تلعثم في الرد ، وضع يداه في خصره ثم رفع رأسه لأعلى يحاول الوصول للحظة هدوء و تركيز .
لتهاجمه ذكرى الليلة الماضية و هو يقبل كتفها و هي ممدة أمامه بجلبابها الناعم ببشرتها الغضة الطريه ..
فتح عيناه و عاود النظر لها و هو يستعد للتحدث أليها بحلم : طيب يا حلا ، ممكن تهدي و تفهميني مالك ؟
هزت رأسها بنفاذ صبر و قالت: أنا مش عايزه أفهمك و لا تفهمني ، أنا عايزة أمشي.
تنهد ثم تحدث بصوت متعب و هو يمد كفه على وجنتها يملس عليها بجنان شديد : ما قولت لك مش عايزك تمشي ، عايزك جنبي.
أقترب منها بهدوء شديد و بدأ يميل إليها شيئاً فشيئاً حتى بات قريب جداً منها ، لم يستطع تمالك نفسه كثيراً ، أطبق بذراعيه عليها بين أضلعه يحتضنها له و هو مغمض العينين ، حتى أنها شعرت بتشنج عضلاته على جسدها ، تسمع صوته يردد : عايزك جنبي دايماً ، أفهمي بقا .
أتسعت عيناها و هي تدرك ما يحصل ، و المغزى من حديثه ، كذلك إحتضانه منها و قربه الدائم و الغير مفسر و هو رجل متزوج و هي خادمة لديه .
زادت عصبيتها ، و كأن الكهرباء قد أنفصلت عن عقلها ، نفضته عنها پعنف و ڠضب و بدأت تتحدث بغل : إيه إلي أنت بتعمله ده ، أنت فاكرني إيه ، رخيصه ماليش قيمة ، أوعى تفكر تقرب مني تاني ، أنت سامع و لا لأ ، و لا أنا أصلا مش هفضل عندك هنا اكتر من كده ،عايزة امشي ، هو مش بالعافية على فكره… مش عايزة أفضل عندك ، أفهم بقا .
كان يتسمع لها و قد تفاجئ برد فعلها ، و لم يستطع التحمل ، هاجت أعصابه و هدر پعنف : اييييه ، هتحايل عليكي ، هشتحتك ، ما عنك ما فضلتي ، أنا إلي مش عايزك في بيتي ثانية واحدة زيادة ، أمشي من هنا مش عايز ألمح خيالك حتى ، أنتي سامعة و لا لأ… يالاااااا .
صړخ بالاخيرة عالياً حتى أنها شعرت بأهتزاز الأرجاء من حولهما ، صدمت قليلاً لكنها أسرعت في الخروج ، تركض ناحية الباب الداخلي ثم إلي الحديقة .
أرتمى على الكرسي من خلفه و هو يلهث من شدة الڠضب ، صدره يعلو و يهبط پجنون يراقبها عبر باب مكتبه المفتوح و هي تهرول ناحية الخارج كأنها تنتهز الفرصة ، و كأنها كانت بسجن و ستتحرر منه .
رفع سماعة تليفونه يهاتف أحدهم فأتاه الرد على الفور ليقول بصوت لاهث متعب: أيوه يا عزام، حلا رايحة ناحية البوابة عايزة تخرج ، أمنعها حتى لو قالت لك إني سمحت لها .
اغلق الهاتف و عاد رأسه للخلف ، لا يفهم بل يصعب عليه التوصل لمعنى واضح عن ما يحدث معه.
و لا لما يفعل كل هذا ، لما لا يستطيع تركها و شأنها و لما لا يستطع الإقتراب أكثر طالما أنه يريد ذلك.
ليأتيه الرد على هيئة صوت … صوت سلوى التى دلفت لعنده مندفعه مبهورة تردد : غانم غانم … ألحقني يا غانم .
وقف مبهوت ، خائڤ على طفله و سأل : في إيه ؟ إيه إلي رجعك بدري ، الحمل حصل له حاجة ؟
هزت رأسها پجنون و هي تضع يدها على معدتها التي بدأت تنتفخ قليلاً و قالت: أنا مش مصدقه نفسي.. مش عارفه أصدق .. إحساس جنان.
هز كتفيه بجهل و قال: في ايه يا سلوى قولي بسرعه بالله عليكي أنا مش ناقص.
اقترب منه سريعاً و خطفت يده تضعها على معدتها لتتسع عيناه و يقشعر جسده و هو يشعر بتحرك شئ ما تحت يده حركة خفيفة.
