رواية حب تحت الرمال فاتن ويحيي الفصل 11 بقلم Fallen Angel

رواية حب تحت الرمال فاتن ويحيي

الحلقة 11
وقف يحيى مصډوما من تصرف أخيه الأصغر..و تمنى أن يقدر على التماس العذر له كما فعل في الفتره الأخيره..و لكن أي عذر هذا الذي يجعل ضړب فتاه صغيره كديما مبررا..ربما حان الوقت لاتخاذ موقف حاسم تجاه التقلبات التي عصفت بأخيه مؤخرا و اعطائها رد الفعل المناسب..فالرسول اوصى رفقا بالقوارير..و اوصي بأن انصر اخاك ظالما او مظلوما، و أخاه هنا ظالما لمن تُرِكت أمانه في كنفهم ظنا من والديها بأنها ستلقى الرعايه و المعالمه بالحسنى.

استدار لؤي قائلا پغضب..اه جتلك عالطبطاب بقى..

يحيى باستهجان..هو ايه االي جاني عالطبطاب

لؤي..انك تظهر البطل اللي مفيش منك و لا فاخلاقك و يا عيني هتيجي و تنقذ السنيوره من الولد الفاشل التلفان

هز يحيى راسه بخيبه و قال..مش هتبطل الحقد اللي مالي قلبك ده..انا بس نفسي افهم انا غلطت فحقك فايه و لا المسكينه دي كانت عملتلك ايه..لو عندك مشكله يبقى تخليك راجل وواجهها و حلها مش تقرفنا و تطلع عقدك علينا..

ضحك لؤي بسخريه و قال..شوف مين بيتكلم عن العقد..ده انت اكبر معقد فالدنيا و لا فاكر عشان بنت الفنانه بصتلك تبقى خلاص كووول، لا يا نجم انزل من عالمسرح..دي اكيد بتتسلى على الهبل اللي انت فيه

ظهرت ملامح الاستغراب على وجه يحيى..ليقول لؤي..ايه فاكر محدش يعرف انك ماشي معاها..شفت بقى لو انا حقود و معقد زيك كنت جريت على الوالد و قولتله بس انا احسن منك..سامع احسن منك مېت مره..و بكره هاثبت للكل اني احسن منك سامع…. سامع

زفر يحيى بضيق شاعرا بالاختناق..و الحسره على مَن كان يوما رفيق الدرب…. والظل الذي يلازمه…شريك المؤامرات و كاتم الاسرار…الاخ الصغير و الصديق الكبير..كبير بحجم مساندته لاخيه في كل المواقف…كلها صفات دُثِرت منذ مده و الان فقط أُعلن عن استلام رُفاتِها..ربما في قرارة نفسه أحس يحيى بتغيير كبير في علاقته بأخيه..تغيير لم يستسيغه ولم يشأ أن يقر بوجوده..لقد تمنى ان تكون سحابة صيف عابره..و لكن اليوم بات من المستحيل عليه ان يضع راسه في الرمال و يتغاضى عن الحقيقه الماثله امامه…

همست ديما پخوف..دي خالتي صحيت

استدار الاثنان ليواجها والدتهما خديجه التي هرولت مسرعه في اتجاه المطبخ بعد أن أغلقت باب غرفة النوم على زوجها بهدوء شديد

قالت باستنكار حين اصبحت وجها لوجه مع ابنيها..ايه الحكايه ده داحنا داخلين الفجر و لو ابوكو صحي و شافكو بتتخانقوا مش هيحصل طيب

يحيى مدافعا..يعني عايزاني اشوفه بيضربها و اقوله تسلم ايدك

خديجه باستغراب..يضرب مين

و تنقلت بنظرها بين ديما و لؤي الذي ارتسمت على ملامحه سيمات المذنب..لتسأل بصوت خفيض مُتْرَع بالڠضب..هو ضړبك ؟

أن تحب للمره الأولى تعني عند البعض أن يدق قلبك بطريقة مختلفه حين ذكر اسم الحبيب وأن تعلن قسمات وجهك تهاليل الفرح عند رؤيته..و استغلال كل فرصه للتندر بكل كبيره و صغيره حصلت في موقف ما جمع بينكما..و لكن بالنسبه لديما هناك تبعات اخرى لذلك الحب..و بالرغم من صغر سنها..فلقد فَطِنت إليها..فأن تحب في نظرها تعني أن تتحمل مسئولية مَن احببت..و إن كان أخطأ لؤي في حقها الا انها لن تتخلى عنه في هذا الموقف العصيب..

قالت ديما بثقه..طبعا لا يا خالتو..ده احنا كنا بنهزر..بس الظاهر يحيى ملوش فالهزار..

