رواية الآنسة العذراء والحمل الغامض الفصل الأول

الفصل الأول

في غرفة الطوارئ بمستشفى في نيويورك، جلست نورا على السرير المعدني البارد، تضغط بكفيها على بطنها من الألم. كانت الأنوار البيضاء الحادة ټؤذي عينيها، ورائحة المطهرات تملأ أنفها.
جاء الطبيب الشاب يراجع أوراق الفحوصات في يده، وملامحه متجهمة. رفع عينيه نحوها وقال بجديّة:

“آنسة نورا، نتيجة التحاليل بتقول… انتي حامل.”

تجمدت نورا مكانها، كأن الأرض انسحبت من تحتها. فتحت فمها بالكاد، لا تصدق ما تسمعه، وهمست بصوت مخڼوق:

“أنا إيه؟! مستحيل… أنا… أنا عمرى ما…”

ارتجفت كلماتها وهي تحاول استيعاب الکاړثة التي نزلت عليها فجأة، وكل المنطق والعقل ېصرخان بداخلها: “أنا لسه أنسة… إزاي؟!”

“إيه؟! حامل إزاي؟!” كانت الصدمة تملأ ملامحها، كيف يحدث ذلك وهي لم تربطها أية علاقة بأحد؟! لم تكن إلا فتاة في التاسعة عشرة من عمرها!
ناولها الطبيب التقرير قائلاً بهدوء:
“بصي، إنتي دلوقتي في الشهر الرابع….”

حدقت نورا في التقرير وكأن الكلمات تتراقص أمام عينيها، ثم تنهدت بصوت منخفض يكاد يُسمع.
“مينفعش… مش هقدر… مش ممكن.”
أغمضت عينيها للحظة، وكأنها تحاول دفع الواقع بعيدًا عنها، ثم فتحت عينيها مرة أخرى لتثبت على الطبيب:
“أنا مش هقدر أكمل. في حاجة تانية؟ في أي حل؟”

لكن الطبيب هز رأسه بأسف وقال:
“لا، للأسف، صحتك مش متماسكة، يعني مفيش فرصة نعمل عملية ولا حاجة. لازم تكملي الحمل.”

خرجت نورا من المستشفى، تمشي بخطوات بطيئة غير واثقة، وكأن كل خطوة تأخذها كانت تثقل قلبها أكثر. كانت شوارع نيويورك مزدحمة كما هي العادة، والضوء الساطع يتسلل عبر نوافذ المحلات، لكنها كانت غارقة في صمتها الداخلي، غير قادرة على التركيز على شيء حولها.

مرت لحظات من الزمان قبل أن تتذكر أين هي، وحين التفتت حولها، وجدت نفسها تسير وسط المدينة كما لو كانت تسير في عالم آخر، بعيد عن واقعها المأساوي. كانت عيناها شاردة، تائهة، وهي تسير على الرصيف الذي يعج بالحياة.

حياتها كانت دائمًا مختلفة عن حياة غيرها. فهي نشأت في أسرة تجمع بين الثقافات المختلفة: والدها المصري الذي وُلِد في أمريكا، ووالدتها الأمريكية التي كانت تحترم تقاليدها بشكل كامل. 

والديها كانا ينتميان لعائلة الفايد، عائلة ميسرة الحال وذات نفوذ بعض الشيء في عالم الأعمال. كان عندهم تحرر في العلاقات، وكانوا يتقبلون نوعًا ما الانفتاح على العالم، لكن نورا لم تشعر أبدًا بالراحة مع هذا التحرر. كانت ترفض أن تكون جزءًا من هذا العالم المفتوح.

وبالرغم أنها كانت تعيش في عالم مليء بالحرية، لم تدخل أبدًا في علاقة مع أي شاب. كانت تتجنب كل هذه الأمور، وتمسك بمعتقداتها التي نشأت عليها، والتي كانت تدعوها دائمًا للالتزام بالقيم العائلية والتقاليد.

لكن، في المقابل، كانت قد قُدِّر لها أن تكون مخطوبة لعائلة غنية جدًا. كان الخطوبة جزءًا من اتفاق طويل الأمد بين عائلتها وعائلة زوج المستقبل، الذي كان من عائلة مشهورة في نيويورك. 

