عندما يعشق الأسد
البارت الأول
بقلم الكاتبة / ندى علي حبيب
في قصرٍ فخم يعلو فوق التلال وكأنه قطعة من الحلم، يلمع بواجهاته الزجاجية العملاقة وأعمدته الرخامية المزخرفة، يجلس رجل لا يشبه الرجال.
شاب في الثالثة والثلاثين، بملامح قاسية كالحديد، وعينين بنيتين تشبهان عيون الأسد في غضبها وصلابتها، وبشرة قمحية تزداد صرامة مع خطوط وجهه الحادة. شعره البني الكثيف يتساقط على جبينه كخيوط من لهب.
إنه أسد الدمنهوري… أكبر زعماء المافيا في العالم. اسمه وحده كفيل بأن يُلقي الرعب في قلوب الرجال قبل النساء، لا يجرؤ أحد على مواجهته، فكل من عرفه يدرك أن الغضب عنده يعني النهاية.
جلس على مقعد جلدي ضخم في صالة القصر، بينما كان رجاله يقفون من حوله في رهبة. أحدهم تقدم بتوتر، يحاول إخفاء ارتجاف صوته.
المجهول: “بس يا زعيم… البنت اللي طلبتها بالمواصفات دي صعبة. أنا أجيبلك أي بنت تانية، مش لازم تكون صغيرة.”
أسد (ببرود يقطع الأنفاس): “صغيرة مش هتفهم حاجة. كبيرة ممكن تدمّر الكتيبة كلها.”
المجهول الآخر: “تمام يا زعيم، براحتك… هنشوف الموضوع.”
نهض أسد بخطوات ثابتة، التقط مفاتيح سيارته الفاخرة، وغادر القصر متجهًا نحو المخزن السري في مكان مقطوع تحيطه الصحراء. كانت الليلة ساكنة، لا يسمع فيها سوى هدير محرك سيارته.
لكن فجأة… لمح شيئًا غريبًا.
فتاة تركض في الظلام بكل ما تملك من قوة، أنفاسها تتلاحق، وكأنها تهرب من شبح يطاردها.
أبطأ أسد السيارة، حدّق فيها بدهشة:
أسد (بغرور ممزوج بالشك): “إيه اللي جاب البنت دي هنا؟! ممكن تكون مرسلة تراقبني.”
ترجّل من السيارة بخطوات محسوبة، وقف أمامها، رفع حاجبيه وهو يتأملها بعينين قاسيتين:
أسد: “إنتي مين؟!”
لم تستطع الفتاة الإجابة. ارتجفت شفتيها، ثم تهاوت على الأرض فاقدة الوعي.
اقترب منها أسد بسرعة على غير عادته، التقط جسدها النحيل بين ذراعيه، ونظر إلى وجهها الصغير. قلبه، الذي لم يعرف غير القسوة، شعر للحظةٍ بلهفة غريبة.
أسد (مهمهمًا): “إيه اللي بيحصللي؟!”
حملها إلى السيارة وانطلق بها نحو القصر.
داخل القصر
أدخلها إلى جناحه الخاص، وضعها برفق على الفراش، ثم التقط قارورة عطر ورش القليل على يده ليقرّبه من أنفها. شيئًا فشيئًا بدأت تستعيد وعيها.
فتحت عينيها الخضراوين المملوءتين بالخوف، فوجدته واقفًا أمامها بصلابته المهيبة.
أسد (بضيق): “حمد الله على السلامة يا حلوة. قولي بقى… اسمك إيه؟ ومين اللي بعتك؟”
الفتاة (بصوت مرتجف): “أنا… نغم. والله محدش بعتني. أنا ماليش دعوة.”
اقترب منها أسد، عيناه تضيقان بشك:
أسد (بعصبية): “إنتي فاكرة إني هصدق كده؟! جايالي هنا صدفة؟”
نغم (تنهار باكية): “صدقني… أنا مش فاهمة حاجة من اللي بتقوله. عمي ورجالته بيجروا ورايا علشان عاوز يقتلني!”
تراجع أسد قليلًا بدهشة:
أسد (مستغرب): “عمك؟! وليه يموتك؟”
نغم (والدموع تملأ عينيها): “جدي كتب كل الميراث باسمي… وهو عاوز يخلص مني علشان ياخده لنفسه.”
حدّق فيها طويلًا، يحاول التمييز بين الصدق والكذب في ملامحها. قلبه يميل لتصديقها، لكن عقله المدرب لا يسمح له بالثقة بسهولة.
أسد (بصوت خشن): “إنتي بتقولي الحقيقة؟”
نغم (من بين دموعها): “والله العظيم بقول الحقيقة. أنا معرفش أي حاجة عنك ولا حد بعتني ليك.”
ظل صامتًا لحظة، ثم أدار ظهره مبتسمًا ابتسامة خفيفة لم تظهر كثيرًا في حياته.
أسد: “تمام… كفاية عياط. من النهاردة أنا اللي هحميكي. قوليلي… اسم عمك إيه؟”
رفعت نغم رأسها، وفي عينيها بريق أمل:
نغم (بفرحة ممزوجة بالخوف): “بجد؟! مش هتسيبه يقتلني؟”
أسد (بصرامة): “قولتلك أنا اللي هحميكي. بس قوليلي اسمه.”
ترددت لحظة، ثم قالت بصوت خافت:
نغم: “عمي… أحمد أبو العز.”
تجمد أسد في مكانه، وكأن الصاعقة نزلت عليه. فتح عينيه بدهشة وصوتُه خرج مبحوحًا:
أسد (مصدوم): “أحمد أبو العز؟!!!”
نغم فتاة في الخامسة عشرة من عمرها، بريئة الملامح، ذات شعر أسود طويل وعيون خضراء كزمرد صافٍ، وبشرة بيضاء تشبه الثلج. طيبة القلب، من يراها يقع في حبها من أول نظرة.)
يتبع… عندما يعشق الأسد