رواية أحببته رغم جنونه الفصل العاشر

couple, silhouette, sunset, man, woman, nature, husband and wife, boyfriend girlfriend, pair, together, couple silhouette, love, romantic, affection, marriage, courtship, people, couple, couple, couple, couple, couple, love, love, love, romantic, marriage, marriage, marriage

وبينما عمّ الصمت، خرج من الغرفة أربعة رجال في الخمسين من عمرهم، تلاهم امرأة أنيقة تجاوزت الأربعين. جميعهم من كبار الشخصيات في المدينة، وشهدوا الموقف بعيونٍ متفحّصة.

قال أحدهم بسخرية مريرة:
“هاها، يا نايف… لم تعد مرهوب الجانب كما كنت! يبدو أن من أمامك لا يعرفك… أو لا يُبالي.”

ابتسم نايف رعد بوحشية، وقال:
“أنت على حق… لقد مرّت سنوات منذ خضت قتالًا حقيقيًا. يبدو أن الشباب باتوا يجهلون من أكون.”

كان يعلم أنّ رصيده من الهيبة قد تآكل، وها هو يوشك أن يُختَبر.

نجاحه لم يكن صدفة، بل نحتَه بيديه عبر قتالٍ طويل ومرير في شوارع مدينة الشيخ. لكن الآن، بعد أن صار زعيمًا يُشار إليه بالبنان، لم يعد بحاجةٍ ليرفع قبضته.
حتى الليلة…

حتى جاء رائد.

شابٌ ضرب أحد رجاله، ثم وقف متحديًا سلطته، من دون أن يرفّ له جفن.
ومع كل دقيقة تمرّ، كانت هيبة نايف رعد تتآكل أمام الجميع.

تنفّس الرجل بعمق، ثم خلع سترته ببطء، وسلّمها لحارسه.
وتقدّم نحو رائد وقال بصوتٍ هادئٍ ينزف تهديدًا:
“يا فتى… أنت مغرورٌ أكثر مما ينبغي. سأُريك الليلة أن فوق كل قويٍّ… أقوى.”

كانت نظرات الحضور مشدودة، والقلوب متأهبة.

حتى رجال الأمن بدَوا متحمّسين، فهذا مشهدٌ نادر، أن يخوض “الزعيم” قتالًا شخصيًا!

رائد لم يتكلّم. ملامحه جامدة، وعيناه كسيفين مسنونين.

قال نايف رعد بحزم:
“ضع المرأة، وسنقاتل كرجال.”

لكن رائد أجابه ببرود قاتل:
“لست بحاجةٍ ليديّ كي أُسقطك.”

غرورٌ؟ بل ثقةٌ قاتلة.
هذا ما فكّر به الجميع.

صاح نايف رعد:
“أنت تحفر قبرك!”
ثم انقضّ عليه، ضاربًا ساقه بقوة نحو خاصرة رائد!

لكن رائد، وهو لا يزال يحمل جنى بين ذراعيه، استجاب بحركة رشيقة، ورفع ساقه اليمنى لتصدّ الهجوم.

ثم…

اصطدمت الساقان كأنما التقت صفيحتان فولاذيتان!

تراجع نايف رعد متألّمًا، وتشوّه وجهه من شدّة الألم، فيما بدا كاحله وكأنه ارتطم بجدارٍ من الحديد.

يا إلهي… أيّ قوةٍ يحملها هذا الشاب؟!

صوت الارتطام لا يزال يتردّد في آذان الحاضرين، أمّا أعينهم… فقد كانت مشدوهة لا تُصدّق.

لم يعُد نايف رعد قادرًا على ضبط قوّته… فانفجرت من داخله طاقة هائلة كالعاصفة، واندفع مجددًا نحو رائد، وقد تخلّى هذه المرة عن كلّ تحفظ. لم يعُد يرى المرأة التي يحملها خصمه، بل لم يعُد يرى سوى عدوّ يجب إسقاطه.

كان رائد، كعادته، صامتًا… جامد الملامح… لا أثر للانفعال في عينيه.
ومع أن نايف رعد كان محاربًا بارعًا، ذا تاريخ طويل في القتال، إلا أنّه بدا وكأنه يصطدم بجدار لا يُهزم.

كلّ هجومٍ شنّه نايف رعد… كان يُقابل بصدٍّ أنيق وسلس.
كلّ ركلة، وكلّ لكمة، كانت تُردّ إليه بقدمي رائد وحدهما، دون أن يُحرّك ساعدًا.

