الفصل الخامس:
وصلت نهله صباحا إلى القاهره و ليس معها سوى شنطة ظهر بها بعض الملابس و صندوق فيه قطتها بيتسى فليس لديها الكثير لتجلبه معها فطالما كانت بسيطه و لا تحب التكلف. وجدت حازم فى انتظارها ليأخذها إلى فيلا جدهما التى سوف تقيم فيها لمدة سنه وسط أولاد عمامها و عمتها تنفيذا للوصيه.
استقبلها حازم بأدبه و ذوقه المعهود و لكن لم يدر بينهما ما يذكر من حديث فقد كانت نهله شاردة طوال الطريق تفكر فيما ينتظرها من مفاجأت فى الأيام القادمه.
وصلا بعد حوالى الساعه إلى الفيلا فشوارع القاهره بزحامها المعهود تختلف عن شوارع المنصوره الهادئه نسبيا اذا ما قورنت بها.
بهرت نهله بشكل الفيلا من الخارج فلقد توقعت ان تكون فيلا صغيره لكنها وجدتها كبيره تشبه القصر فى بنائها, و اعجبت كثيرا بمساحة الحديقه التى تحيط بها رغم حزنها لعدم الاهتمام الكبير بها فبنظرتها كمتخصصه و محبه للزراعه ترى ان هذه الحديقه يمكن ان تكون أفضل و اجمل من ذلك بكثير اذا تمت رعايتها و الاهتمام بها بشكل اكبر.
توجهت بعد ذلك داخل الفيلا التى جذبت اهتمامها و نظرها و نالت اعجابها بديكوراتها الجميله و اللوحات الفنية الرائعه التى تنتشر على حوائطها.
حازم: عجبتك الفيلا؟
نهله: حلوه.
كان رد نهله مستفز لحازم و لكنه حاول السيطره على اعصابه, فهو يحاول بكل الطرق ان يكسر الجليد بينهم و بينها و يجعلها تتكيف معهم و لكن واضح انها ليست مستعده لذلك حتى الأن.
حازم: طيب تحبى اوريكى اوضتك تستريحى فيها شويه على ما الغداء يجهز. هنتغدى كلنا مع بعض و بعد كدا هنتجمع فى أوضة المكتب عشان نتكلم شويه.
نهله: يا ريت بس كنت عاوزه أأكل بيتسى لان زمانها جاعت.
حازم: حاضر هخليهم يجيبولك اكل ليها.
نهله: اوكى. ممكن تورينى أوضتى؟
حازم: اكيد. اتفضلى.
و اخذها إلى غرفتها. كانت غرفه كبيره و رائعه, فاخرة الأثاث و بها كل ما تحتاج له, بالإضافه إلى جهاز كمبيوتر شخصى لها و كل ما يمكن لإنسان ان يحتاجه و خصوصا ان بها كمان حمام منفصل. أحبت فكرة ان غرفتها مثل الشقه الخاصه و شعرت انها اذا لم ترتح معهم من الممكن ان تجلس بغرفتها و لا تحتاج ان تحتك بهم كثيرا. شعرت بالرضا لذلك لكن لم تظهر ذلك.
حازم: عجبتك الأوضه؟
نهله: كويسه.
حازم:لو حسيتى انك محتاجه حاجه او ناقصك حاجه ابقى قولى لحد من الشغالين يظبطلك اللى انتى عاوزاه.
نهله: لا مش محتاجه حاجه.
حازم ( بغيظ ) : انتى حره. وقت الغداء هيعرفوكى عشان تنزلى.
و تركها و غادر الغرفه بغيظ.
اخرجت نهله بيتسى من الصندوق و حملتها و لعبت بشعرها و بدأت تدور بها فى الغرفه و تحدثها كما هى معتاده ان تحدثها بكل افكارها و مكنونات صدرها.
نهله: بيتسى حبيبتى تفتكرى هنتبسط هنا. كل حاجه حلوه بس حاسه انى فى مكان مش بتاعى. مش مصدقه انى هصحى كل يوم مش هشوف ماما و مش هروح على الأرض. يا ترى هقدر استحمل سنه. هقدر افهمهم و يفهمونى. هما شكلهم كدا سطحيين و هايفيين. مش عارفه هيعاملونى ازاى. مش قادره انسى بصتهم ليا اول ما شافونى و هما جايبنى من فوق لتحت و مش عاجبهم لبسى. هما فاكرين ان ذوقى وحش و معرفش البس بس انا بحب ابقى مرتاحه فى لبسى و فى حركتى مش منشيه زيهم لكن انا اعرف البس احسن منهم كلهم بس مش هغير شخصيتى عشان اعجبهم. تعالى دلوقتى يا حبيبتى هحضرلك حاجتك و بعدين هدخل اخد حمام عشان لما يجى ميعاد الغداء بتاعهم دا. ربنا يستر و يصبرنى عليهم لحسن ماما موصيانى بس انتى عارفانى لما حد بيعصبنى مبسكتلوش و البت اللى اسمها نغم دى بالذات نفسى اجيبها من شعرها من المره اللى فاتت.
