رواية أحببته رغم جنونه الفصل الثامن

couple, silhouette, sunset, man, woman, nature, husband and wife, boyfriend girlfriend, pair, together, couple silhouette, love, romantic, affection, marriage, courtship, people, couple, couple, couple, couple, couple, love, love, love, romantic, marriage, marriage, marriage

رنّ هاتف جنى وسط صمتها الغاضب.
نظرت إلى الرقم بعين مشتعلة، رفعت السماعة، وصاحت دون تردد:
“أرجوك، لا تزعجني مرة أخرى!”
ثم حذفت رقمه من القائمة السوداء ببرود حاسم، وكأنها تُسقط عبئًا عن كاهلها.

كان رائد يجلس قريبًا، يراقب بصمت، دون أن ينبس بكلمة.

المساء، داخل غرفة النوم.

تمدّدت جنى على السرير، بينما اختار رائد الأرض ليرتاح.
مرّت لحظات من الصمت المشحون، قبل أن تقطعها جنى بصوت منخفض لكنه مثقل بالريبة:
“رائد… أين كنت البارحة؟”

أجاب دون أن يحاول المراوغة:
“في حي الشيخ.”

الاسم وحده كان كافيًا ليفتح أبواب الشك.
ذاك الحيّ الفاخر في مدينة الشيخ، حيث لا يعيش إلا الأثرياء.
مكان لا تدخله الأرواح المرهقة، ولا يعرفه من لم يكن من أصحاب الملايين.

فهمت جنى على الفور: مرضه لم يهدأ. لا يزال يخرج عن السيطرة، وسيظل يعود حين لا تتوقعه.

تنهدت بعمق، أغلقت الضوء، واستسلمت للنوم، بينما في داخلها، كان كل شيء مستيقظًا.

ظهيرة اليوم التالي.

كانت جنى غارقة في العمل، تحاول تعويض المستحيل في مكتبها الجديد.
في المنزل، بقي رائد وغادة فقط، بعد أن غادرت جنى.

غادة كانت في حالة نفسية يرثى لها.
خيباتها، كرامتها المجروحة، وأوهامها المنهارة، كلّها كانت تنفجر داخليًا، إلى أن وقع بصرها على رائد.

ذلك الرجل الذي، برأيها، لا يجلب سوى الخيبة.
قصيّ كان سيئًا، نعم، لكنه كان يملك المال.
أما رائد؟ لا مال، لا سلطة، لا قيمة!

وفي لحظة لا رحمة فيها، تفجّرت كلماتها أثناء الغداء:
“لو كنت تنفع بشيء، ما كانت جنى تتحمّل كل هذا لحالها!”

رائد سمع الإهانة بصمت، كما اعتاد.
لكن اليوم، في نبرة غادة، كان هناك ما هو أكثر من السخط. كان هناك قلق… حب.

فقال، بصوت هادئ لكنه واثق:
“سأجعلها سعيدة.”

كلماته كانت كالشرارة.
صرخت غادة وقد استشاطت غضبًا:
“سعيدة؟ طلّقها لو فعلًا تريدها سعيدة! طول اليوم ملتصق فيها، ولا تريد الخروج من حياتها! كيف تكون سعيدة وأنت ملتصق بها هكذا؟!”

لم يجب. عاد إلى صمته، لكن داخله كان يغلي.

جنى لم تعد إلا في الثامنة مساءً.
غادة اتصلت بها عشرات المرات، بلا رد.
حين اتصلت بالشركة، جاءها الرد كصفعة:
“تم نقلها إلى المكتب الرئيسي، طُلب منها تأمين بعض الصفقات، وإلا ستُفصل.”

تجمدت غادة.
جنى، التي لم تطأ قسم المبيعات من قبل، تُجبر الآن على السعي بين الناس، تتوسّل العقود، فقط لتُبقي وظيفتها.

رمت الهاتف على الأريكة، وانفجرت:
“اليوم ٢٩! تطلبي مليونين خلال يومين؟! مستحيل!”

جنى، منذ تخرّجها، تعمل في شركة العائلة: “أنجول للديكور المحدودة”، شركة محترمة في مدينة الشيخ، لكنها عانت في السنوات الأخيرة بسبب سمعة عائلة تيمور المتدهورة.
واليوم، وفي أكثر أوقاتها ضعفًا، طُلب منها إنقاذ ما لا يُنقذ.

غادة كانت مشتعلة.
تعرف أن السيدة العجوز تعتبر جنى نقطة سوداء في تاريخ العائلة، وأنها وضعت هذه الشروط فقط لتُسقطها من جديد.

الدناءة في أوضح صورها.

في عالم الأعمال، لطالما دفعت النساء ثمن نجاحهن بوجوه مبتسمة وجلسات صاخبة ومفاوضات مريرة.
وغادة كانت تخشى على جنى من السقوط.

“ما الذي يحدث؟” سأل رائد بهدوء، وقد التقط من نبرة غادة ما يكفي ليشعر بالخطر الكامن خلف الكلمات.

لكن بالنسبة لغادة، لم يكن مجرد وجوده أمرًا عابرًا، بل كان خطيئة في حد ذاته.
اندفعت نحوه، تضربه وتصرخ بعينين متقدتين:
“أنت السبب! لو لم تكن عالة عديمة النفع، لكانت جنى بخير! لكانت…”

لم تُكمل جملتها، اندفع خارجًا من المنزل دون أن يرد أو يبرّر، لا يرى سوى صورة واحدة: جنى. وكأن شيئًا لا يستحق التوقف عنده.

صاحت غادة خلفه بانفجار الغضب:
“لا تجرؤ على الهرب! عد حالًا!”

لكنه لم يلتفت.
ركض وهو يهتف لفاضل:
“اعثر عليها، وبأي ثمن!”

قفز إلى أول سيارة أجرة توقّف عندها.
“إلى أين؟” سأله السائق.
ألقى في حجره ورقة نقدية من فئة 200 دولار، وقال بنبرة لا تقبل الجدال:
“تابع السير، وسأُعطيك العنوان لاحقًا.”

كانت عيناه تقدحان شررًا كأن النار تسكن فيهما، ومع ذلك، خرج صوته بارداً كحد السكين.

بعد دقائق قليلة، بدأ هاتفه يرنّ.
لم يكن هناك من يعرف هذا الرقم سوى فاضل.
لا شك أنه وجدها.

مدّ رائد يده إلى جيبه ليُجيب، لكن فجأة توقفت عدة سيارات من حوله، وأُغلقت الطرق.

خرج منها عشرة رجال يحملون العصي، يحيطون به كما تحيط الذئاب بفريستها.

وفي تلك اللحظة، ظهر قصيّ وانِس من بين الدخان،
أشعل سيجارته ببطء، وتقدّم بخطى ثابتة نحو رائد،
وفي عينيه بريق الظفر، وعلى شفتيه… ابتسامة قاتلة.

رواية أحببته رغم جنونه الفصل التاسع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top