ثم أضافت ناظره ليحيى..ايه يا ابيه مش تفكها شويه

كانت الدقائق القليله التي تلت انكار ديما لحاډثة ضربها.. مَلْأَى بالصمت المُكبل بقلة الحيله..فيحيى وقف عاجزا عن تكذيب ما رأى بأم عينيه خوفا من اشعال مزيدا من البغضاء بينه و بين أخيه..ووالدته ارتأت ان تؤجل هذا الجدال حتى الصباح لتستطيع الانفراد بديما و محادثتها دون حرج..أما لؤي و ديما فقد تبادلا النظرات الصامته التي تشع ندما و امتنانا من قبل لؤي و عتابا حزينا أخفته ديما حين قالت بمرح..ده حتى لؤي اصر يقعد معايا لحد اما اكل الساندويتش عشان بخاف بليل

و التفتت لتشتبك نظراتها بيحيى باحثه عن تأييد ما..ليفطن يحيى إلى نيتها..فقال رافضا التواطء معها في كذبه لن تضُر سواها..طب انا يدوب لسه راجع..اما الحق اناملي ساعتين..تصبحو على خير

و أمسك براس والدته يقبله قائلا..تصبحي على خير يا ست الكل و اسف لو صوتنا فوقك

ربتت خديجه على يده..و بادلته نظره متفهمه و ردت..و انت من اهله يا حيلتي..

افلت يحيى راس والدته و استدار ليرى النقمه مرسومه مره أخرى على وجه أخيه..وجه إليه نظره معاتبه ثم غادر إلى غرفته..

حسنا لقد رآها..تلك النظره القاتله في عيني أخيه الأكبر و لكنه سمع أيضا وصف والدته الأخير، حيلتي..لتُمحِي شعوره بالذنب تجاهه..قبل قليل كان سماع كلمة فاشل من فم ديما كافيا لجعله يصب جام غضبه عليها..لتأتي كلمة والدته و تعيد اشعال هذا الفتيل..و لكن الفرق انه لن يتسطيع النفث عن غضبه الان من والدته و التي على ما يبدو انضمت إلى قافلة أنصار يحيى كما فعل والده منذ مده..حتى ليلى و إن لم تنطقها يوما الا أن أفعالها دوما تُفصح عن ما عجز لسانها عن قوله فيحيى هو الاقرب إلى شخصها و قلبها…

نظر لؤي في اثر ديما التي رافقت والدته خارج المطبخ ليذهبا لاكمال نومهما..و ابتسم..فاخيرا أصبح المفضل عند أحدهم..ألم تُكذِب يحيى جهارا و أمام عينه..لقد دافعت عنه غير عابئه بالعواقب..

و المهم.. المهم.. أنها كَذَبت يحيى و لم تلق بالا ان كان ذلك سيغضبه..

استيقظت فاتن مبكره بالرغم من سهرها لساعة متأخره الليله الماضيه..تمطت في فراشها لتزيل اثار النوم عن جسدها..ثم أخرجت هاتفها من الشحن..و نظرت للشاشه التي أخبرتها بأن الساعه لم تتعد السابعه بعد..بالتأكيد لن يهاتفها يحيى في مثل هذا الوقت المبكر..و عليها الانتظار ريثما يحين موعد خروجه إلى العمل..

نزلت من فراشها و اتجهت إلى الحمام..أنهت اتمام أمورها الصباحيه..ثم توجهت إلى المطبخ لصنع كوبا من الشاي و عنت لها فكره…

ركضت باتجاه غرفتها..لتدخل و تحضر هاتفها وبعض الأقلام الملونه..ثم عادت إلى المطبخ..صنعت الشاي..ثم تناولت كوبا أبيض اللون..و سطرت عليه من الخارج بالاستعانه بالأقلام الملونه :

بشرب شاي و انت (-:

وضعت الأقلام جانبا..و أحضرت هاتفها ملتقطه صوره للكوب..ابتسمت و أرسلتها إلى هاتف يحيى..

بعد دقيقه وصلتها رساله من يحيى..كمان بشرب شاي و بفكر فاللي جاي و انتي بتفكري فايه ):

فاتن..فيك (;

يحيى..طب جاهزه تخرجي دلوقت و لا كمان شويه

فاتن..انا ready و دلوقت اخرج لو تحب..

يحيى..اوك..

أسرعت فاتن بتغيير ملابسها و ارتدت قميصا لبني و بنطلون جينز أزرق..و لململت شعرها في شنيون بسيط..ثم تناولت حقيبتها و تهيأت للخروج..

وقفت على باب الشقه بعد أن أغلقته منتظره خروج يحيى..الذي أطل بعد قليل..مخالفا عادته و مرتديا ملابس غير رسميه عباره عن تيشرت بسيط و بنطلونا من الجينز يضاهي في لونه لون خاصتها..

