تقدم جميل يكمل : و بعدين هو جاي و خابط مشوار عشان يقولك أنه ناوي يدخل صفقة اللحوم الجديدة ؟! من أمتى الأخلاق العالية دي ؟ ده جاي يتحداك عيني عينك …. بكلمك يا ولدي مش بترد ليه ؟
ليهتف غانم : مش قادر ، مش قادر و لا عايز أتكلم دلوقتي.
رفع جميل إحدى حاجبيه و سأل بتوجس : أنت حالك مش عاجبني أديلك يومين ، إيه الحكاية ؟
قضم غانم شفتيه ، لا يتحمل سلاطة العم جميل إلا للعشرة و فارق العمر ، لولا ذلك لما صمت له و لتماديه معه .
فحاول التحدث بحلم : أنا بقول تروح تشوف طلبية الفاكهة الي رايحة مصنع العصير دلوقتي أحسن ما يحصل لغبطة .
نظر له جميل بتقييم و صمت مطولاً ثم قال: و ماله يا ولدي ، بس راجع لك عشان أعرف بيك أيه ؟
خرج جميل و زفر غانم بتعب تحرك على كرسيه بعدم راحة ، لا يعلم ما به ، وقف ينوي طلب فنجان من القهوة.
يعلم أنه يتحجج … يتحجج لرؤيتها ، وصول سلوى اليوم قطع عليه لحظة مميزة معها ، لحظة كاد أن يصل فيها قلبه لقرار مهم .
انتفض من على كرسيه يهرول ناحية الباب و كأن برؤيتها راحته .
ذهب للمطبخ يبحث في الأرجاء عنها لكنه كان خاليا من طيفها و رائحتها التي أصبح مدمن عليها كلياً .
لم يجد سوى كرم فسأله : فين حلا ؟
كرم : مش عارف ، كانت هنا و أختفت مرة واحدة.
غانم بقلق : نعم ؟ أختفت راحت فين ؟
كرم : مش عارف بس أكيد في أوضتها و..
لم يتسمع له غانم او يعطيه الفرصة كي يكمل حديثه ، إنما ذهب لغرفتها يتأكد من وجودها فيها ليطمئن .
لم يدق على الباب ، فتحه دون إستئذان ليجد الغرفة فارغة.
جن جنونة … هاجت أعصابه.
و نادى بأعلى أرتفاع قد يصل له صوته : يا عزاااااااام .
لم ينتظر قدوم عزام إليه بل هرول بسرعة للخارج بينما يتقدم ناحيته بخطى سريعة رجل أسمر البشرة مفتول العضلات حتى أمتثل أمامه يردد: أوامر يا باشا .
غانم بلهاس و قلق : حلا ، حلا مش موجوده جوا. أقلبوا عليها الدنيا .
عزام بإستفهام : حلا مين ؟ أااااه البطة البيضة ؟
أحتدت أعين غانم بوضوح شديد ليستدرك عزام حاله و يردد بتوتر : أاأححاضر .. هدور عليها.
غانم بأمر: ماتسيبش مكان ما تدورش فيه أنت و الرجالة ، أنت سامع ؟
هز عزام رأسه و ذهب سريعاً ينفذ الأمر خوفاً من بطش غانم الذي بدى في ذروة غضبه .
وقف غانم يضع يدية في شعره پغضب شديد يدور حول نفسه پجنون ، يرى أن وقوفه هنا لا معنى له ، يجب أن يذهب هو الآخر كي يبحث عنها.
مرت ساعتين و ها هي الآن تدخل لحارتها مبتسمة بأنتصار ، ممتنة لذلك الباب الخلفي للحديقة الذي تُرك مفتوحاً .
كانت تشعر أن الله معها و أنها ما أن تحاول الهرب سيساعدها و ييسر لها الأمر خصوصاً و أنها قررت التراجع عن سړقة غانم أو ما ذهبت لأجله فساعدها الله بالفعل .
أول ما رأت بيتها و أصبح بينه و بينها خطوات حتى رددت : أخيراً ، أشهد أن لا إله إلا الله.
لهست بتعب ، لولا المواصلات لوصلت مبكراً لكن لا بأس المهم إنها هربت من أثر غانم .
ابتسمت بأتساع ستدخل لبيتها ، لكن …..
توقف إمامها سيارة سوداء عالية و أنفتح الباب الأمامي لها لتشهق عالياً و هي تراه أمامها تماماً.
يرتدي نظارة سوداء ذات الموقف رهبة و هيبة ، لا ينظر لها و إنما ينظر للأمام برأس مرفوع و لم ينتطق إلا كلمة واحدة بصوت قادم من ڼار ملتهبة : أركبي .
بقت مكانها ثابتة ، جامدة ، تلهث بوضوح ، لم تتوقع ، ما يحدث معها الآن لم بحدث حتى في أي فيلم عربي شاهدته مسبقاً .
أبتلعت رمقها تبحث عن بصيص من الشجاعة داخلها ثم قالت : مش راكبة .
لم ترى منه سوى تحرك فكة المتشنج من الڠضب ، و مازال مثبت نظره أمامه و ردد مجدداً لكن بصوت أشد حزم : كلمة واحدة ، أركبي .
لتجيب : مش هركب و هصوت و ألم عليك الناس.
غانم : براحتك ، خليها تبقى ڤضيحة و انتو لسه جداد في الحارة.
يزيد من عصبيته بعدم نظره لها ، لكنها خائڤة ، و قد زاد خۏفها بعد حديثه الأخير خصوصاً و قد طال وقوفها أمام سيارته المفتوحه لها و قبلها دخوله بتلك الطريقة السينمائية الخاطفة ، فصعدت للسيارة بإذعان و هو أنطلق سريعاً ما أن أغلقت بابها .
صمت …. صمت … صمت .
طوال الطريق و هو صامت ، لم تحن منه و لو نظرة واحدة ناحيتها و هي قد تلفت أعصابها نهائياً
فقالت : أنت إيه إلي جابك ورايا ، أنا مش عايزه أرجع.
لكنها لم تجد منه أي إجابة لتفلت أعصابها و تثور : أنت …. أنا بكلمك .
فجاوب عليها بضيق و ترفع : شششششش .
حلا : أنت بأي حق تكلمني كده ، هو الشغل بالعافية .
توقف بالسيارة ، لقد وصل للمنزل.
خرج منها و إلتف حولها يفتح الباب، أخرجها منها عنوة ، يقبض على عضدها و يجرها للداخل.