كانت ليان تمسك بالأوراق في يدها، وصرخت بحدة:
“ما أعنيه واضح. تعملين في شركة عادية، ثم تأتين لتطلبي التعاون مع مجموعة فاضِل! بل وتحاولين رشوتي! هل فقدتِ صوابك؟ أتجهلين أن لدينا قسم ديكور داخلي محترف؟ ما الذي يؤهلكِ أساسًا للتعاون معنا؟”
ثم ألقت بالأوراق على وجه جنى، في إهانة متعمّدة أمام الجميع.
بدت جنى تيمور عاجزة، وقد غمرها الحرج والبؤس.
بدأ الهمس يدبّ بين الموظفين:
“كما تَرَون، ها هي واحدة أخرى تحاول استغلال شركتنا لتحقيق مكاسب.”
“كيف لها أن تتجاوز حدودها بهذا الشكل؟!”
“شركتها المتواضعة تطمح إلى التعاون مع مجموعة فاضِل؟ يا للسخرية!”
“من المخزي أن تلجأ إلى الرشوة!”
كانت كلماتهم كالحصى يتساقط على رأسها، وكل همسة كطعنة خفية.
أدركت جنى، حتى وإن كانت متأخرة، أن ليان لم تُرِد مساعدتها قط. بل سمحت لها بالدخول فقط لتُذلّها، وتُرضي غرورها المتراكم.
لقد كان ما بينهما من صداقة، في نظر ليان، مجرد وهمٍ تافه، لا أكثر من صفحة قذرة في كتاب ماضٍ مغلق.
شعرت جنى بقلبها يتفتّت. رفعت الأوراق عن الأرض بصمت، ثم قالت بصوتٍ مخنوق، مليء بالغضب المكبوت:
“كان يمكنكِ ببساطة أن ترفضي مساعدتي… لكن لا يحق لكِ إهانتي بهذه الطريقة. تصرّفكِ بعيد كل البُعد عن الإنسانية!”
لكن ليان ردّت ببرودٍ جارح:
“الآن فهمتُ لماذا اخترتِ ذلك الأحمق زوجًا لكِ. لا تملكين عقلًا ناضجًا. حتى لو أردتِ رشوة أحد، فابحثي عن شخصٍ أحمق مثلك! ألا تعلمين أن لدينا قوانين صارمة؟ حتى الحارس أذكى منك!”
أثارت كلماتها ضجةً داخل الحشد. سمع بعضهم الاسم، وبدأت الهمسات من جديد:
“رائد الهاشمي؟ هل تقصدون زوجها؟ ذلك الأحمق؟!”
“أليست هذه السيدة من عائلة تيمور؟”
“حقًا… جميلة، ولكن يبدو أن عقلها مفقود!”
“يا للعار! جاءت تعرض التعاون وهي في هذا الحال؟ أليست مجنونة؟!”
كانت كلماتهم تنهال على جنى كالمطر البارد، تدقّ في رأسها وتجرح كرامتها. امتلأت عيناها بالدموع، لكن كبرياءها منعها من البكاء. أرادت الحفاظ على ما تبقّى من ماء وجهها.
قالت بصوت مبحوح، تحاول لملمة نفسها:
“نعم، جئتُ للتعاون. وقد أكون تجاوزت بعض الحدود… لكنني لم أحاول رشوتكِ أبدًا. أرجوكِ، لا تُلصقي بي تُهمًا باطلة.”
لكن ليان لم تكن تسعى لشيء سوى إذلال جنى. أرادت أن تُثبت للجميع أنها الأفضل، وأنها انتقمت لنفسها من ماضيها.
وبعد أن شبعت من المشهد، صرخت بصوتٍ عالٍ:
“أيها الحارس، أخرج هذه المجنونة من هنا!”
تقدّم حارسان فورًا.
تصلّب جسد جنى في مكانه، وقلبها غارق في الحزن والخذلان. لم تكن تتخيّل أن تُطعَن بهذه القسوة من زميلة سكنٍ قديمة. نظرت إلى الحارسين وهما يقتربان منها، وشعرت بيأسٍ عميق يُثقِل كاهلها…
لكن في تلك اللحظة، دوّى صوتٌ رجوليّ من الخلف:
“توقّفوا!”
كلمة واحدة فقط، لكنها كانت كافية لتُسكت القاعة كلّها. التفت الجميع بسرعة، ليروا المتحدث.
دخل رجل هادئ الملامح، في منتصف العمر، ببدلة أنيقة وخطوات واثقة.
لقد كان عُدى، مدير الموارد البشرية في مجموعة فاضِل!
ما إن رأوه، حتى بادر الجميع بالتحية:
“المدير عُدى!”
اقتربت منه ليان مُرتبكة، وقالت بانكسارٍ ظاهري:
“المدير عُدى! لم أكن أعلم أنك هنا، ما الذي أتى بك؟”
لكنّ الرجل لم يُجبها، بل رمقها بنظرة صارمة وقال:
“تم طردكِ من العمل.”
ساد الصمت في القاعة، وصُدم الجميع.
اتسعت عينا ليان، وسألت بصوت متقطع:
“هل… هل تمزح، سيدي؟”
أجابها بحزم لا يقبل النقاش:
“أنا لا أمزح. احزمي أمتعتكِ وغادري فورًا.”
كانت كلماته قاطعة، كحد السيف.
تجمّدت ليان في مكانها، لا تُصدّق ما يحدث. اختلطت في داخلها مشاعر الصدمة، والانكسار، والذهول، والعار.
أما الآخرون، فقد وقفوا مبهوتين، لا يعرفون ماذا جرى.
تقدّم المدير عدي نحو جنى، وأشار لها بأدب:
“نتشرف بلقائكِ يا آنسة تيمور. هل حضرتِ من أجل التعاون؟ تفضّلي معي، من فضلكِ.”
رواية أحببته رغم جنونه الفصل الثالث عشر
Pingback: رواية أحببته رغم جنونه الفصل الحادي عشر – dreamses