ابتسمت فاتن قائله..you look so hot

ابتسم يحيى بارتباك و تنهد قائلا..اتفضلي عشان في حاجات كتير لازم نتكلم فيها

غضنت فاتن حاجبيها و قالت بمرح..و مالك جد كده ليه..؟

قال يحيى بنبره حازمه..فاتن..مش هينفع كده

رفعت فاتن كتفيها و قالت..انا بس بحاول الطف الجو عشان حسيت اني زعلتك امبارح جامد

أومأ يحيى برأسه و قال..اوك بس في كلام ميصحش تقوليه..

قاطعته فاتن و سألت بحرج..تقصد ايه..؟

نظر يحيى لها بضيق..لتقول..اها فهمت عشان عاكستك يعني..سوري..بس طلعت تلقائي..اصلك كول اوي فاللبس ده..

قال يحيى شاعرا بالذنب..مش قصدي..بس في حاجات مش من حقنا نقولها لبعض..لأننا لو قولناها دلوقت مش هيبقى ليها طعم بعدين..فهماني..كل حاجه حلوه فوقتها..

أومأت فاتن مبديه تأييدها لوجهة نظره و لكن في قرارة نفسها لم تفهم لِمَ كل هذا الجدال حول مجامله رقيقه صدرت بتلقائيه منها..و تنافرت برأسها الأفكار ما بين مرحبه بحرصه على علاقتهما و وَهِلة من أن يكون هذا الحرص ما هو الا قناع يخفي ولعه بالتحكم و فرض رأيه في كل حركه أو بادرة تصدر منها..

أنهت سلوى تمارينها الصباحيه بتنهيدة ارتياح..و بعد حمام سريع..دلفت إلى غرفة الملابس الخاصه بها و التي تحتوي على أحدث الماركات العالميه المنتقاه من قبلها بعنايه فائقه لتتناسب مع التزامها بالحجاب و في نفس الوقت تمكنها من الاحتفاظ بأناقتها..انتقت فستانا باللون الوردي..ذو اكمام طويله..و تصميم بسيط..و تُزين خصره الورود مضيفة إليه طابعا أنثويا رقيقا..

ابتسمت و نزعت البطاقه المرفقه به… ارتدت الفستان و بعد القاء نظره في المرآه اطمئنت بأنه سيليق تماما بيومها الأول في شركة يحيى..فلقد هاتفها مالك البارحه مخبرا إياها بسفره غدا للاتفاق مع الشركه الكوريه..و طالبا منها الحضور اليوم هي و رفيقتها شيرين إن أمكن ليحلا محله و مساعدة يحيى في تنظيم أمور الشركه خاصه بعد النقله النوعيه التي حصلت مؤخراً..

ارتدت حجابها..و استعدت للخروج و المرور بشيرين للذهاب باكرا إلى مقر الشركه..

ابتسمت سلوى و في جعبتها العديد من الأفكار و الكثير من الآمال..

أغلقت نوف هاتفها غير مكترثه بالاتصالين الواردين إليها من أنس..و شعرت بالارتياح نوعا ما..أرادت بذلك أن تبعد نفسها عن المستنقع الذي دخلته البارحه باطاعتها لأنس و الاشتراك معه في تلك الخطيئه .

نزلت إلى المطبخ لتحضير طعام الافطار لضيوف والدها..حيت الخادمه بلطف و طلبت منها المساعده ،لتنهيا عملهما في غضون نصف ساعه..

قالت نوف..أنا راح روح بنفسي و حضر السفره بالجنينه…

خرجت نوف إلى الحديقه..و قامت بتغيير المفرش..ثم جلست لثوان تستمع لتغريد عصافيرها..

صباح الخير…

التفتت نوف لتجد تركي متكئا على أحد الاشجار خلفها..و عاقدا ذراعيه أمام صدره..

ردت نوف التحيه..صباح النور

تقدم تركي قليلا..ثم سأل مستأذنا..ممكن اجلس وياك

ترددت نوف في الاجابه..ليقول تركي..في موضوع مهم ابغي احكي معك بخصوصه

أومأت نوف قائله..اتفضل

جلس تركي..واضعا يديه على المائده..ثم تنحنح قائلا..نوف..انا ابغي اسأل سؤال و يا ريت تجاوبيني بصراحه..و قبل ما اسال انا عارف انه ما بيخصني و لكن اتمنى تعتبريني مثل اخوكي و تفهمي انه سؤالي نابع من خۏفي عليكي..

