رواية حتى بعد الموت الفصل 81

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

قالت نوران بامتنانٍ ناعم ونظرة امتنانٍ صادقة:

“شكرًا لك، كامل… لا أعرف ما كنت سأفعله بدونك.”

ابتسم كامل ابتسامة خافتة تعكس التزامه المهني وشعوره بالمسؤولية، ثم قال بنبرة جادة تخفي خلفها قلقًا دفينًا:

“لا حاجة للشكر يا نوران. ما حدث كان نتيجة تقصير منّا، حتى وإن لم يكن مقصودًا. لو تسربت التفاصيل إلى الخارج، لكانت سمعة المستشفى برمّتها معرضة لخطر حقيقي. لدينا مسؤولية تجاه المرضى، وتجاه هذا المكان.”

هزّت نوران رأسها برفق وهي تحاول استجماع شجاعتها:

“لكنني أؤكد لك أن المستشفى لا علاقة له بما حصل. الأمر كان شخصيًا تمامًا. أحدهم أراد أن يؤذيني أنا فقط. ولهذا، أرجوك، فلنحتفظ بهذا سرًا بيننا. لا تخبر أحدًا، حتى زياد. لا أريد أن أزرع الشك في قلوب من حولي.”

ساد الصمت للحظات، ثم أومأ كامل بعينين مشفقتين:

“أتفهم تمامًا. لن يخرج شيء من فمي. فلنغلق هذا الباب، ونتطلع إلى الأمام. أقترح عليك أن تجري فحصًا شاملًا جديدًا في الأيام المقبلة، وسأتولى الإشراف عليه بنفسي. بهذه الطريقة، إن كان هناك شيء غير طبيعي، يمكننا التحرك بسرعة قبل تفاقم الوضع.”

تنهدت نوران بتعب، ثم حاولت الابتسام:

“كما تشاء، كامل. أثق بك. لا تقلق، سأكون حذرة.”

اقترب منها قليلًا، مشيرًا إلى الأجهزة الطبية من حولها:

“فقط تذكري أن هذه الأجهزة تُصدر إشعاعات، لذلك يُفضّل عدم التعرض لها بشكل متكرر خلال فترات قصيرة. إذا شعرتِ بأي شيء لاحقًا، حتى لو بعد أشهر، لا تترددي في الاتصال بي.”

ردّت بابتسامة هادئة:

“أكيد. أشكرك من جديد.”

ابتسم كامل بحرارة، ثم أضاف بنبرة أكثر ودًا:

“وإن كنت لا أُحب الخروج عن الرسميات… لكن بما أننا اجتزنا هذه المحنة معًا، فربما علينا تبادل أرقام الهواتف. من يدري، قد نحتاج التواصل لاحقًا.”

أخرجت نوران هاتفها، وأضافت رقم كامل إلى جهات الاتصال على تطبيق WhatsApp، متعجبة من نفسها كيف لم تتردد هذه المرة.

أخرجها كامل من المستشفى بنفسه، وسلّمها أوراق الخروج التي أُعدّت لها مسبقًا. ثم توقّفا للحظة أمام الباب الرئيسي، تبادلا خلالها نظرات عميقة تحمل في طياتها امتنانًا وصمتًا مريحًا.

بعد أن تبادلت نوران بعض المزاح الخفيف مع ليان وكامل، لوّحت لهما مودعة، ثم استقلّت السيارة برفقة ليان، وغادرت.

لكنها لم تستطع التوقف عن التفكير…

كانت عيناها تحدقان في الفراغ بينما السيارة تنساب على الطريق. الحادثة، بكل تفاصيلها الغامضة، كانت تُلحّ على عقلها بإصرار.

شخص ما من داخل المستشفى يقف خلف كل ما حدث. شخص يملك معرفة دقيقة بكل تفصيلة صغيرة.

فكّرت في الأمر مطولًا. مثل هذه الخطة لا تُنفذ إلا من قبل شخص يعرف المداخل والمخارج، توقيت نوبات العمل، وطرق إدخال البيانات في النظام.

لكن ما من دليل. كامل، رغم حرصه، لا يستطيع فتح تحقيق موسّع. ليس فقط خشية على السمعة، بل لأن الأمر معقد.

المستشفى يضم أكثر من ألف موظف، ما بين أطباء، ممرضين، مساعدين، إداريين، وحتى عمال نظافة. كيف يمكنه أن يبدأ؟ ومن أين؟

الأمل الوحيد… كان في تسجيلات الكاميرات.

إذا استطاعوا استعادتها، قد يظهر الشخص الذي تلاعب بتقريرها.

لكن حتى هذا الاحتمال بدا ضعيفًا. الوقت يمر، والذاكرة الرقمية قد تُمسح.

أغمضت نوران عينيها للحظة، ثم ضغطت جسر أنفها بإرهاق. علامات التعب بادية على وجهها.

ليان، التي كانت تتحدث معها منذ دقائق دون أن تلقى ردًا، لم تتمكن من كبح قلقها.

نقرت على كتفها برفق وقالت:

“ما بكِ؟ أراكِ شاردة. هل تفكرين في ذلك الوغد مجددًا؟”

تذكرت نوران نظرة أحمد، تلك النظرة المليئة بالغضب والخذلان قبل أن يغادر حياتها.

انهارت علاقتهما، وما عاد هناك مجال للإصلاح. كل ما كانت تتمناه ألا يظهر مجددًا.

“لا…” أجابت بصوت خافت، ثم حولت نظرها نحو النافذة، كأنها تهرب إلى الأفق.

في داخلها، تساءلت: متى سيتمكن كامل من معرفة الحقيقة؟

لكن راحة البال لم تدم طويلًا.

فبعد يومين فقط، بينما كانت تحاول استعادة بعض هدوئها، تلقّت اتصالًا من المستشفى.

“الآنسة الهاشمي؟ نأسف لإزعاجك، لكن السيد الهاشمي في وضع حرج. انخفضت نبضاته فجأة، وتباطأ تنفسه. لقد نُقل إلى غرفة الطوارئ، ونرجو حضورك بأسرع ما يمكن.”

هرعت نوران إلى المستشفى، وقد عقد الخوف لسانها.

وقفت أمام غرفة العمليات، قلبها يخفق بعنف، وعيناها تبحثان عن أي طمأنينة في وجوه الممرضات.

اقتربت منها ممرضة شابة، يبدو عليها الحزن، وقالت برفق:

“الآنسة الهاشمي… عليكِ أن تتهيئي للأسوأ. حالة السيد الهاشمي خطيرة للغاية، وقد لا—”

قاطعتها نوران بصوت أجش:

“أعلم… أعلم.”

نظرت إليها الممرضة بحزنٍ عميق، ثم تنهدت وقالت:

“أعلم أن هذا صعب عليكِ. أعرف كم تحاولين التماسك، لكنك لا تزالين شابة جدًا لتحملي كل هذا وحدك.”

وراحت تحدّق في وجه نوران. شابة نحيلة، بالكاد في العشرينات، لكن عيناها تحملان عبء أعوام.

رغم معرفتها بأن نوران متزوجة، لم ترَ زوجها قط. كانت تأتي دائمًا وحدها، وتنتظر وحدها، وتبكي وحدها.

وفجأة، انفتحت أبواب غرفة العمليات…

واندفعت نوران كالسهم، قلبها يسبق قدميها، نحو الطبيب الخارج من هناك.

رواية سيد أحمد خالص التعازي في وفاة زوجتك كاملة من هنا

رواية حتى بعد الموت الفصل 82

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top