رواية أحببنه رغم جنونه الفصل الثامن عشر

رواية أحببته رغم جنونه

الفصل 18

كان رامي شابًا من الجيل الثاني للأثرياء الجدد. نشأ في بيئة تفتقر إلى الانضباط والتعليم، فكبر فظًّا، متعجرفًا، وسيّئ السلوك.
وعندما رأى أن السيارة التي اصطدمت به كانت من النوع القديم، قدّرها بمليونًا على الأكثر، وظنّ أن مالكها مجرّد شخصٍ ريفي بسيط.
ولذلك، كان رد فعله عدوانيًا وفظًا إلى أقصى حد.

داخل السيارة، كانت جنى ما تزال مصډومة مما جرى.

أما رائد، الجالس في المقعد الخلفي، فقد تغيرت ملامحه فجأة. صار جامد الوجه، بلا رحمة، ومدّ يده إلى الباب ليخرج.

لكن جنى أوقفته على الفور، وقالت بحدة:
“ابقَ في السيارة.”
كانت تدرك أن خروج رائد في هذا التوقيت لن يجلب إلا المتاعب.

وبعد قليل من التردّد، خرجت جنى بنفسها من السيارة، وواجهت رامي مباشرة، وقالت بثبات:
“لقد ركنتُ سيارتي وفق القواعد، وأنت من تجاهل النظام.”

ضحك رامي بازدراء، وقال بفظاظة:
“لا يهمني! كل ما أراه أنك صدمتِ سيارتي… الآن، عوّضيني فورًا!”

نظرت جنى إليه بقلق. سيارة بتلك القيمة تعني أن خلفيته العائلية ليست بسيطة. لم ترد التصعيد، فقالت بنبرة هادئة:
“وكم تطلب؟”

رفع رامي يده دون خجل، وقال:
“خمسمائة ألف!”

تجمدت جنى في مكانها…
“خمسمائة ألف؟ هذا ابتزاز!”

قالت بتوتر:
“هذا مجرد تصادم خفيف. لا يستحق هذا المبلغ حتى لو كانت سيارتك مصنوعة من الذهب.”

لكنه لم يتراجع، بل هدّدها بتعالٍ:
“هذا جديد كليًّا. لن تغادري هذا المكان حتى تدفعي.”

وفجأة، قُطع التوتر بصوت هادئ لكنه حاسم:
“ما الذي يحدث هنا؟”

توجّهت الأنظار إلى شاب أنيق المظهر، يسير بخطى واثقة.

كان ذلك الشاب هو جاد، أحد ألمع رجال الأعمال في مدينة الشيخ، والوريث البارز لعائلة كارم العريقة، التي حافظت على مكانتها كواحدة من أعرق العائلات في المدينة لعقود طويلة.

جاد، المعروف بذكائه، أناقته، وقوة حضوره، كان يُعدّ من أفضل عشرة شباب في مدينة الشيخ.

حتى وإن كان رامي من الأثرياء الجدد، فقد بدا أمام جاد كشخصٍ تافه.
وحين رآه يقترب، تجمدت ملامحه، وسأل بدهشة:
“سيّد جاد؟! ما الذي جاء بك؟”

لم يُجبه جاد، بل نظر إليه نظرة صارمة وقال بهدوء:
“كيف تجرؤ على ركن سيارتك بهذه الطريقة؟ غادر فورًا.”

رغم أن كلماته لم تكن عالية، إلا أنها حملت قوة لا تقبل الجدل.

انحنى رامي بخنوع، وقال بسرعة:
“أجل، أجل، حاضر!”
ثم صعد إلى سيارته وانطلق مبتعدًا بلا أي احتجاج.

عاصفة كادت أن ټنفجر، تمّت تهدئتها بكلمات قليلة.

توقفت جنى في مكانها، تنظر إلى جاد بدهشةٍ لا تصدقها عيناها.

لقد كانت تعرف هذا الاسم جيدًا، بل وسمعته يتردد في أوساط المدينة كـ”أسطورة حية”.
فتيات عائلة تيمور لطالما تمنّين الزواج من شخصٍ مثله، وكان اسمه أشبه بوميض برقٍ في الأفق، لامعًا ومهيبًا.

لم تكن جنى تتوقع قط أن يظهر أمامها بهذا الشكل… وأن ينقذها.
أحسّت كأنها تحلم، واستجمعت شجاعتها لتقول بهدوء:
“شكرًا لك…”

قبل أن يُجيبها، ظهرت زهرة تيمور فجأة من الخلف، وأمسكت بذراع جاد، وقالت بمرح:
“نحن عائلة، لا بأس يا جنى!”

كانت زهرة في تلك اللحظة سوف ټنفجر من الفخر، تمشي بخطى واثقة، ونظراتها مليئة بالزهو والانتصار.