قبلت نهله قطتها و جهزت لها أشيائها ثم توجهت للحمام و أستحمت و أرتدت ملابسها و التى كانت عباره عن بنطلون جينز و تيشيرت واسع. نشفت شعرها بالسيشوار و رفعته على شكل ذيل حصان و أرتدت نظارتها. كان شكلها أفضل من اليوم الذى قابلوها فيه و لكن مقارنة بهم فهى لا تفرق عن شاب بشعر طويل و لا ترقى لاناقة ندى و لا نغم بكل تاكيد.
بعد دقائق بسيطه سمعت دقات رقيقه على باب غرفتها فتحت الباب لتجد أمامها ندى بإبتسامتها الرقيقه التى استقبلتها بها أول مره. اقتربت منها ندى و قبلتها.
ندى: حمدا لله على سلامتك حبيبتى. نورتى بيتك.
كلمات ندى الرقيقه جعلتها لا تستطيع الرد بأسلوبها الفظ المعتاد و اكتفت بإبتسامه و التزمت الصمت.
ندى: تعبتى و انتى جايه.
نهله: لا.
ندى: انا عارفه انك قلقانه و مش متعوده على الجو بس انا عاوزاكى متقلقيش, احنا كلنا معاكى. و انا مبسوطه انى اخيرا شوفتك عشان ماما كانت بتكلمنى عنك كتير و كان نفسى نتقابل من زمان.
نهله: بجد كانت بتكلمك عنى.
ندى ( مبتسمه ) : اه كلمتنى عنك كتير. على العموم هحكيلك كل حاجه و هنرغى براحتنا بليل بس ياللا دلوقتى ننزلهم عشان مستنينا نتغدى كلنا و نقعد مع بعض بعد كدا نشوف الدنيا هتمشى ازاى.
نهله ( مبتسمه ) : اوكى.
كان لاستقبال ندى دور كبير فى شعور نهله بالراحه و توقعت ان تجد رفيقه لها لكن خوفها نبهها لأن تتأنى قليلا و تلاحظ الجميع فربما لا تكون ندى كما توقعتها.
نزلت ندى مع نهله لتجد الجميع على طاولة الغداء, استقبلها الجميع بإبتسامه مرحبه عدا نغم التى ظهر على وجهها الاستعلاء و رأت نفس نظرة الاشمئزاز من مظهرها و ملابسها بعيونها لكن نهله قررت ان تتجاهلها تمام فهى معتاده على مثيلاتها من فرغات العقل و الروح فهى ترى نغم مجرد اناء خارجى جميل يخدع الجميع لكنه فارغ من الداخل.
كانت نهله تجلس بالمنتصف بين ندى و فارس. لفت نظرها صمت الجميع اثناء تناول الطعام و احست بالملل فقد اعتادت اجراء الحوارات مع والدتها على طاولة الغداء. بالإضافه لإهتمام الجميع بمراعاة قواعد الاتيكيت بدقه عند تناول الطعام. لم تكن نهله من النوع المهمل و كان لديها ثقافه كبيره بقواعد الاتيكيت و تعرف كيف تأكل بشكل راقى و لكنها كانت تشعر ان فى بيتها لا تحتاج لأن تأكل و كأنها تمثل فيلم عن المجتمع الارستقراطى, كانت تراقبهم جميعا و تضحك بداخلها عليهم فهى تشعر انهم جميعا مبرمجين و لكن لفت انتباها فارس الذى كان يأكل مثلها بشكل طبيعى فكلاهما يأكل بذوق و ادب و لكن لا يراعى قواعدهم. لاحظها فارس و اقترب منها و همس: كلهم منشيين مش كدا.
ابتسمت نهله قائله: بصراحه اه.
فارس: اتعودوا على كدا من جدى بس انا كنت الخارج عن القوانين و المعاقب دائما.
ابتسمت و لم تعقب بشئ و لكنها ارتاحت لطريقته البسيطه فى الحوار معها.
فارس: سمعت ان عندك قطه جايباها معاكى.
نهله: اه بيتسى.
فارس: انا بحب الحيوانات اوى.. بقولك ايه بعد الاجتماع الفاكس بتاعهم دا ما يخلص تبقى توريهالى و نلعب معاها شويه.
ضحكت نهله على طريقته.
نهله: اوكى نخلص بس من الاجتماع و نطلع اعرفك على بيتسى.
غمز لها قائلا: اتفقنا يا معلم.
ضحكت نهله بصوت عالى قائلة : اتفقنا.
لفت نظر حازم صوت ضحكتها.
حازم: خير ضحكونا معاكم.
نهله: معتقدش ان اللى ضحكنا ممكن يضحكك.
نظر لها حازم بغيظ و لم يرد عليها.
انتهوا من تناول الطعام و توجههوا جميعا لغرفة المكتب.
رواية الغريبة حازم ونهله الفصل الخامس 5