نظرت له نوف بتشجيع..ليسأل تركي..مين أنس اللي كنت تكلمينه امبارح…؟

عضت نوف على شفتها السفلى..ثم نظرت لتركي بارتياب..و لكن سرعان ما تبددت الرهبه بقلبها..فلقد أحست بصدق نيته و أنه بالفعل يشعر بالقلق عليها..لذا اجابت بصراحه..شخص اتعرفت عليه من النت..و بعدين انا الحين قطعت صلتي بيه نهائي…

تنهد تركي مرتاحا..يعني هالحين ما في اتصالات بينكو ؟

هزت نوف رأسها و قالت..اكيد..و امبارح كانت اخر مكالمه و انا انهيت كل علاقتي فيه..

تململ تركي بتردد ثم سأل..طب ممكن اعرف ليش قطعتي علاقتك معه

أجابت نوف بصدق..لانه ابتدا يتجاوز حدوده معي..فكان من المستحيل اني كمل وياه..

ظهرت نظرات الاعجاب على محيا تركي..الذي قال بصدق..و انا بحييكي على صراحتك..و ما تتخيلي شلون صرتي كبيره فنظري..واحده غيرك كانت لفت و دارت بس انتي وايد صريحه، و انا راح كون مطمن و انا معطيكي اسمي و مستأمنك على بيتي…

حدّقَت نوف فيه باستغراب..ليقول تركي بهدوء..اي..انا ودي ارتبط فيك و تكوني زوجتي..انا و الوالد جينا مخصوص هالمره لاجل نطلب ايدك..بس انا قلت نأجل الحكي شوي حتى اتعرف عليكي أكثر..لكن بعد صراحتك هاي زاد اعجابي فيك..لا تستغربي انا من كثر حكي ابوي عنك اتعلقت فيكي حتى بدون ما يكون في بينا معرفه كبيره..بس اللي خلاني الحين فاتحك فالموضوع هو صراحتك و صدقك معاي..صدقيني هاي عندي بالدنيا…

فركت نوف يديها بارتباك ثم هبت من مقعدها قائله..عن اذنك..

هرولت نوف مسرعه إلى داخل البيت و صعدت الدرج المؤدي إلى غرفتها بسرعه كبيره و كأن شياطين الدنيا تطاردها..

دخلت غرفتها و أغلقت الباب باحكام..ثم ارتمت على سريرها واضعة الوساده على رأسها..علها تخفف من كم الأفكار التي تعتريها الآن..

أحست بقشعريرة تعتري جسدها بقوه..فلطالما خشيت هذا الموقف منذ بدء علاقتها بأنس.. أن يتقدم لخطبتها من لا تستطع رفضه…

أغمضت عينيها..شاعره بالخجل الشديد من كذبتها على تركي..هل حقا قطعت كل علاقه لها بأنس..اذن لم شعرت بكل هذا الاضطراب حين صرح تركي بمشاعره تجاهها..

و لم يكن الاضطراب حينها سيد الموقف..بل تخللته مشاعر أخرى..لقد شعرت بالاطراء الشديد لاعجاب شاب مثل تركي بها..صحيح أنها لا تكن له مشاعر خاصه مثل أنس..و لكن من الصعب أن تحدد ماهية مشاعرها تجاهه و تجاه عرضه الآن..خاصه بعد الشرخ الذي حدث بعلاقتها مع أنس..

نهضت من فراشها و توجهت إلى اللاب توب الخاص بها..فتحت برنامج الاسكايب مره أخرى..لم تعثر على ضالتها..بالتأكيد أنس الان في العمل..تركت له رساله تخبره بضروره أن يتحادثا مساء..

بعد نصف ساعه من السير معا..اختار يحيى أن يجلسا في أحد المقاهي الشبابيه و التي تفتح أبوابها باكرا، دلف إلى المقهى و برفقته فاتن..و انتقى مائدة بعيده عن أعين الماره..ثم قال موجها فاتن..تعالي نقعد هناك ،أحسن ما نبقى فرجه للرايح و الجاي..

ابتسمت فاتن بتسليه و تبعته متمتمه..يا خراشي علي اللي بيتكسفوا

جلس الاثنان..ليقول يحيى..على فكره.. سمعتك…

ضحكت فاتن بحرج و قالت هي تفرك بيديها من الارتباك..أصلك غريب اوي..هي الناس هتعد تبحلق فينا يعني…

عقد يحيى حاجبيه و قال..الحق علياعشان مش عايز حد ياخد عنك فكره وحشه…

عقدت فاتن ذراعيها واضعة اياهم على المنضده و سألت..ليه هو احنا بنعمل حاجه غلط..عشان ياخدوا عني فكره وحشه..

وضع يحيى بدوره ذراعيه على المنضده و قال..يعني لو شافك حد يعرفك مش هتحصلك مشكله بسببي..

