صرّت ليان على أسنانها من شدة الإحباط، كأنها تحاول كبت الڠضب المشتعل في صدرها، ثم تمتمت بصوتٍ خفيض، كمن يتحدث إلى نفسه:
“أيُعقل أن يوجد في هذا العالم شخص بهذا القدر من الحقارة؟”
خفضت صوتها أكثر، وقالت بلهجة ملؤها الاحتقار:
“لقد سرقتِ منها الرجل الذي أحبّته… أليس من الكافي الآن أنك أصبحتِ السيدة القيسي؟”
ضحكت مرام بسخرية باردة، وردّت دون أن تخفي ازدراءها:
“أنا من سرقته؟! لولا تدخل نوران، لكنتُ الآن زوجة أحمد منذ زمن. هي من خطفته مني، لا العكس.”
رفعت ليان حاجبيها بدهشة، ثم قالت بنبرة ساخرة:
“آنسة الزهراني، بجرأتك هذه يمكنكِ أن تسجلي رقمًا قياسيًا جديدًا في موسوعة غينيس!
ظننتُني سيئة، لكنني لا شيء أمامكِ. لقد ارتفع سقف الوقاحة إلى حدّ لا يُصدق!”
مرام، وقد بدت متوترة رغم ثبات ملامحها، عقدت ذراعيها وقالت مھددة:
“لو كنتِ مكانك، لأدّبت نفسي قبل أن أتكلم.”
ابتسمت ليان بسخرية طفولية وقالت بمرح مصطنع:
“أوه، يبدو أن أحدهم بدأ يفقد أعصابه!”
ردّت مرام ببرود، وهي تحاول أن تبدو متماسكة:
“أنا لست غاضبة.”
لكن عينيها قالتا شيئًا آخر تمامًا.
في الجانب الآخر من القاعة، كانت نوران تشعر وكأن قلبها يغلي من الداخل. لقد وضعت كل ما تملك على الطاولة، ورفعت عرضها إلى خمسة مليارات دولار. كانت تعلم أن أحمد قادر على رفع السعر بسهولة، لكنها كانت تأمل أن يكتفي بما فعل.
لكن عندما لم يحرّك أحمد مجدافه، بدأ شهاب كروسبي العدّ:
“خمسة مليارات… مرة أولى.”
وفي اللحظة نفسها، اهتزّ هاتف أحمد.
“خمسة مليارات… مرة ثانية.”
كانت ليان تتابع بقلق متزايد. لقد تجاوز المزاد حدوده، وتحول من بيع عقار إلى معركة خفية على مشاعر رجل، بين امرأتين تعرفان جيدًا ما يعنيه أن يكون أحمد في المنتصف.
اهتز هاتف أحمد مرة أخرى.
“خمسة مليارات…—”
وكان شهاب على وشك إسقاط المطرقة عندما صدح صوت أحمد فجأة:
“خمسة مليارات ومليون.”
ارتجفت نوران، فقد أدركت حينها أنها خسړت.
انتهى الأمر.
ابتسمت مرام ابتسامة المنتصر، وقالت بنبرة لا تخلو من التشفّي:
“كما قلت… أحمد يمنحني دائمًا ما أريد.”
أما ليان، فقد حدّقت في مؤخرة رأس أحمد بنظرة تحمل ما لا تقوى الكلمات على وصفه. لو كانت عيناها سلاحًا، لكان سقط على الفور.
في المقابل، عضّت نوران شفتها بقسۏة، تُخفي ألمًا لا يُحتمل وهي تتابع مرام تتجه إلى المنصة لتشكر أحمد، بعد أن حصلت على ما أرادته… منزل الهاشمي.
ورغم دفء القاعة، شعرت نوران ببرودة تسرّبت إلى عظامها. سقط كل شيء حولها في لحظة إلى ظلام قاتم، وأغمضت عينيها، متشبثة بمسند المقعد وكأنها تحاول منع نفسها من الاڼهيار.
كانت ليان تدرك جيدًا أن نوران كانت على وشك الفوز، لكن أحمد – كما اعتاد – تدخّل في اللحظة الأخيرة، مدمّرًا كل ما خططت له.
همست نوران وهي تنهض:
“فلنغادر.”
قفزت ليان لمساعدتها، تدرك أن صديقتها قد وصلت إلى مرحلة الإنهاك، وداخلها رغبة عميقة بأن تحقق لها كل أمنياتها قبل أن يفوت الأوان.
لكنها كانت تعلم جيدًا… أن استعادة منزل الهاشمي لم تعد ممكنة.
“نوران…” تمتمت ليان، وعيناها مغرورقتان بالدموع. كانت ترى الحزن ينهش وجه نوران، دون أن تجد طريقة حقيقية لمواساته.
لكن نوران، رغم ألمها، ابتسمت، وقالت بصوت خاڤت كنسمة آخر الخريف:
“أنا بخير. ربما لم يكن هذا البيت لي من البداية.”
كانت مرام الآن هي الحب الجديد في حياة أحمد، أما هي… فلم تكن سوى ماضٍ باهت في ذاكرته.
كان من السهل على أي شخص أن يُخمّن من سيختار.
بل لم يكن هناك خيار أصلًا.
وما دام قد اعتاد إيذاءها، لم يكن مفاجئًا أن يستغل هذه الفرصة ليزيدها ألمًا.
لاحظت ليان ذلك الحزن العميق في عيني نوران، لكنها لم تجد ما تقوله، فاكتفت بأن تمسك بيدها وتقول:
“هيا نخرج من هنا.”
وفي طريق العودة، ساد الصمت. جلست نوران في السيارة، وجهها واجم، وعيناها تحدّقان في المجهول، وأسندت خدّها إلى كفّها، بينما كان الشارع يمرّ أمامها كأن لا شيء فيه يعنيها.
قالت بهدوء:
“ليانا، دعينا نتمشى على الساحل… أحتاج لبعض الهواء.”
ردّت ليان، وقد اختنقت الكلمات في حلقها:
“بكل سرور… لنذهب.”