أكان إنسانًا؟ أم شخصا منيعًا لا يُطال؟

جميع من حضروا كانوا مذهولين حتى العظم.
دهشةٌ خيمت على المكان كالصمت الذي يسبق العاصفة، لكن العاصفة هذه المرة كانت في قلوبهم!

ومع أنّ ملامح رائد لم تتغيّر، إلا أنه في أعماقه شعر بشيء من الدهشة. لم يتوقّع أن يجد في هذه المدينة النائية خصمًا يمتلك هذا القدر من البراعة في القتال… ومع ذلك، لم يكن تهديدًا حقيقيًا بالنسبة له.

مرّت دقيقتان… وكان صبر رائد قد بدأ ينفد.

لم يشأ أن يطيل اللعب.
ففي لحظة حاسمة… أطلق هجومه الأول!

ارتفعت الأجساد، وتشنّجت الأنفاس، حين رأى الجميع رائد، الذي ظلّ في وضع دفاعي طوال الوقت، يقفز في الهواء، ثم يُطلق ركلةً دائرية ساحقة!

ركلة مثالية!

ارتطمت قدمه بصدر نايف رعد بقوة مدمّرة، فسمع الجميع صوت الهواء وهو يُـ.ـمزق من شدة الضـ.ـربة.

شهق نايف رعد بقوة، وبصق دمًـ.ـا قانيًا تناثر في الهواء، قبل أن ينهار على الأرض كخشبة يابسة.
وساد الذهول مرةً أخرى!

تجمّدت العيون، وتعلّقت الأنفاس. كيف لرجلٍ يحمل امرأة بين ذراعيه، أن يقفز، ويُطلق ركلة بهذه الدقة والجمال والقوة؟!

أيّ نوعٍ من البشر هو هذا؟!

كان الحرس في حالة صدمة شديدة، حتى الكبار الذين خرجوا من الغرفة الخاصة كانوا عاجزين عن الكلام. أحدهم تمتم بدهشة:
“هذا الشاب… يمتلك قوى لا تُصدّق.”

أما نايف رعد، فظلّ ممددًا على الأرض، عيناه تحدّقان في السقف بعجز.
طوال حياته، لم يُهزم قط، ولم يُقابل خصمًا كهذا.
أما اليوم… فقد تلقّى ضربةً في الجسد… وأخرى في الكبرياء.
وبدا، للحظة، كأنّه شيخ في العاشرة من عمره.

رائد، ببرود لا مثيل له، نظر إليه من أعلى، ثم قال بتحذيرٍ صارم:
“لا تُغضـ.ـبني مجددًا… وإلا، فلن تجد مَن يُنقذك.”

ثم أدار ظهره، وتقدّم نحو الممر.

لكن نايف رعد، وقد أدرك أن خروجه بهذه الطريقة يعني نهاية سُمعته، صرخ بصوتٍ متهدّج وهو يجاهد للنهوض:
“حتى لو كنتَ ماهرًا في القتـ.ـال… ففي هذا العالم، القوة الحقيقية هي النفوذ!
في مدينة الشيخ… من يُهينني، لن يجد نهاية سعيدة!”

رغم هزيمته، كان لا يزال يعتمد على نفوذه وقوّته الخلفية.

ثم صرخ:
“أمسكوه!”

لكن فجأة…

اقتحم المكان جمعٌ من الرجال يرتدون بذلات رسمية سوداء، تقدّموا بثباتٍ وهدوءٍ مُهيب.

في مقدّمتهم، وقف رجل وقور، في أواخر الخمسينات من عمره، بملامح صارمة ووقفةٍ واثقة… كان فاضِل، رئيس مجموعة “فاضل”، وواحدًا من أقوى الشخصيات نفوذًا في مدينة الشيخ.

ما إن رآه الحضور، حتى تحركوا على الفور وحيّوه بكل احترام:
“رئيس فاضل! ما الذي أتى بك إلى هنا؟”

لكنّ فاضل لم يلتفت إليهم.

بل تجاهلهم كليًا، وتقدّم مباشرةً نحو رائد.

ثم وقف أمامه، وانحنى باحترام، وقال بصوتٍ مفعم بالهيبة:
“أعتذر لتأخري، سيدي الشاب… سامحني!”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top