تنهدت فاتن و لم تدرِ لِمَ تَجلت صورة كِنان أمام عينيها..ثم و بسرعه نفضتها عن مخيلتها و أجابت باقتضاب و نبره ملؤها الحسره..لأ…

أحس يحيى بتغير مزاجها..أراد التخفيف عنها..و دون أن يفكر مد يده ليربت على كفها مواسيا..لتسحب فاتن كفها بسرعه أدهشته..لقد ظن أنها لن تمانع نظرا لتصرفها الليله السابقه..تطلع إليها و هي تحاول التهرب من نظراته..

قالت أخيرا..خلينا نطلب حاجه…

أومأ مستدعيا النادل الذي دون طلباتهما في عجاله و انصرف..ليعود الصمت المربك سيدا للموقف مرة أخرى..

كان هناك الكثير من الاسئله و الافكار التي تعج برأسه و لكن لم يشأ يحيى أن يخترق السكون الذي نثر هيبته على المكان..فالوقت ما زال مبكرا على اكتظاظ المقهى برواده الشباب..

تطّلع يحيى لفاتن..لتتشابك نظراتهما في هالة من الشغف الصامت..انضويا فيها عاجزين عن الافلات من بريق سناها…

أشاحت فاتن بنظرها اولا..لتعود وترنو نحوه من جديد..و كأن هناك قوة خارجه عن إرادتها تجذبها إليه..بَيْد أنها زَجرت الشغف بعيدا هذه المره..و قايضته بنظرة مشاكسه..تعلن فيها بدء مبارزة طفوليه..ابتسم يحيى فلن يكون الخاسر أبدا في منازلة العيون…

أقبل النادل محضرا طلبهم..شكره يحيى..ثم عاد ليصوب نظره إلى الجالسه إزاءه..قائلا..اتفضلي

نظرت إليه فاتن بمزيج من المرح الطفولي..لتخبره بدون كلمات بأنها من انتصرت..فلقد أشاح بنظره عنها حين حضور النادل…

صوب يحيى نظره ذات مغزى باتجاهها ثم قال مباغتاً..مش هتقوليلي ايه اللي حصل فالتصوير امبارح خلاكي مدايقه و مش على طبيعتك ؟

بدا الارتباك على محياها..و تجولت بنظرها في المقهى..و كأنها تبحث عن مخرج ما..ثم قالت و هي تحل شعرها من ربطته بتوتر..أصل… مش عارفه.. بس انا مش عايزاك تغير نظرتك و رأيك فيا..

تتبعت عيني يحيى أناملها التي أخذت تتغلغل في خصلات شعرها الأبنوسي..محاولة إعادة ترتيبه..و في نفس الوقت اتخذتها وسيله لازاحة التوتر الذي حل ببدنها إثر سؤاله الأخير..

ثم أضافت بعد أن رأت الجمود يَدبُج قسماته..و الله كان ڠصب عني…

أغمض يحيى عينيه..امرا بنفاذ صبر..لميه تاني..

سألت فاتن بعد فهم..هو ايه

تطلع يحيى إلى يُمناه..و قال بفك مطبق..شعرك..مش من حقي اشوفه و لا من حق حد هنا يشوفه..لميه تاني…

عضت فاتن على شفتها السفلى..و قالت بخفوت..حاضر..

أعادته إلى وضعه السابق في شنيون بسيط..ثم نقرت بأناملها على المنضده قائله..خلاويص..ربطته اهو..

عاود يحيى النظر إليها قائلا..كده أحسن على الأقل لغاية أما تت…

بتر يحيى كلماته مستدركا شيئا ما، لتقول فاتن..كمل… لغاية اما البس الحجاب..صح

تنهدت رافعه كتفيها و قالت..انا معنديش مانع..لو عايزني اتحجب..no problem عشان خاطرك هاتحجب..المهم مشوفش التكشيره دي على وشك تاني

حاول يحيى أن يُخفي غبطته لاستعدادها بأن تقوم بكل ما يرضيه..و لكن هنا الأمر مختلف..

سأل يحيى..انا قلتلك قبل كده لو هتلبسيه يبقى عشان ربنا مش عشان ترضيني…

قاطعته فاتن قائله..عارف انا فعلا فكرت جد فالموضوع و نفسي اقرب من ربنا اكتر..بس على طول بخاف من ردة فعل ماما…

يحيى..انتي لو بجد مؤمنه بيه مش هتخافي من ردة فعلها بالعكس هتحاولي تقنعيها هي كمان..

ضحكت فاتن برقه..اقنعها… ياااه ده انت متفاؤل اوي

ارتشف يحيى القليل من قهوته..ثم أعاد الفنجان على المنضده..و قال..انتي عارفه زمان و انا فسنك..

قاطعته فاتن..و انت فسني..و زماااااااااااان..يا نهار ابيض انت محسسني ان عندك تلاتين سنه مثلا..

