الفصل 267
كان آل كارلتون قد وصلوا إلى مكان الاحتفال قبل الموعد المحدد بوقت ملحوظ، لكن من بين جميع الحاضرين، كانت كلوي الأكثر لفتًا للأنظار. ارتدت فستانًا قصيرًا أنيقًا ينسدل بخفة على ركبتيها، وتغطي كتفيها شال ناعم بلون عاجي، مما أضفى عليها مزيجًا متقنًا من الوقار والجاذبية. شعرها كان مصففًا بعناية، ووجهها يزداد إشراقًا بابتسامة دافئة، حتى بدت وكأنها والدة العروس البيولوجية التي تستعد لرؤية ابنتها تُخطب في هذا اليوم المهيب.
كانت يدها متشابكة بذراع كريس، الذي بدا بدوره فخورًا بمرافقته لها. أما إيثان، فبينما كان يراقب هذه الابتسامة، أحس بشيء من الضيق، إحساس غامض لم يعرف له تفسيرًا، لكنه كان حاضرًا في أعماقه.
لم يمهله برنت وقتًا للتفكير، إذ بادره بالقول وهو يجيب عن سؤاله:
– “السيد والسيدة كارلتون وصلا مبكرًا، ويقومان الآن بالترحيب بالضيوف والتحدث معهم. بالمناسبة، حدث خلل بسيط في فستان السيدة كارلتون، ما اضطر الموظفين للعمل حتى ساعة متأخرة من الليل لإصلاحه. هذا الصباح الباكر، جرّبته مجددًا بعد أن وضعت مكياجها. من المفترض أن تكون في طريقها الآن.”
إيثان كان يعرف مارينا جيدًا. كان يدرك تمامًا أن حفل الخطوبة بالنسبة لها أشبه بحلم قديم تحقق، فرصة للتألق أمام الجميع. لم تكن من النوع الذي يتأخر طواعية عن مناسبة كهذه، بل على العكس، كان من المتوقع أن تصل في وقت أبكر لتستعرض جمالها وأناقتها. ومع ذلك، ها قد مر الوقت، والحفل أوشك على البدء، ولا أثر لها بعد. هذا الغياب أثار في نفسه شعورًا بالريبة.
في تلك الأثناء، كان المكان بأكمله قد تم تفقده وتجهيزه بدقة، وكل التفاصيل كانت في أبهى صورة. عبق الزهور النضرة يملأ الجو، وموسيقى هادئة تنساب بخفة في الخلفية، فيما كانت فساتين السهرة والبدلات الأنيقة تتماوج بين الحاضرين. بعض الضيوف انشغلوا في أحاديث جانبية، وآخرون كانوا يلتقطون الصور في أركان مزينة بأغصان الكرز. الأطفال أيضًا أضفوا حيوية خاصة على المشهد، يركضون بمرح تحت الأشجار المزهرة، يلاحقون بتلات الكرز التي تتساقط برفق حتى في غياب الريح.
بين ذراعي مينا الصغيرة، كان كونور يتأمل البتلات الساقطة بدهشة طفولية، وكأنه يراقب سحرًا يتجلى أمام عينيه. حاول أن يمد يده ليمسك إحداها، لكن بتلة خفيفة حطّت على أنفه، فتوقف عن الحركة كأن الزمن جمد في تلك اللحظة، مستمتعًا بإحساسها الرقيق.
غير بعيد، كانت كلوي تراقب المشهد بعين يقظة، لكنها سرعان ما عادت تبحث بعينيها عن مارينا، دون أن تجد لها أثرًا. عندها شدّت ذراع كريس، وصوتها يحمل قلقًا واضحًا:
– “لماذا لم تصل مارينا حتى الآن؟ هل تعتقد أن شيئًا ما حدث لها؟”
أجابها كريس بعد لحظة، محاولًا تهدئتها:
– “أنت تعرفينها… تحب التأنق والمبالغة في الاهتمام بمظهرها. حتى أنها أصرت على تعديل الفستان بسبب تفاصيل بسيطة جدًا. ربما هي الآن غاضبة أو مستاءة من أمر ما.”
هزت كلوي رأسها، وقالت بنبرة حاسمة:
– “هذا لا يجوز. المراسم على وشك البدء، وليس من المعقول أن تغيب في هذه اللحظة. سأذهب لأطلب منها أن تسرع.”
لكن قبل أن تخطو مبتعدة، أمسك كريس بيدها برفق:
– “لا ترهقي نفسكِ، أنتِ بالكاد خرجتِ من المستشفى قبل أيام قليلة، وقد بذلتِ جهدًا كبيرًا للتحضير لهذه المناسبة. ثم… أنتِ تعرفين أن مارينا لطالما كانت تحمل في قلبها بعض الضغينة تجاهك.”
ابتسمت كلوي ابتسامة هادئة لكنها محمّلة بالحنين، وقالت:
– “والدتها رحلت وهي طفلة صغيرة، ولم تجد من يمنحها ما يكفي من الرعاية. من الطبيعي أن تحمل بعض الاستياء. سأحاول دائمًا أن أكون بجانبها لتعويض ما فاتها.”
أجابها كريس بصدق:
– “أنا محظوظ للغاية لأني تزوجت امرأة مثلكِ. لكن… أين أوليفيا اليوم؟ هل ما زالت غاضبة منا؟”
تنهدت كلوي وأجابت بصوت منخفض:
– “جيف ما زال في غيبوبة في المستشفى، وأوليفيا… هي ابنتي، قطعة من روحي. أعرف أنها مستاءة من كثير من الأمور، خاصة فشل زواجها، وأعلم أن والدها كان يدللها بلا حدود. لكنها ستفهم كل شيء حين تهدأ.”
لكن الحقيقة أن قلب كلوي كان يضيق حين تتذكر خلافها مع أوليفيا ليلة البارحة. عودتها من الخارج لم تُجدِ في تحسين علاقتهما، بل على العكس، كانت معظم لقاءاتهما تنتهي بنقاشات حادة. رغم ذلك، كانت تؤمن في أعماقها أن أوليفيا ليست سيئة، إنما هي فتاة متمردة تحتاج فقط إلى يدٍ صبورة. عقدت العزم على أن تتحدث معها بصراحة حين تمر هذه الأزمة.
قطعت أفكارها بقولها لكريس:
– “سأتصل بمارينا بنفسي. راقب الوضع هنا.”
– “حسنًا… لكن تذكري، لا تبذلي جهدًا كبيرًا.”
سارت كلوي حتى وصلت إلى ظل شجرة كرز كبيرة، وأخرجت هاتفها لتتصل بمارينا. لكن محاولتها باءت بالفشل، فالهاتف كان خارج التغطية.
أحست بشيء من القلق يثقل صدرها، وتساءلت في سرها: هل يمكن أن تكون مارينا بالفعل على متن المروحية الآن؟
بدأت بالاتصال بفريق عمل مارينا، وجاءها الرد الذي لم تتوقعه أبدًا. أحد الموظفين أخبرها أن مارينا استقلت مروحية منذ ساعتين كاملتين.
تجمدت كلوي في مكانها. الرحلة من ألدينفاين إلى الجزيرة لا تستغرق أكثر من نصف ساعة، فكيف يعقل أن تغيب كل هذا الوقت؟ وأين يمكن أن تكون الآن؟