تحمّل رائد الضرب بصمت، وعيناه لا تزالان هادئتين، كأنهما مرآتان للبحر في يومٍ ساكن. لكنه أظهر في صمته لوماً عميقًا لنفسه، وحزنًا خفيًا على دموع جنى.
في صباح اليوم التالي، اجتمعت العائلة في فيلا تيمور.
دعت السيدة تيمور، العجوز الوقورة، أبرز أعضاء العائلة لاجتماع عاجل. الموضوع الرئيسي: زواج زهرة.
كانت زهرة ما تزال شابة، لا تحظى بمكانة مرموقة في العائلة، لكنها كانت نجمة هذا الاجتماع، ما منحها حضورًا خاصًا.
ابتسمت العجوز وقالت:
“زهرة، سمعتُ أنكِ تواعدين جاد من عائلة كارم. هل هذا صحيح؟”
أجابت زهرة بحماسة ووجهها يضيء فرحًا:
“نعم، صحيح. لقد أهداني الليلة الماضية لوحة مروان!”
ارتسمت ابتسامة واسعة على وجه السيدة تيمور، وقالت بإعجاب:
“كما توقعت… أنتِ واعدة، ولن تخيّبي ظني أبدًا.”
غمر زهرة شعور بالفخر والاعتزاز، وقد أثلجت كلمات السيدة العجوز صدرها.
تقدّم والدها، شاكر، وقال:
“زهرة، هل يمكنك الاتصال بصديقك ليأتي؟ نود أن نراه.”
وانضمت والدتها مؤيدة:
“نعم، اتصلي به الآن.”
كان الزوجان متحمّسين لاستقبال هذا الصهر الثري، خصوصًا أن رغبة السيدة العجوز كانت كالامر، وإن لم تفصح عنها.
قالت زهرة بخفة:
“سأتصل به، فهو مشغول، ولا أعلم إن كان متاحًا.”
خرجت زهرة، وأجرت المكالمة.
بعد عشر دقائق، عادت وعيناها تلمعان، وقالت بحماس:
“اتصلت به. قال إنه في لقائه الأول مع والديّ، يجب أن يكون كريمًا. لذا، سيستضيف العائلة كلها في فندق بريز ظهرًا!”
فندق بريز!
الأفخم في مدينة الشيخ، والمعروف بجنة الطعام. سرّ شهرته يكمن في رئيس الطهاة الذي ورث مهارته من سلالة عريقة، ما منح أطباقه نكهة استثنائية لا تُقاوم.
وكان الحجز فيه شبه مستحيل، إلا أن جاد تمكن من حجز أكثر من عشر طاولات… أمر لا يقدر عليه سوى أصحاب النفوذ.
صُدمت العائلة من هذه الدعوة المفاجئة. حتى السيدة تيمور رفعت حاجبيها دهشة، ثم أمرت بحزم:
“اجمعوا كل العائلة فورًا! وأخبروا الجميع بارتداء أفضل ما لديهم.”
انتشرت الأخبار كالنار في الهشيم: جاد من عائلة كارم يدعو عائلة تيمور إلى مأدبة غداء فاخرة في فندق بريز.
ارتدى الجميع أجمل ما لديهم، وتحركوا نحو الفيلا.
حتى جنى وغادة بلغتهما الأخبار.
قالت غادة متأففة بحسد:
“كم هي محظوظة زهرة! وجدت صديقًا مثاليًا، وأنا عالقة مع أحمق!”
كانت حنقها على رائد يزداد، فصبّت عليه غضبها.
أما جنى، فقد كانت مرهقة الذهن، تائهة النظرات، وما تزال تحت وطأة ليلة قاسية. لكنها كانت تعلم أنها ستواجه ما هو أقسى: المقارنة.
جاد سيكون في الواجهة، ورائد… مجرد ظل باهت.
جلست أمام مرآتها، تحاول التزيّن، لكنها رأت في انعكاسها عينين منتفختين، ووجهًا أنهكته الدموع.
تمتمت:
“دعها تكون…”
وغادرت الغرفة وكأنها تمشي إلى ساحة معركة.
قالت لرائد قبل مغادرتها:
“ابقَ في المنزل. سأُحضر لك غداءك.”
كانت قد وعدت السيدة تيمور ألا تصطحبه، كما أن جزءًا منها كان يهاب حضوره.
تبعتها غادة هامسة:
“لا تهتمي… لن يموت جوعًا.”
وقف رائد صامتًا عند الباب، يراقب جنى وهي تمضي وحيدة. أغلق عينيه لحظة.
لكن قبل أن تختفي عن ناظريه، انبعث من عينيه نورٌ حاد، وقال لفاضل بحزم:
“استعد… اليوم سأُري عائلة تيمور من هو زوج جنى!”
بقلم سلمى
رواية أحببته رغم جنونه الفصل 21
Pingback: رواية أحببته رغم جنونه الفصل التاسع عشر – dreamses