ضحك يحيى..لتسأل فاتن..دلوقت وحالا عايزه اعرف امتى حضرتك جيت للدنيا دي..

صمت يحيى لتقول فاتن..يلا كان يوم ايه و شهر و سنه كام

أجاب يحيى بسرعه..يوم حد 17 يناير سنة 1988

هتفت فاتن..يعني كلهم 22 سنه و عمال تقولي زمااان و بتاع يااا راجل ده اللي يسمعك يفتكر راجل عجوز اللي بيتكلم..

استحضرت كلماتها الأخيره إلى ذهنه..سخرية أخيه منه دي أكيد بتتسلى عالهبل اللي انت فيه..هز رأسه صارفا عنه تلك الأفكار في الحال..

و سأل بدوره..و انتي جيت للدنيا امتى..ممكن اعرف و لا هتعملي زي معظم الستات…

أشاحت بيدها في وجهه و قالت..لالالا..انا عمري ما هتكسف من سني..مش هاعمل زي ماما..ابداااااااا

ثم أكملت..شوف يا هندسه انا اتولدت يوم حد برده..ابتسمت ثم تابعت..و بالظبط في 23 اكتوبر سنة 1992

لفت انتباه يحيى دخول بعض الشباب إلى المقهي..ليدرك بأن الوقت قد مر بسرعه كبيره و لم يبدآ حتى في الحديث الجاد…

قال يحيى..طب مش هتقوليلي بقى ايه اللي كان مدايقك امبارح لدرجة انك تنسى نفسك زي ما حصل و…

لم ينهي حديثه..فهي تعلم جيدا مقصده و لا حاجة لذكر الموقف مره أخرى و احراجها..

أخفت فاتن عينيها خلف أناملها غير قادره على مواجهته و قالت..عشان حصلت حاجه ڠصب عني و مكنتش ناويه اعمل كده..بس اتفاجأت و جسمي كله تلج و مقدرتش اتحرك..بجد مقدرتش اعمل اي ردة فعل..مش عارفه جات فدماغي افكار عن….

قاطعها يحيى بقلق..استني هو ايه اللي حصل اصلا..انا مش فاهم حاجه..

اتخذت نفسا عميقا و أجابت..في التصوير..اول مشهد كان بيني و بين الممثل اللي مفروض يكون بابا فالمسلسل..كان في حوار مؤثر بين الاب و بنته و بعدين اتفاجأت فاخر المشهد بيه بيحضني..معرفتش اتصرف انا مكنتش عارفه ان المشهد هيكون كده..انا كنت محرجه على ماما مش هاعمل الحاجات دي…

صمتت لتلتقط أنفاسها..ثم تجرأت و رفعت نظرها باتجاهه لترى الجمود يعتلي قسماته..قالت بعد ان طال الصمت..ايه مش هتقول حاجه..

هز يحيى رأسه ثم قال پغضب..مستنى تكملي كلامك و تقولي الكلام اللي مفروض يتقال…

قالت فاتن بريبه..ازاي يعني ده الموقف اللي حصل..

سأل يحيى پقسوه..يعني مش ناويه تضيفي حاجه تانيه…

فاتن بضيق..اضيف حاجه هو احنا فتحقيق…

يحيى پغضب..يعني بعد كل اللي حصل مفروض تقولي خلاص معدتش راجعه المسلسل و مش هامثل تاني

قاطعته فاتن معتذره..مقدرش يا يحيى..انت مش فاهم…

ليقاطعها بدوره..مش فاهم ايه..مش فاهم انك خلاص ابتديتي مسلسل التنازلات..المرادي حضنك ڠصب..و المرات الجايه هيحصل و برده ڠصب..و بعدين هتبقى الحكايه عادي بالنسبالك و هتفوقي يوم و تلاقي نفسك غصتي فالوسط ده و ساعتها هتخسري نفسك و مش هتلاقيني جنبك يا فاتن…

همست فاتن..ارجووك يا يحيى..انا مش وحشه و مش عايزه اكون زيهم..هو المسلسل ده و بس عشان وعدت ماما..و بعدين خلاص مش هارجع تاني..ارجوك

قال يحيى ببرود..مفيش بعدين..اختاري دلوقت..يا نكمل احنا..يا تكملي فطريق مامتك..

فاتن بضعف..انا مش عايزه اكمل فطريق ماما..ارجوك تفهمني..

يحيى بأمل..افهم ايه..انا مقدرش اشوفك بتمشي فالطريق ده و اقف ساكت..مقدرش يا فاتن..ارجوكي تفوقي…ارجوكي

فاتن بحرقه..و انا مقدرش دلوقت..

قاطعها يحيى بنبره ملؤها الخيبه..خلاص انا فهمت..مفيش داعي احرج نفسي و احرجك اكتر من كده..