كانت هذه الخطوبة في نظر والدها تمثل تحالفًا قويًا، شيء يضمن لهم مكانتهم في المجتمع. ومع ذلك، كانت نورا تشعر بالخۏف والضيق من هذه العلاقة التي لا تعرف إذا كانت ستستطيع الاستمرار فيها بعد کاړثة حملها. كانت تخشى رد فعل والدها الذي لطالما حلم بأن يرى ابنتها وهي تعيش الحياة التي رآها هي الأنسب لها.

القلق بدأ يملأ صدرها مع كل خطوة كانت تقترب فيها من منزلها. كانت تتساءل: كيف سأخبره؟ كانت تعرف أن والدها لن يتقبل الوضع بسهولة.

ولكن في تلك اللحظة، وهي تسير في شوارع المدينة المزدحمة، أدركت أنها مهما فعلت، فإن الحياة لن تكون كما كانت من قبل. كان كل شيء قد تغير الآن.

وصلت نورا إلى المنزل، خطواتها ثقيلة على الأرض وكأنها تحمل ثقل الجبال. كانت شوارع نيويورك ما زالت مزدحمة، لكن عقلها كان في مكان آخر، بعيد عن كل شيء. دخلت من الباب بهدوء، ومرّت في الصالة حيث كان والدها جالسًا على الأريكة، يراجع بعض الأوراق، عينيه مشدودتين إلى ما بين يديه.

نظر إليها نظرة سريعة، وقال:
“عاملة إيه؟ الدكتور قال عندك إيه؟”

لكن نورا، التي كانت في حالة نفسية سيئة، لم تتمكن من الرد عليه. كلماتها تاهت في صدرها، وأحاسيسها كانت تجرّها بعيدًا عن الواقع. همست لنفسها: “مستحيل… مستحيل أواجهه…”

فجأة، مشيت دون أن ترد، قدمًا تلو الأخرى وكأنها تبحث عن مخرج، هاربة من واقع مرير لا يمكنها تحمله.

رفع والدها صوته:
“نورا، ردي على سؤالي؟!”

لكنها لم تُجب، كانت تسير وكأنها لا تسمعه.

أمسك والدها بذراعها پعنف، وأوقفها فجأة، وهو ېصرخ في وجهها:
“لما أكلمك، ردي عليّ!”

في تلك اللحظة، سقطت الورقة من حقيبتها على الأرض. رفعتها نورا بسرعة.

بينما كانت تعيد الورقة إلى مكانها.. شعر وكأن قلبه توقف عن الخفقان عندما قرأ ما كُتب عليها. كانت النتيجة واضحة، بلا لبس: “حامل… إيجابي.” وتحت هذه الكلمات، كان اسمها مكتوبًا بخط جلي: “نورا زايد.”

والدها اڼفجر في ڠضب مفاجئ، وألقى بالورقة جانبًا في ڠضب، قبل أن يرفع يده بسرعة ويصفعها على وجهها پعنف.

في تلك اللحظة، صړخ في وجهها پغضب عارم: “إزاي ده يحصل؟! إزاي ده حصل يا نورا؟!” وكان صوته يهز المكان من شدة الڠضب.

وفي تلك اللحظة، دخلت والدتها، فزعة، محاولة السيطرة على الوضع.
“كفاية يا زايد! هتموتها في إيدك! حصل إيه؟!”
“بنتك حامل يا هانم.”
“حامل؟ الكلام ده صح؟”

ظلت نورا صامتة، بينما قدم والدها نتيجة التحاليل إلى والدتها.
فصاحت والدتها، وقد ارتسمت على وجهها ملامح الذهول: “مين أبو الطفل ده؟”
نورا، وقد امتلأت عيناها بالدموع، أجابت بصوت منخفض: “مش عارفة… مش عارفة… ده أنا بقالي شهور مش بخرج.”
“كذابة! أكيد كنتِ بتخرجي من ورانا!”
“والله ما حصل! أنا ما خرجتش خالص، وما كنتش في علاقة مع أي راجل.”

قال والدها بعينين متقدتين: “أنا هتأكد من كذبك.” ثم أسرع إلى كاميرات المراقبة، يتفحص التسجيلات بعينين قاسيتين. وما اكتشفه كان مذهلًا… كانت ابنته طريحة الفراش طوال الأشهر الأربعة الماضية، لم تخرج من المنزل أبدًا!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top