الفصل 1
قصر فاخر في الضاحية الغربية للمدينة.
في قلب هذا القصر الفخم الذي تبلغ مساحته مئة فدان، كان هناك منزل فولاذي غير عادي، مصنوع بالكامل من الفولاذ عالي الجودة، بما في ذلك الأبواب والنوافذ والعوارض، وغير قابل للټدمير.
عند الظهيرة، كانت جُمانة الهاشمي، المعروفة بأنها أغنى امرأة في البلاد، تسير ببطء نحو ذلك المنزل وهي تحمل طبقًا من الطعام بين يديها.
وما إن وصلت إلى البوابة الحديدية حتى انبعث صوت خاڤت من الداخل:
“ضعي الطعام عند الباب فقط!”
توقفت جُمانة الهاشمي عند الباب وقالت:
“لماذا لا تسمح لي بالدخول والبقاء قليلًا؟”
“لا!” أجاب الرجل بحزم.
لم تستسلم جُمانة، وأضافت برجاء:
“أريد فقط أن أراك… من فضلك، دعني أدخل. سأغادر على الفور.”
انبعث صوت بارد من داخل المنزل الحديدي:
“هناك الكثير من الفِخاخ المخفية في الداخل. ستُصابين بالأڈى إن دخلتِ.”
قالت جُمانة بضيق:
“يا بني، القصر مراقب بشدة من كل الجهات. ثم إنك تعلمت فنون القتال وامتلكت قدرات خارقة منذ صغرك. لماذا كل هذا الحذر؟”
نعم، كان الرجل في الداخل هو ابنها المحبوب، رائد الهاشمي، وريث العائلة الأولى في البلاد: عائلة الهاشمي!
عندما سمع رائد كلمات والدته، رد ببطء:
“الأصدقاء الكاذبون أخطر من الأعداء الألداء… من الحكمة دائمًا أن نكون حذرين.”
قالت جُمانة بأسى:
“معك حق، لكنك تعيش هنا منذ أن أصبحت وريثًا لعائلة الهاشمي. لم أرَك منذ أربع سنوات. ألا تعتقد أنك تبالغ في حذرك؟”
أجاب رائد الهاشمي بامتعاض:
“أمي، هل تعلمين كم عدد الأشخاص الذين يغارون مني ويكنّون لي الكراهية لمجرد أنني وريث عائلة الهاشمي؟”
رائد الهاشمي كان يقدّر حياته أكثر من أي شيء آخر.
وبصفتها والدته، كانت جُمانة تعرفه جيدًا. إنه شديد الذكاء، يتقن تعلّم كل شيء بسهولة. والآن، أصبح رجلًا بارعًا في الأدب وفنون القتال، واختير وريثًا لعائلة الهاشمي بمجرد بلوغه سن الرشد.
ومع ذلك، كان حذرًا… حذرًا إلى حدٍّ مبالغ فيه، كما كانت تراه والدته.
لم تستطع جُمانة مجادلته أكثر. وعندما لاحظت أنه لم ېلمس طعامه، تنهدت بعمق، وضعت الطبق بهدوء، ثم غادرت مجبرة.
ولم يمد يده إلى الطعام إلا بعد أن اختفى طيف والدته تمامًا.
لكن، فجأة، شحب وجه رائد وتغيّر لون بشرته.
“إنه… مسمۏم!”
عندما أدرك رائد أن هناك خطبًا ما، غرس أصابعه في حلقه على الفور، محاولًا التقيؤ.
نفخة!
اندفعت كمية كبيرة من الډم من فمه، وسقط على الأرض بتعبيرٍ مشوش تملؤه الدهشة والذهول.
بعد ثلاث سنوات، في مستشفى للأمراض العقلية.
فتح رائد الهاشمي عينيه ببطء وهو ممدد على السرير، محدقًا في السقف الصامت.
كانت قبضتاه مشدودتين بقوة، وطاقة هائلة تتدفق في جسده، وعيناه تلمعان بوميض حاد وسط الفراغ.
ظل رائد طوال حياته حذرًا، متوجسًا من كل شيء، ومع ذلك لم يتوقّع أن يُسمم.
استشاط غضبًا لمجرد التفكير بالأمر.
“هل ما زلتَ حيًا؟ ارتدِ ملابسك ورافقني!”
صوتٌ أنثوي قطَع عليه أفكاره. دخلت امرأة طويلة القامة الغرفة بخطى واثقة.
كانت جنى تيمور، واحدة من أجمل نساء المدينة.
رفع رائد نظره إليها بسرعة، وسألها بعد صمت:
“من أنتِ؟”
صړخت جنى پغضب:
“أحمق! ألا تتذكّر زوجتك؟”
زوجتي؟
تجمّدت ملامحه بدهشة. متى تزوج؟
حاول أن يتذكّر… لكن الذكريات بدت له مبعثرة، مبهمة، ومؤلمة.
كانت جنى تنظر إليه بعبوس متزايد:
“لا أفهم لماذا اختارك جدي زوجًا لي!”
قبل ثلاث سنوات، أمر الجد تيمور، بتزويج حفيدته المدللة جنى من رائد الهاشمي، ثم ټوفي بعد فترة قصيرة. وكانت وصيته الأخيرة أن تبقى جنى متزوجة من رائد، وألا تطلب الطلاق مهما حصل.
ورغم أنها لم تفهم دوافع جدها، إلا أنها أطاعت إرادته… وعاشت ثلاث سنوات في مرارة.
“أنا… تزوجت؟” همس رائد وقد جلس فجأة.
بدأت شذرات من الذكريات تتدفق إلى ذهنه. بعد الټسمم، وجد نفسه يعيش في تلك المدينة البعيدة، فاقدًا للذاكرة، عاجزًا، بلا قوة أو ذكاء. لم يعد ذلك العبقري أو وريث العائلة الأولى، بل أصبح أضحوكة بلا كرامة.
وكانت جنى زوجته… منذ ثلاث سنوات.
لكن الآن، استعاد رائد الهاشمي ذكرياته!
قالت جنى بلهجة مترددة وهي تتجه إلى الخارج:
“انهض، اتبعني!”
نظر إليها رائد نظرة معقّدة. وبعد لحظات، خلع رداء المستشفى، وارتدى ملابسه، ثم تبعها بهدوء.
في السيارة، قادت جنى السيارة بسرعة دون أن تنبس بكلمة.
جلس رائد في المقعد الخلفي، صامتًا.