نهض من مقعده..تاركا بعض الاوراق النقديه على المنضده..لتهمس فاتن و الدموع تترقرق في مقلتيها..يحيى ارجوك متبعدش عني انا ما صدقت الاقي حد ېخاف عليا زيك..

طالعها يحيى بحزن قائلا..انتي اللي اخترتي يا فاتن..انتي اللي اخترتي نبعد…

و سار مبتعدا بأقصى ما سمحت له قدماه..كان عليه أن يتركها سريعا و الا لن يستطيع أن يتركها ابدا..لقد تململ طويلا ما بين عقله و قلبه و كانت دوما دفة القلب هي الغالبه..لكنه اليوم لن يستطيع خداع عقله و غمسه مرة أخرى فالرمال ليعميه عن الحقيقه الماثله امامه منذ لقائه بها..لقد وقع في حب الفتاة الخطأ..

خرج يحيى من المقهي محملا بغصه كبيره في قلبه..و قرارا باعادة النظر في اولوياته..لم يكن صادقا تماما عندما أذن لمالك بالسفر محله خوفا من إغضاب والده..بل كانت الذريعه الأكبر هي عدم رغبته في الابتعاد عنها..تلك التي ملكت عقله و فؤاده..لم يتخيل أن تفصل بينهما كل تلك المسافات..أن يصبح في قارة غير التي تطئها قدماها..كان خائڤا من أن يتركها في كنف تلك التي كُتبت في شهادة ميلادها أما..أراد أن يكون السند و العون لها في مواجهة تأثيرات و أفكار والدتها التي لا تمت للأمومه بصله..و مع الأسف ها هي تلك المخاۏف قد تجسدت فعليا أمامه و لا جدوى من التفكير فيها أكثر من ذلك..عليه المضي قدما في أهدافه و التي لا يوجد حيز فيها للتفكير في العواطف..

استقل سيارة أجره إلى موضع شركته..لن يذهب إلى وظيفته الحكوميه بعد الآن..فاليوم على ما يبدو هو يوم اتخاذ القرارات الصعبه..فإن كان قادرا على التخلي عن أول حب دق له قلبه..فحتما سيستطيع مواجهة ڠضب والده..

لقد کرهت فاتن الضعف الذي جعلها تستكين و تمتثل لطلبات والدتها..و ما النتيجه..لقد خسړت الشخص الوحيد الذي أحدث فرقا في حياتها..أمسكت بحقيبتها و عزمت على العوده إلى البيت لتواجه والدتها و تخبرها بقرارها بترك المسلسل…

دقائق و كانت في الشقه..دلفت إلى المطبخ حيث سمعت اصواتا تنبىء بجلوس والدتها على المائده الصغيره و ربما تناولها الافطار..

و بالفعل كانت جالسه تلتقم بضع من لقيمات السلطه..اقتربت منها ووضعت حقيبتها على الكرسي المقابل لمقعد والدتها و قالت بانفعال..مااما..انا خلاص هاسيب المسلسل…

أمسكت انجي بالمنديل الموضوع على طرف طبقها..و مسحت فمها ببطء..ثم قالت بسخريه..هو كان لعب عيال..انتي ناسيه انك مضيتي العقد وفي شرط جزائي…

ضړبت فاتن الارض بقدمها و قالت..ولو.. انا قلت مش هاكمل يعني مش هاكمل..انا مش مستعده اخسر يحيى و عشان ايه كام مليم..

صاحت انجي..اه قوليلي بقى حبيب القلب مش موافق..طب طالما عامل فيها سبع الرجال ما يصرف عليكي..يعدك فشقه عدله..و الا اقولك ميدفعلك الشرط الجزائي اللي فالعقد..فوقي يا حببتي ده بيتسلى فوقي متضيعناش عشان واحد راح و لا جه اخرته هيبقى موظف بيستنى الملاليم اللي بيقبضها اول كل شهر و باقي الشهر عشاكي هيبقى دقه..

قالت فاتن مڼهاره..كل اللي هامك الفلوس..الفلوس… انا هاخسر الشخص الوحيد اللي حبني بجد و انتي .ده بس اللي يهمك…..الفلوس الفلوس…

قالت انجي مناوره بعد أن لاحظت حالة ابنتها السيئه..يا حببتي ڠصب عني..انا مكنتش عايزه اقولك..و احملك همي..بس انا عليا ديون كتيره وماضيه شيكات على نفسي و لو مدفعتهمش هادخل السچن..يرضيكي اتبهدل..و انا مش طالبه منك غير مساعده بسيطه..ماستهلش تضحي شويه عشاني..انا خلاص مضيت فيلم جديد و ان شاء الله هاخد اول دفعه فاجري و اسدد شويه من الشيكات و هيفضل مبلغ بسيط..هتعملي المسلسل ده و بس..اوعدك مش هجبلك سيرة التمثيل دي تاني..بس ارجوكي و حياة غلاوة سي يحيى عندك ما تتخلي عني..ده انا هاتفضح و ادخل السچن يرضيكي و بعدين هتعملي ايه فالشرط الجزائي مش نفكر شويه بعقلنا يا حببتي..

