الفصل الثاني
*هذه الرواية حصري على موقع دريمسيز، ممنوع النسخ منعاً باتاً نظراً لحقوق الملكية الفكرية ومن يخالف ذلك سيخضع للمسائلة *
في قصر الأسيوطي…
تزين المكان كعروس ليلة زفافها؛ أضواء خافتة تتراقص على الجدران، موسيقى هادئة تنساب بين الزوايا وزهور نادرة تنبعث منها رائحة الأناقة والترف.
كان كل ركن من أركان القصر يشهد على بذخٍ لا يعرف الاقتصاد طريقه فقد أُعدّ المكان للاحتفال بعيد ميلاد الأميرة المتوجة في عرش المال والجمال… شروق الأسيوطي.
كانت شروق وكأنها نجمة انفلتت من مجرة تتألق بثوبٍ من أحدث التصاميم ينسدل على جسدها كالشفق على صفحة البحر تحيط بها زمرة من الوجوه اللامعة تتسابق في مدحها.
قالت إحدى الحاضرات وعينيها تلمع بالدهشة:
“شروق… فستانك ليس من هذه الأرض! كأنه مجرة درب التبانة نُسجت بالخيوط الفضية لتحتضنك.”
أضافت أخرى بنبرة ممزوجة بالغيرة والإعجاب:
“هذا من إصدار أحدث صيحات الربيع للموضة، أليس كذلك؟ حاولت استئجاره دون جدوى… كيف لك أن تملكيه؟ لا عجب فأنت ابنة الأسيوطي، والدك كريم كما السماء!”
اقتربت صبية ثالثة تهمس بشغفٍ في أذنها:
“عيد ميلاد سعيد، يا نجمة الشاشة القادمة… سمعت أن مخرجًا عرض عليك دورًا بطولة؟ لا شك أنكِ ستغزين الساحة قريبًا… فقط لا تنسينا حين تصعدين إلى القمة.”
قهقهت أخرى بلهجة ساخرة تخفي الغيرة خلف قناع الود:
“ومن يحتاج لصناعة الترفيه أصلًا؟ شروق لا تمثل هي ببساطة تضيء! شهرتها قدر لا سعي.”
ابتسمت شروق وعيونها تخفي نيران الغرور خلف سحب الامتنان وقالت برقة مدروسة:
“أشكركن… سأذهب لأتفقد أمر الكعكة يبدو أنها تأخرت.”
وفي طريق عودتها إلى الداخل كادت تصطدم بوالدته السيدة سوسن، التي كانت تهمّ بالخروج كأنها تلاحق هاجسًا لا يهدأ.
همست شروق وهي تقترب:
“أمي… هل عاد الرجال الذين أرسلتهم؟ اليوم عيد ميلادي العشرون ولا أريد لأحد أن يهمس بأن في عائلتنا فتاة اختطفها تجار البشر… هذا سيلطخ اسم العائلة ويطفئ وهج الصورة التي رسمناها أمام الجميع.”
نظرت سوسن إلى ابنتها بحنانٍ مصطنع وراحت تزيل خيطًا وهميًا من على تنورتها وكأنها تمسح ذكرى لا ترغب في عودتها ثم قالت بهدوء لاذع:
“غياب الأخبار راحة، اطمئني فهي أبداً لن تعود فقد باعوها إلى قرية بعيدة تجهل اسمها الخرائط، وما الذي يمكن أن تفعله فتاة مثلها الآن؟”
أومأت شروق برأسها غير أن ومضة خفية من الأمل لمعت في عينيها، أملٌ خجول لا لعودة الفتاة بل لليوم الذي تستطيع فيه أن تنظر في عينيها وتهمس:
أنا من تنتمي لهذا العرش لا أنت.
وفجأة قطع الصمت صراخ مدبرة المنزل وهي تندفع كالإعصار من الخارج:
“سيدتي سوسن! مروحية… مروحية آل الدريني هبطت في الحديقة!”
شهقت شروق وعيناها اشتعلتا ببريق الذهول:
“آل الدريني؟ أمي! هل… هل يُعقل أن يكون فهد الدريني نفسه؟!”
انكمشت ملامح سوسن من الدهشة لكنها لم تستطع إخفاء ارتعاشة الفرحة خلف وقارها الزائف فرغم أن عائلة الأسيوطي تملك واحدة من أضخم شركات الشرق الأوسط إلا أن اسم “الدريني” كان كالعاصفة… عالميّ الحضور يسبقه الصيت وتتبعه السطوة.
وفهد؟ وريثهم المدلل نجم المال والسلطة، شخص لا يهوى الحضور إلا حيث تهمه الخطوة.
قالت سوسن وهي تحاول استجماع رصانتها:
“ربما… ربما جاء من أجل الصفقة لا أكثر.”
لكن في عينيها ولأول مرة منذ سنين اشتعل الأمل فإن استطاعوا ربط اسم الأسيوطي بـ”الدريني” فقد دخلوا العصر الذهبي لعائلات النخبة.
أمسكت سوسن بيد شروق وتوجّهتا إلى المرآة لإلقاء نظرة أخيرة لترتبا بقايا الأناقة كمن يستعد لاستقبال القدر ثم اندفعتا معًا نحو الحديقة وقلباهما يخفقا بما يشبه… بداية رواية جديدة.