الفصل 102
ارتد صدى بكاءٍ حاد في أرجاء القصر كأنه صفع٠ة مدوية على جدار الصمت المتواطئ.
كونور…
كان واقفًا عند أعلى الدرج، يبكي بصوتٍ منكسر. جسده الصغير يهتز تحت وطأة الأ.لم، ودموعه تنساب على وجنتيه كأنها تستجدي الر.حمة من عالم لا ير.حم.
تجمدت الخادمة التي كانت تحمل الس.كين، يدها توقفت في الهواء بين قرارين لا عودة منهما.
ورغم أن مارينا لم تكن يومًا أماً حقيقية له، فإن رؤيته بذلك الضعف العاري أشعل اضطرابًا خافتًا في أعماقها حاولت أن تُخفيه خلف قناع البرود المعتاد.
قالت بحدة تختبئ خلفها رعشة قلق:
“ما الذي تفعله؟! أبعدوه من هنا فورًا! لا أريده أن يرى هذا المنظر!”
اندفعت خادمتان نحو الصبي، في محاولة لإبعاده. لكن دموعه المتصاعدة لم تكن مجرد بكاء، بل صرخة استغاثة.
في تلك اللحظة، انقبض قلب أوليفيا.
ومن فوق، جاء صوت خادمة ثالثة يصرخ بجزع:
“سيدتي! السيد كونور يبدو مصابًا برد فعل تحسسي! هناك طفح جلدي ينتشر على وجهه وجسده!”
زفرت مارينا بضيق وهي تشير ببرود:
“اتصلي بالطبيب… الآن.”
لكن نظراتها كانت موجهة بالكامل نحو أوليفيا، كأن مأساة ابنها فرصة ذهبية لحسم صراعها.
رمقتها أوليفيا بدهشة وغضب:
“هذا الطفل يبكي، يتألم، يبحث عنك… إنه ابنك، ألا ترين ذلك؟! احتضنيه، طمئنيه، افعلي أقل ما يمكن لأي أمّ أن تفعله!”
ضحكت مارينا باستخفاف، وأشارت إلى السكين في يد أوليفيا:
“إذا أنهيتِ الأمر الآن… سأفعل.”
حدّقت أوليفيا في السكين، ثم رفعت عينيها إلى كونور.
كان لا يزال يبكي، عيناه تائهان، تبحثان عن حضن… عن أمان.
همست، كأنها تخاطب نفسها:
“هو لا يناديني أمي، ومع ذلك… يؤلمني بكاؤه أكثر مما يؤلمك. لماذا؟”
قبل أن تجيب عن سؤالها، أفلتت الخادمة قبضة يدها عن كونور. ومن شدة ارتباكه، حرر نفسه وركض نحو الدرج.
صرخت الخادمة خلفه:
“سيد كونور! انتظر!”
لكنه لم يتوقف.
وفي غفلة من الجميع… تعثر.
كان على وشك السقوط!
بدافع أمومي مفاجئ، أشبه بالفطرة، رمت أوليفيا السكين بعيدًا، وركضت بسرعة خارقة، لتلتقطه بين ذراعيها قبل أن يضرب الأرض.
انهار في حضنها، جسده يرتعش والطفح قد زحف على وجهه، اختلطت دموعه الملتهبة بآثار الحساسية.
عانقها بقوة، وهمس بكلمة واحدة… هزّت أعماقها:
“ماما…”
قالها مرتين، بصوت متقطع، محطم، صادق.
اختنقت أوليفيا بالبكاء، وضمته إلى صدرها كأنها وجدت طفلها الذي فُقد منها ذات يوم في عُرض البحر.
المشهد كان كافيًا ليشعل جحيم الغيرة في صدر مارينا. كانت تراقب من بعيد، أنفاسها تضيق وأسنانها تطحن بعضها.
ثم صرخت فجأة، صوتها كالسوط:
“أوليفيا فوردهام! توقفي عن هذا العرض! إن لم تفعليها… سأجعلهم يفعلونها بدلًا منك!”
أشارت إلى خادمتين تقفان على الطرف، فأومأتا لها بلا تردد.
اقتربت إحداهن من أوليفيا لسحب كونور من بين ذراعيها، بينما الأخرى رفعت سكينًا لامعًا يشق الهواء كحد السيف.
تشبثت أوليفيا بالطفل كأنها تتشبث بحياتها، وقالت بصوت مملوء بالتحدي:
“لن تلمسوه. لن تأخذوه مني.”
وبقوة استمدتها من اليأس، تدحرجت على الدرج وهي تحتضنه، تحاول بجسدها الضعيف أن تحميه من الصدمات.
عند كل درجة، كان الألم يمزقها… لكن لم يكن الألم أولويتها.
هي فقط… كانت تحاول أن تنقذ هذا الطفل، كما فشلت في إنقاذ طفلها ذات زمن بعيد.
وصلت إلى أسفل الدرج، جسدها مغطى بالكدمات، لكنها ضمته إليها بقوة، وهمست بصوت مرتجف:
“لا تخف… أنا هنا، معك.”
تسمر كونور في حضنها، مشهدها كان مؤلمًا… لكنه شعر بدفء حقيقي، لم يعرفه من قبل.
أما مارينا، فظلت مكانها، لم تتحرك، لم تركض للاطمئنان عليه. فقط تمتمت ببرود:
“انتهى العرض. شوّهوا وجهها… الآن.”
نظرت الخادمتان لبعضهما، ترددت نظراتهما للحظة، ثم تقدمتا نحو أوليفيا، والسكاكين تشق الهواء بثبات قاتل.
قالت إحداهن بصوت بارد:
“نعتذر يا آنسة فوردهام…”
في هذا القصر، لم يكن أحد يجرؤ على معارضة مارينا… فهي السيدة المقبلة، وسلطتها لا تُناقش.
كانت أوليفيا منهكة، جسدها يرتجف، وطاقتها تلفظ أنفاسها الأخيرة.
كل ما استطاعت فعله هو أن تحتضن كونور أكثر، تغلفه بذراعيها، وتحملق في نصال الموت القادمة نحوها.
ثم… فجأة…
دوى هدير رهيب في المكان.
صرخة كاسرة، كأنها زئير أسد جائع.
الهواء ارتجف، القصر بكامله اهتز، الخادمات تجمدن في أماكنهن، والسكينا٠ن توقفتا في منتصف الهواء…
رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 103 رواية حتى بعد الموت