تنهدت انجي محاولة استحضار الدموع إلى عينيها كما فعلت مرارا امام الكاميرات..لتجهش في بكاء مرير و لكنه تنقصه الدموع الحقيقيه..

هرعت فاتن لتربت على كتف والدتها..ارجوكي يامااما متعيطيش..خلاص انا هاكمل المسلسل و ان شاء الله هتسددي كل ديونك..و مش هاسمح لحد يبهدلك..ارجوكي كفايه عياط عشان خاطري يا ماما…

مسحت انجي دموعها المفقوده و قالت متظاهره بالضعف الذي يكمن في طياته خبثا كبيرا..ربنا يخليكي ليا يا حببتي..و يحيى لو بيحبك بجد كان عذرك ووقف جنبك مش هددك..اللي بيحب بيراعي ظروف حبيبه..مش عند اول مطب بدال ما يساعدك يصعبهالك بزياده..

تنهدت فاتن و قالت بحسره..خلاص يا مااما ملوش لزمه الكلام ده..طالما كملت فالمسلسل يبقى انا وهو انتهينا….

ابتسمت انجي بانتصار و قالت..و لا يهمك بكره يرجعلك زاحف و ندمان وساعتها انتي اللي مش هتقبلي بيه اصلا..و ربنا هيرزقك باللي احسن منه بتاع الملاليم ده..شايف نفسه على ايه مش فاهمه

قالت فاتن بضيق منهيه الحديث مع والدتها..كفايه ياماما ارجوكي كفايه..

ما بين ظُلمة اليأس و بصيص الأمل..ما بين عظمة الاقدام و رهبة الفشل..متنافرات تصارعت في عقل كنان..و الذي لم يشعر بالرهبه كشعوره الان..و لكن هل يمتلك كنان الشجاعه الكافيه في ظل ذلك الخۏف الذي يعتريه في هذه اللحظه..خوف من فشل خطته..خوف من اصرار ليلى على موقفها و فقدانها الأمل و بلا رجعه..خوف من أن يخرج المخطط عن سيطرته..نهض قائلا..معلش يا لؤي..اخوك مزنوق…

لؤي..يادي النيله هوانت على طول مزنوق..اتفضل يا سيدي الطريق اامان بس ادي صوت كده و انت معدي احتياطا

أومأ كنان و خرج من الغرفه متحليا بجسارته المطعمه بالخۏف..خوف لم يشأ أن يفقده الآن..فهو الوقود الذي يحرك شجاعته…

سار في الممر المؤدي لغرفتها كمل فعل سابقا..وضع يده على مقبض الباب و دلف إلى الداخل..و لكن هذه المره لم يرى المفاجأه تغزو ملامحها..بل قابلته بابتسامه باهته قائله..معدش ينفع ارجوك تخرج،ارجوك

لم يأبه كنان لتوسلاتها..أغلق الباب..و اقترب جالسا على السرير بجوارها..

قال كنان بعد أن التقط أنفاسه..ليلى انا اتقبلت فوظيفة المراسل و خلاص هاسافر بكره..بس متقلقيش انا هازبط وضعي هناك..و ارجع ان شاء الله قبل معاد الفرح..وكل شيء هيتحل انا مخطط لكل حاجه متقلقيش، و مش عايز اشوف دموعك دي ابدا..

همست ليلي..والله ما عاد ينفع..ارجوك متعلقنيش بالامل انا ما صدقت اتعايش مع اللي انا فيه ارجوك

ابتسم كِنان و قال..صدقيني كل شيء هيتحل..اوعدك..انا بس جيت اقولك اني هسافر لانك مش مدياني فرصه اكلمك..و بعدين عشان متفتكريش اني يئست زيك..اطمني انا هارجعلك و هتشوفي اني اد المسئوليه و اني لا يمكن اسيبك لنفسك تضيعيها بايديكي ،فاهمه يا ليلى..مش هاسيبك…

نهض و قبل أن يغادر صارحها..انا بحبك اوي يا ليلى بحبك و مش هاسمح تكوني لراجل غيري…

كان منغمسا في التصريح عن مكنونات قلبه عندما طرق أحدهم الباب..انتفضت ليلى مذعوره..يا نهار اسود

لينادي الطارق..ليلى ممكن ادخل…

ارتعد كنان و تزايدت ضربات قلبه عڼفا حين سماعه صوت لؤي بالباب…

يتبع…

كاملة من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top