الفصل 22
لم يسبق لجاد أن شهد مشهدًا بهذا القدر من المفاجأة والصخب، وكأن العالم انقلب أمام عينيه.
لم يرغب في الانخراط بأجواء الفرح، رغم أنه اعتاد الاستمتاع بنظرات الإعجاب التي تلاحقه، لكنه اليوم رفض أن يبادل أحدًا تلك النظرات، واكتفى بصمته المتعالي.
بل شعر بالخجل من البقاء، وكأن وجوده نفسه صار عبئًا. غياب السيد جاد، المعروف بهدوئه وهيبته، سيترك أثرًا يلاحقه طويلًا، ولم يعد قادرًا على تحمّل تلك العيون التي تحدّق فيه كأنها تفضحه.
لكن الأهم من كل هذا، أن جاد كان قد وعد بإسعاد عائلة زهرة. وبعد أن خذله فندق بريز، أصبح عليه أن يجد بديلًا يليق بهم ويحجزه دون تأخير.
غادر المكان بسرعة، بعد أن طُرد بلا أي رحمة.
وفي الخارج، كانت الحشود تتزايد أمام فندق بريز، يتدافعون بدهشة وذهول لرؤية عائلة تيمور تنزل من موكب فاخر، كأنها في عرض ملكي.
“أهذه عائلة تيمور؟ كيف حظيت بهذه المعاملة المترفة؟”
“نعم، إنها هي. انظروا، تلك السيدة العجوز، رمز عائلة تيمور. من كان يتخيّل أن هذه العائلة، التي لم تكن إلا ثاني صف في مدينة الشيخ، ترتقي إلى هذا العلو؟”
“يقال إن بنات تيمور الثلاث فاتنات. ربما ارتبطت إحداهنّ بثري نافذ.”
“أعرف أن اثنتين متزوجتان، وزوج إحداهن لا يُعتمد عليه.”
“أما تلك التي على اليسار، فيبدو أنها تزوجت الآن أيضًا. يا له من حظ عظيم!”
كانت الهمسات تعلو، والتعليقات تتطاير كأعلام ملوّنة في سماء الحدث، تعكس مجدًا غير مسبوق لعائلة تيمور.
وشعر أفراد العائلة وكأنهم يعلون فوق السحاب، تغمرهم موجات من الفخر، محاطين باستقبال ملكي: حفل فاخر، أمن مشدّد، حشود متحمسة، نظرات إعجاب وغيرة… كل ذلك جعلهم يشعرون وكأنهم بلغوا قمة المجد، لحظة لا تُنسى في حياتهم.
وكأنهم يسيرون على بساط من حرير، رفعوا رؤوسهم بخيلاء، ودخلوا فندق بريز ببطء وثقة.
كانت لحظة مهيبة، تنبض بالعزة والدهشة.
اصطف حرس الشرف على جانبي المدخل، يرحبون بعائلة تيمور كما لو كانوا ملوكًا، بينما هم يعبرون إلى الداخل بخطى واثقة.
وما إن دخلوا، حتى فوجئوا بأن الفندق الذي كان مكتظًا أصبح فارغًا تمامًا.
“لا عجب أن الناس يتجمهرون في الخارج!” قالت العجوز بدهشة.
فأجاب وئام بسرعة: “نعم، لقد قمنا بحجز الفندق بالكامل لكم فقط اليوم. هذا اليوم، هو لعائلة تيمور.”
لم يكن هذا مجرد حدث عابر، بل لحظة تاريخية ستُخلّد في ذاكرة العائلة.
قالت العجوز بتنهيدة فخر: “الكرامة التي فقدناها منذ ثلاث سنوات بسبب رائد، استعدناها أخيرًا اليوم.”
وتناغمت أصوات من حولها في إعجاب وتأييد.
“يا لروعتنا اليوم! لم نكن نحلم بمثل هذه المعاملة الملكية. الآن جاء دورنا لنتذوق المجد!”
وقد عُزي كل هذا المجد لزَهْرَة، فهي من فتحت لهم أبواب هذا الشرف، ولولاها لما لُقيوا هذه الحفاوة.
وبدأ أفراد العائلة ينهالون عليها بالثناء، يمتدحونها من أعماق قلوبهم.
أما زَهْرَة، فقد بدت وكأنها تطير في السماء، تغمرها نشوة الفرح، وكل هذا بفضل جاد، الذي أعدّ لها هذه المفاجأة المذهلة. كانت تدرك ثراءه وحبه، لكن أن يذهب إلى هذا الحد لأجلها، فذلك ما لم تتوقّعه.
كانت أسعد امرأة في العالم!
“أرأيتِ يا جنى؟” قال بلال بسخرية لاذعة، “الآن تفهمين معنى أن يكون لكِ زوج صالح. زَهْرَة أعادت لنا الفخر، أما أنتِ… للأسف، ضيّعتِ فرصتك.”
تحولت الأنظار نحو جنى، كلماتهم كانت كالسهام.
“بلال على حق. إن لم تكوني مصدر فخر، فلا تكوني سببًا في عـ.ـارنا.”
“كيف تفضلين العيش مع أحمق، في حين يمكنكِ الزواج من رجل ثري؟”
“جدتكِ وعدتكِ بالطلاق، فلماذا ترفضين؟ أي حماقة هذه؟”
كلما علا شأن زَهْرَة، ازداد خجل جنى.
كان قلبها ينـ.ـزف بصمت، تغمرها مشاعر عدم الارتياح.
وكأنها تُجلد بصمتها، فبينما كانت زَهْرَة تحلّق بسعادة، كانت جنى تُسحق تحت وطأة المقارنات، والسخرية، واللوم المستمر. كانت تحلم بالرومانسية والمفاجآت، لكنها لم تحظَ بها، بل نالت النصيب الأشد من الألـ.ـم والخذلان.
في الواقع، لم تعد جنى قادرة على احتمال هذه الحياة المريعة، التي تلتهما يومًا بعد يوم.
ولكن، ويا للأسف، لم تتمكن من الفكاك منها.