الفصل الخامس
كان قُصيّ ملقى فوق غطاء محرك السيارة، يئن من الألم، ممسكًا بصدره بينما يتصاعد سعاله الحاد كأنما يُمزّق رئتيه.
ورغم الألم، كان الڠضب هو الشعور الطاغي عليه. لم يستوعب بعد ما جرى. كيف لرجل مثله — قُصيّ، أحد أعمدة النخبة الثرية في المدينة — أن يُطرَح أرضًا على يد شخص مغمور؟ الإهانة كانت أكبر من أن تُغتفر، وجعلت القبول بالأمر ضربًا من المستحيل.
لبث لحظة وهو يحاول لملمة كرامته قبل أن ينهض جزئيًا، ثم صاح بصوت متقطع من الڠضب المكبوت:
“إن تجرأت على ركلي مرة أخرى… سأقتلك!”
لكن حينما نهض أخيرًا واتسعت رؤيته، لم يجد أحدًا أمامه. لقد اختفى رائد الهاشمي، تبخّر كأنه لم يكن.
في تمام الثانية والنصف بعد الظهر، كان فاضل يحتسي الشراب مع مجموعة من المسؤولين في جلسة صاخبة. غاص في سُكرٍ عميق جعله بالكاد يُميز بين الواقع والخيال، وقبل أن يفقد توازنه تمامًا، طلب من سائقه أن يعيده إلى منزله.
كان فاضل يقطن في فيلا فاخرة ذات ثلاثة طوابق، في أحد أرقى ألاحياء. مكان لا يجرؤ المواطن العادي حتى على المرور بجواره. ومع ذلك، لم تكن تلك الفيلا أكثر من سكن مؤقت لرجلٍ بثروة فاضل، أحد أباطرة المال في المدينة.
حين توقفت السيارة في فناء الفيلا المرصوف بالأحجار اللامعة، ترنّح فاضل قليلًا وهو يفتح الباب، ثم قال بصوت مُتعب موجّهًا حديثه إلى السائق:
“سآخذ قسطًا من الراحة أولًا… عندي اجتماع الليلة، أيقظني عند الخامسة.”
دخل بخطى متثاقلة، وعيناه نصف مغلقتين، وذهنه مثقل بالشراب والضجيج.
لكن ما إن عبر عتبة القاعة حتى انتفض قلبه، كأنما صُبّت عليه مياه باردة.
هناك، في وسط القاعة الواسعة، كان يجلس رجلٌ بهدوء على الأريكة، كأنما هو صاحب المكان.
توقف فاضل في مكانه، مصعوقًا، وصاح بتلعثم:
“من هذا الذي يجلس هناك؟!”
نهض الرجل عن الأريكة ببطء، وألقى عليه نظرة جامدة، هادئة كالجليد، لا حياة فيها ولا انفعال.
كان ذلك الرجل هو رائد الهاشمي.
تراجع فاضل خطوة للوراء، وفرك عينيه كما لو كان يحاول طرد أثر الخمر من رؤيته، ثم تمتم بدهشة ممزوجة بالرهبة:
“أأنت… الرجل الثالث؟!”
توجه رائد الهاشمي ببطء نحو فاضِل ووقف أمامه، وسأله بصرامة: “لقد كنت في هنا في المدينة لمدة ثلاث سنوات، لماذا لم تبحث عني أبدًا؟”
عند سماع هذا، انحنى فاضِل أمام رائد.
توترت أعصابه وارتجف، “يا سيدي رائد، لطالما ظننتك ميتًا. لا آتي إلى الجانب الغربي من المدينة كثيرًا، لم أكن أعلم بوجودك هنا حقًا!:
أغنى رجل، أسطورة، في مجال الأعمال، انحنى أمام رائد الهاشمي. لو شاهد الآخرون هذا المشهد، لذهل الكثيرون.
لكن يبدو أن رائد قد اعتاد على توسل الاخرين له. نظر إلى فاضِل وقال ببرود: “أتمنى أن تفهم أنني أستطيع مساعدتك لتصبح أغنى رجل، ويمكنني أيضًا ټدمير كل ما تملكه”.
قال فاضِل پخوف: “بالطبع، أعلم أن رجل في مكانتك، لا يقهر، لا أجرؤ على خېانتك!”. كان فاضِل في رهبة من رائد الهاشمي.
قبل عشر سنوات، كان فاضِل مقاولًا مجهولًا. لاحقًا، ساعده رائد، ودرّبه، ومنحه رأس مالٍ أوليٍّ للاستثمار في العقارات.