رواية أحببته رغم جنونه الفصل السابع

رواية أحببته رغم جنونه

تنفّس فاضِل الصعداء، لكنه لم يستطع إخفاء قلقه، فسأل بلطف:
“هل ترغب بشيء؟ أجهّز لك عشاء؟”

رغم براعته في إدارة الأعمال، إلا أن وقوفه أمام رائد في تلك اللحظة ملأه بالتوتر. شيء ما لم يكن على ما يرام.

أجاب رائد ببساطة:
“لا… فقط حبيت أقضي الليلة هنا.”

تذكّر فاضِل كيف دعاه للبقاء ليلة البارحة، لكن رائد رفض حينها لأنه كان متلهفًا للعودة إلى البيت… إلى جنى.

والآن، يعود فجأة، من دون دعوة، ويطلب المبيت هنا؟

لم يستطع فاضِل كتم فضوله أكثر، وسأل بتردد:
“هل حصل شيء بينك وبين الآنسة جنى؟”

“سنحصل على الطلاق غدًا.”
قالها رائد بهدوء، كأنه يتحدث عن موعدٍ عادي، لا عن انهيار زواجٍ دام ثلاث سنوات.

تجمّد فاضِل في مكانه، مذهولًا.

رائد الهاشمي، رجل له وزنه، لا يُفترض أن تنتهي قصته بهذا الشكل. في نظر فاضِل، جنى تيمور كانت استثنائية — ليست فقط جميلة وذكية، بل صبورة، استطاعت أن تتحمل رائد لثلاث سنوات كاملة رغم كل ما مرّ به. وكان ذلك، في حد ذاته، معجزة.

نقطة ضعف جنى الوحيدة؟ عائلتها.
لكن من يحتاج عائلة، حين يكون رائد هو العائلة بأكملها؟ رجل يملك المال والنفوذ، لا يبحث عن توازن مادي، بل عن شريكة قلب.

ومع كل هذا، قال رائد إنه سيُطلّقها… وكأن شيئًا لم يكن.

همس فاضِل، مترددًا:
“لماذا؟”

لكن رائد أغلق عينيه، وبلغة لم تحتمل نقاشًا، قال:
“أحتاج لبعض الوقت وحدي. يمكنك الانصراف.”

رغم صمته الخارجي، شعر فاضِل بثقلٍ هائل يسكن في صدر رائد، فانسحب باحترام، دون أن يُكثر من الأسئلة.

الساعة 6 صباحًا

وقف رائد أمام باب شقة جنى، دون أن يطرُق، دون أن ينطق.

وقف هناك ساعتين كاملتين، كتمثالٍ ساكن، تنتظر روحه أن تُحسم.

الثامنة صباحًا
فتحت جنى الباب، وكانت على وشك الخروج… ثم تجمدت. رائد كان هناك، كما لو أنه لم يتحرك منذ الأزل. عيناه تحملان شوقًا، ووجهه تعب السنين.

دمعت عيناها، وركضت نحوه، تضربه على صدره بقبضتيها، باكية:
“أين ذهبت الليلة الماضية؟! هل تعرف أنني ظللت أبحث عنك طوال الليل؟!”

كانت تصرخ، لكنها كانت أيضًا تنهار. في تلك اللحظة، عرّت قلبها أمامه، دون تحفظ.

رائد كان جاهزًا ليودّعها، ليُنهي ما تبقى. لكنه لم يتوقع أن تُفاجئه بهذا القلق، بهذه الدموع… بهذا الحب.

نظر إلى وجهها المرهق، فامتلأ قلبه شفقة وندم.
قال، لأول مرة في حياته، بصوت خافت:
“أنا آسف.”

توقفت جنى، مدهوشة، غير مصدقة.

رائد الهاشمي… يعتذر؟

لم يفعلها يومًا، حتى في أصعب الأوقات. تلك الكلمة كانت كل ما احتاجته لتنهار داخليًا.

لم تتمالك نفسها، فاندفعت إليه، احتضنته بقوة وهي تقول بصوت مختنق:
“لن أطلقك. لن أسمح لك بالذهاب مجددًا!”

الندم كان ينهش قلبها منذ الليلة الماضية.
لثلاث سنوات، كان رائد دائمًا موجودًا، حتى حين تُلقي به غادة في المصحة، كانت تُعيده. لكنه اختفى ليلة واحدة فقط، وجنّت من القلق.

شعرت وكأنها وجدت شيئًا فقدته منذ زمن، كأن قلبها عاد لينبض من جديد.

وحين نطقت بتلك الكلمات الحاسمة، شعر رائد بشيءٍ يتكسّر داخله. قلبه، لأول مرة، ينبض بخوفٍ جميل… خوف من أن يفقدها.

احتضنته، ثم نظرت إليه بعينين مبللتين بالدموع، وقالت:
“عدني، رائد الهاشمي… أن تبقى قريبًا، أن لا تختفي مجددًا، أرجوك.”

أجاب رائد، هذه المرة بثبات:
“أعدك.”

دخل معها إلى الشقة.

غادة، التي خرجت للتو من غرفتها، لم تُضِع وقتًا.

“أوه، ها أنتَ ذا! ظننتُ أنك هربت! هيا، نبدأ إجراءات الطلاق فورًا!”

لكن جنى استدارت نحوها، بوجه هادئ وحازم، وقالت:
“أمي… قررت ألا أطلّق رائد.”

انفجرت غادة:
“هل فقدتِ عقلكِ؟! قصي سدّد ديني! كيف ستردّين له المليون إن لم تتزوجيه؟ اليوم هو الموعد النهائي! هل تريدين أن ننام في الشارع؟!”

كانت كلمات غادة كالسياط. أعادت جنى إلى الواقع القاسي، وبدأ قلبها يتخبّط مجددًا.

لكن رائد قطع عليها التردد، وقال بهدوء فيه قوة:
“دَعي أمر المال لي.”

رواية أحببته رغم جنونه الفصل الثامن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top