أما جنى، فبدت مندهشة تمامًا، لم تستطع إلا أن تقول:
“أنتِ…؟”

ابتسمت زهرة ابتسامة عريضة، وقالت بسعادة لا تخفى:
“اسمحي لي أن أقدّمه لكِ رسميًّا… هذا هو صديقي، جاد!”

كان جاد، رجل الأحلام بالنسبة لفتيات المدينة، الآن يقف بجوار زهرة، ويُمسك بذراعها.
تملكت جنى مشاعر غريبة لا تستطيع تفسيرها… أهي غيرة؟
لا، بل كانت دهشة!

قالت جنى بصدق وقد أضاءت على وجهها ابتسامة خفيفة:
“أنا سعيدة جدًا لأجلكِ.”

ضحكت زهرة بغطرسة مرحة وقالت:
“حسنًا، أختي العزيزة… أسرعي وارفعي سيارتك من الطريق!”

أومأت جنى برأسها دون كلمة، وعادت إلى السيارة لتضعها في المكان المخصص.

بعد أن أتمّت ركن السيارة، التفتت إلى رائد وقالت:
“هيا، انزل.”

ترجّلت من السيارة أولًا، وتبعها رائد بهدوء.

لاحظ جاد وجود شخص آخر داخل السيارة، فتساءل بدهشة:
“من هذا؟”

انحنت جنى برأسها قليلًا، وأجابت بصوت خاڤت:
“زوجي.”

رفع جاد حاجبيه باستغراب، ثم قال بنبرة متفاجئة:
“لقد تعرّضتِ للتنمّر منذ لحظات، لماذا لم يخرج زوجكِ لمساعدتكِ؟”

كان في حديثه نوع من اللوم المبطّن، وكأنه يقول: أيّ زوج هذا الذي يقف متفرجًا حين تُهان زوجته؟

لم تجد جنى ما ترد به…
لكن زهرة، وكعادتها في الصراحة، تدخلت سريعًا وقالت مازحة:
“ألا تعلم أن صهري… أحمق؟”

ازداد اندهاش جاد.

رغم أن اسم رائد الهاشمي، “الصهر المچنون”، كان يُتداول في مدينة الشيخ، إلا أن جاد لم يكن يهتم كثيرًا بالشائعات ولم يربط الاسم بالشخص.

كيف له أن يتخيل أن شابة مثل جنى تيمور، ذات الجمال والذكاء، قد تتزوج رجلًا يصفه الجميع بالحمق؟

ألقى نظرة سريعة على رائد، ثم قال بهدوء:
“صعبٌ تصديقه… لا يبدو كذلك على الإطلاق.”

والحق أن رائد، في تلك البدلة الأنيقة التي ارتداها اليوم، بدا أكثر وسامةً من الكثيرين. كان مظهره يبعث على الاحترام.

لكن زهرة اڼفجرت ضاحكة، وقالت وهي تشير إليه مازحة:
“جنى، هل ألبستِه هذه البدلة خاصّة للحفلة؟ أليست مضيعة لهيبته؟”

لم تُرد جنى أن تجعل من رائد موضع سخرية، فقالت بنبرة جادة:
“دعينا ندخل، يكفي هذا.”

فصمتت زهرة دون تعليق، وأمسكت بذراع جاد، وتوجّهت إلى داخل النادي الإمبراطوري.

تبعتها جنى، ومعها رائد، بخطى أقلّ صخبًا.

وصل الجميع إلى الغرفة الخاصة رقم ١، حيث كانت جين تيمور وزوجها سامر قد وصلا قبلهم وجلسا ينتظران.

وما إن رأيا زهرة تدخل برفقة جاد، حتى اتسعت أعينهما في صدمة!

كان سامر، التاجر الكبير في مجال الأخشاب، أحد أهم رجال الأعمال في مدينة الشيخ، وكان زواجه من جين تيمور مصدر فخر دائم لعائلة تيمور.

ولكن… من كان يتوقع أن يكون صديق زهرة هو جاد بنفسه؟
ذلك الاسم اللامع الذي يتصدر قوائم الصفوة في المدينة… رجلٌ لا يعلو عليه أحد في المكانة والشهرة والوسامة!

بينما كان جين وسامر ما يزالان في حالة من الذهول، أشارت زهرة إلى الزوجين وقالت لـجاد بابتسامة عريضة:
“هذه ابنة عمي جين تيمور، وزوجها سامر.”

تقدم جاد بخطوات واثقة، ومدّ يده بأدب قائلًا:
“تشرفت بلقائكما.”

وقف سامر على الفور، صافحه بحرارة وقال بانفعال:
“شرف عظيم لنا، سيد جاد. كيف حالك؟”

ولم تمضِ لحظات حتى دوّى صوتٌ عند باب القاعة:
“لم أتأخر… أليس كذلك؟”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top