع، قالت بقلق:
“لقد أذللته أمام الجميع… إنه لن يتركنا بسلام. هل فكرت بالعواقب؟”
أجابها بنبرة ناعمة واثقة:
“طالما أنا معك، لا تقلقي من شيء.”
نظرت إليه، وقد أصبح في نظرها أكثر من مجرد رجل. لقد بات حصنًا يحميها، سندًا لا يتزعزع. ومع ذلك، راودها قلق دفين:
في عالمٍ تحكمه المصالح، هل يمكن ليدٍ واحدة أن تتحدى عائلة الزهور بأكملها؟
لم تستطع جنى كبت قلقها، فعبست قليلًا وقالت بصوتٍ مفعم بالخشية:
“أعلم أنني بحاجة إلى الراحة، لكن هذا الرجل، وليد، ليس شخصًا عاديًا… إنه غني ونافذ، وسيجد بالتأكيد وسيلة للاڼتقام منا.”


ابتسم رائد ابتسامة غامضة، ثم قال بنبرة واثقة وغامضة:
“تعالي، سأصطحبكِ إلى مكانٍ ما.”
لم توضح كلماته شيئًا، لكنها حملت في طياتها وعدًا بالأمان. أوقف سيارة أجرة، وركبا معًا.
بعد عشرين دقيقة من الطريق، توقفت السيارة أمام بوابة منتجع “ماونتن” الفاخر.
ترجّل الاثنان من السيارة، وما إن وطئت أقدامهما ساحة الانتظار، حتى سمعا صوتًا ساخرًا ينبعث من الجوار:
“نادرًا ما يأتي أحد بسيارة أجرة إلى منتجع ماونتن!”
وأضاف صوت آخر بازدراء:
“من الطبيعي أن يأتي بعض القرويين بين حينٍ وآخر ليستمتعوا بمنظر المنتجع من الخارج، فهو أشبه بجنّة بالنسبة لهم، لكن لا أظنهم يُسمح لهم بالدخول.”
كان الصوتان صادرين عن هيثم وشيهاب، وهما من أبناء الطبقة الراقية في مدينة الزهور، يجلسان بجانب سيارة فيراري فاخرة. نظر الاثنان إلى رائد وجنى نظرات احتقار، كما لو أن ظهورهما بسيارة أجرة في هذا المكان الفاخر كان چريمة في حد ذاته.
منتجع ماونتن لم يكن مجرد وجهة ترفيهية، بل حصنًا منيعًا لا يدخله إلا أصحاب النفوذ والمكانة. المكان يكتنفه الغموض، ويُقال إن وراءه قوى خفية هائلة، حيث تتخفى فيه “النمور والتنانين”، أي كبار الشخصيات المؤثرة والغامضة.
من الخارج، يبدو المنتجع سلسلة مراكز ترفيه وطنية فاخرة، لكنه في حقيقته عالمٌ خاص لا يشبه شيئًا آخر. موقعه المميز على سفح الجبال الغربية لمدينة الزهور منحه إطلالة ساحرة، ومناظره الطبيعية الأخّاذة جعلته قبلة لعلية القوم. بل إن وجود منتجع ماونتن في مدينة الزهور بالذات، يعكس مكانة المدينة الاقتصادية والسياحية المتقدمة.
لكن الدخول إلى المنتجع لم يكن متاحًا للجميع، بل يتطلب بطاقة كبار الشخصيات، والتي تتدرج في مستوياتها: فضية، ذهبية، بلاتينية، وأخيرًا الماسية.
أدنى بطاقة، وهي الفضية، تتطلب تعبئة رصيد بقيمة لا تقل عن مليون دولار. لذا لم يكن من العجيب أن يُصبح المنتجع حلمًا بعيد المنال حتى لدى الأثرياء.
رغم أن جنى ليست فتاة بسيطة، فهي تنحدر من عائلة تيمور ذات السمعة، إلا أنها لم تجرؤ يومًا على الاقتراب من أسوار هذا المكان، فما بالك بالدخول إليه؟ كانت قد سمعت عن المنتجع وراودها الحلم بزيارته، لكنها لم تتخيل قط أن يأتي اليوم الذي يقف فيه رائد إلى جانبها عند بوابته.
احمرّ وجهها خجلًا عندما بدأ الآخرون يسخرون منهما، فعضّت شفتها وهمست لرائد:
“أنت بحاجة إلى بطاقة كبار الشخصيات لدخول هذا المكان… هل لديك واحدة؟”
أجابها رائد بهدوء:
“لا.”
قهقهت شيهاب بازدراء وقالت بصوتٍ مسموع:
“هل سمعتم؟! لا يحمل بطاقة، ومع ذلك جاء بسيارة أجرة إلى هذا المكان! بالله عليكم، كيف لرجل لا يملك سيارة أن يملك بطاقة بمليون دولار؟”
أومأ هيثم ساخرًا:
“دعيهم، لا جدوى من مجادلتهم، هيا بنا إلى الداخل.”
كانت جنى تشعر بالحرج أكثر من الڠضب، فتنهدت قائلة:
“لا أعلم لماذا جئت بي إلى هنا من دون بطاقة… لن نتمكن حتى من رؤية شيء من الداخل.”
لكن رائد، وقد أمسك بيدها بثقة، أجابها بهدوء مفعم بالقوة:
“تعالي معي، فقط.”
ومضى بها بخطى ثابتة نحو بوابة الدخول.
كانت البوابة مزوّدة بنظام أمني مشدد. يتوجب على كل زائر أن يمر بإجراءات تفتيش شاملة، سواء للأمتعة أو حتى للأجساد. حراس الأمن يقفون بصلابة، والبوابة لا تُفتح إلا بالتحقق الدقيق.
غير أن في منتصف البوابة، ممرًا خاصًا، يختلف عن باقي المسارات. كان ممرًا إلكترونيًا بالكامل، لا يحتاج إلى تدخل بشړي، يُفتح عبر التعرف على الوجه فقط. ممرٌ نادر لا يُستخدم إلا من قبل شخصيات فائقة التميز.
وما إن اقترب رائد وجنى من ذلك الممر الخاص، حتى ارتفعت الهمسات خلفهم.
صړخت شيهاب پصدمة:
“ما الذي يفعلانه؟! هل يحاولان التسلل عبر الممر الخاص؟!”
قال هيثم وقد بدت عليه الحيرة:
“أنا زرت هذا المنتجع عشرات المرات، لكن لم أرَ أحدًا يستخدم هذا الممر من قبل.”
حتى موظف الأمن نفسه قال باندهاش:
“عملت هنا سنوات، ولم أرَ أحدًا يمر من ذلك المسار، إنه مخصص لشخصيات استثنائية للغاية.”
التفتت الأنظار نحو رائد وجنى، شعورٌ بالترقّب والدهشة خيّم على المكان. أما جنى، فقد كانت متوترة، تشعر كأنها على وشك أن تكون موضع سخرية مجددًا. نظرات الجميع باتت ثقيلة، محرجة، كأنها تزن خطواتها.
لكن المفاجأة كانت مدوية.
بمجرد أن وطئت قدما رائد منطقة التعرف على الوجه، صدر صوت آلي رقيق:
“مرحبًا بكم. أهلًا وسهلًا.”
وانفتح الباب الأوتوماتيكي للممر الخاص بانسيابية، مُعلنًا دخول شخصية لا تشبه أحدًا…

التالي من هنا

3 أفكار عن “رواية أحببته رغم جنونه الفصل 36”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top