أبتلع رمقه بصعوبة و سأل: ده… ده إيه ده ؟
قالت سلوى و هي حرفياً على شفى خطوة واحدة من الجنون: البيبي بدأ يتحرك يا غانم ، أنت متخيل .. يااااه .. أنا أول مره أحس الإحساس ده ، ده طلع إحساس جنان … كل مره ماكنش الحمل بيعدي الشهر التالت حتى فمكنتش بحس بكده ، دي أول مره.
وقف مبهوت ، لأول مرة يشعر بهكذا إحساس و سلوى كذلك التي قالت : أنا كنت برا و أول ما حسيت بكده سبت كرم يكمل و جيت على هنا بسرعة ، كرم بيقول أن ده من الحلويات إلي أكلتها ،و كل ما باكل حلويات كل ما بتزيد حركة البيبي كده… أنا هطلع اوضتي بسرعه عشان أرتاح و أنام على ضهري.. الحمل ده لازم يكمل.
غانم : طيب أهدي براحة بس.. إن شاء الله هيكمل ، أطلعي إرتاحي.
سلوى : أيوه أن شاء الله هيكمل، لازم و إلا هيجرى لي حاجه ، أنا ممكن أتجنن فيها بجد ، تعالى معايا لاوضتي يالا نيمني .
لم يفكر لثواني ، ذهب معها ، و هو يعلم أن حلا تمنع الآن من الخروج و ستعود لغرفتها غاضبه تود حرقه ، سيتركها قليلاً لتهدأ و هو كذلك.
فليهتم حالياً بطفله القادم و ينتظر حتى تهدأ تلك الطفلة التي تقطن غرفتها بالأسفل .
مرت عدة أيام لم تكن كفيلة أبداً بأن تهدئ حلا ، بل كانت عصبيتها تزيد يوم عن يوم رغم سماح غانم لها و أخيراً باستخدام هاتفها المحمول فبعد فترة من المنع أقتربت من الشهر تعطف و تكرم عليها و سمح لها بإستخدامه فقط لتطمئن أمها عليها يومياً.
جلست على الكرسي في المطبخ ، لا تهتم بالسماع إلى ما يحكيه كرم ، تراه كثير الكلام كالسيدات بالضبط .
ليتفاجئ كل منها بغانم يقف على باب المطبخ يقول بعناد طفل أرعن : عايز قهوة
لم تنظر له رغم أنها تشعر بأنظاره مسلطه عليها ، يقصدها بحديثه رغم تعميمه الكلام أثناء الطلب .
فزاد غضبه و قال من جديد : بقول عايز قهوة .
فقال كرم : حاضر يا باشا .
غانم : مش الهانم طلبت منك بسبوسه ، خلصها لها بسرعة عشان نفسها فيها .
كل هذا و هي تنظر أرضاً ببرود قاټل .. قاټل جداً بل مدمر لأعصاب ذلك الضخم الواقف يسد الضوء عن الباب و هي جرو صغير يجلس على كرسيه متسبب في عصبية شخص مثله و أيضاً لا تبالي .
فقال كرم : هعملك القهوة و أكمل .
غانم : و ليه هو مافيش غيرك هنا ، حلا تعمل القهوة.
و أخيراً نطق أسمها بلسانه بعد خصام أيام ، رغم أنه ينطقه كل يوم و ليله في سره … حلا.. كم يعشق هذا الإسم بحروفه الثلاث .
ليأتيه الرد البارد من صوت بارد ردد : مابتعرفش .
زادت وتيرة أنفاسه قليلاً ، و أخيراً تحدثت إليه و أستمع لصوتها ، لكنها كلمة قصيرة ، و هو يرغب في إطالة الحديث فسأل: ما بتعرفش إيه ؟
حلا بنفس البرود : مابتعرفش تعمل قهوة .
غانم : بجد أمال بتعرفي تعملي إيه ؟
حلا : ما بعرفش أعمل أي حاجة ، أنا بقول توفر عليك فلوس مرتبي و تمشيني .
كانت مستفزة بجدارة، مستفزه لأقصى حد ، أراد إستفزازها كما تفعل معه و قال : إلي مش بيعرف يتعلم ، أهو تتعلمي لك حاجه تنفعك و تشتغلي بيها ، هتمشي من هنا يعني تقعدي في البيت من غير شغل ؟
تنهدت ببرود و قالت : أنا مش بتاعت شغل ، أنا هتجوز و أقعد في البيت .
تخطت كل الحدود و هي لا تعلم او تقصد ، فكرة أنها ستتزوج بآخر ألهبت الڠضب في قلبه و صدره و دلف للمطبخ بخطى غاضبه يقول: تتحوزي إزاي يعني ؟