الفصل الرابع عشر
جلست في غرفتها تفتح هاتفها في محاولة منها لتدقيق في صور الصفحات التي أرسلتها لها دعاء.
لكنها كانت على شفى خطوة واحدة من الجنون ، عقلها لا ينفك عن التفكير في كل ما قاله غانم منذ قليل.
تتذكر جيداً ما حدث منذ سنوات تمام التذكر ، و كيف لها أن تنسى أول رجل شعرت بالإعجاب تجاهه .
عودة بالزمن للخلف
كانت تجلس في محاولة منها لمذاكرة دروسها لكن دلفت لعندها رنا بلهفة و أغلقت الباب سريعاً.
رنا : مش مصدقة ، مش مصدقة يا بت يا حلا .. شوفتي مين بعتلي أد ؟
جعدت حلا ما بين حاجبيها و سألت: مين ؟
أشهرت رنا الهاتف في وجهها لترى حلا رجل ليس كأي رجل ، كان مهيب الطول ، عريض الكتف ، أسمر البشرة ضخم الچثة شعره طويل و كثيف ، ملامحة جذابة بها من الكاريزما و الثقة ما يكفي قبيلة ، يرتدي قميص باللون السماوي و بنطال بلون سن الفيل .
كانت تدقق في صورته دون أدنى شعور منها بما يحدث معها.
رمشت بأهدابها على صوت رنا التي قالت: أييييه ، حيلك حيلك ، مالك مبحلقة فيه كده ليه ، المز ده يخصني ، و باعت لي أنا أد ، فنتلم هااا .
استفاقت على صوت رنا التي قالت بحدة: حلاااااا ، اييه ؟
حمحمت حلا و قالت : إيه يا بنتي أنا عملت حاجه ؟
رنا : أصلك عمالة ت…..
صمتت پصدمة و قد صدر عن الهاتف صوت يدل على وصول رسالة إليها و قد أتسعت عينا رنا و قالت پصدمة: ده بعت لي رسالة.
حلا : بيقول ايه ، أوعي تفتحيها .
رنا : ليه ؟ هفتحها عادي.
حلا : و بعد ما تفتحي الرسالة ، كلمة هتجر كلمة و مش بعيد يطلب يقابلك .
رنا : ياريييت .
شهقت حلا و قالت : يعني لو عرض عليكي ممكن توافقي ؟
رنا : إيه ده ؟ مين دي إلي توافق ، لأ مستحيل طبعاً ، أنا كنت بهزر معاكي .
نظرت للهاتف بتشوش ثم قالت مترددة : بس… أصله عاجبني أوي و باين من صورته أبن ناس .
حلا : أه.
رنا : أنا هرد بس بحساب أه ، ما تخافيش عليا على فكره بنت عمك مش سهلة .. يالا هسيبك عشان تذاكري ، سلام .
راقبتها حلا و هي تهرول ناحية الخارج تردد : سلام يا رنا .
كانت تعلم أن رنا لن تصمد طويلاً.
بعد أيام كانت حلا في طريقها للعودة من أحد دروسها الخصوصيه للبيت و وجدت رنا تجلس في شرفة بيتهم تنظر للخضار الممتد أمامها بهيام شديد حتى أنها لم تلاحظ أقتراب حلا منها و لا منادتها لها .
وقفت حلا تردد : رنا .. يا رنا .. مش بكلمك .
نظرت لها رنا بتفاجئ و قالت : حلا ؟ أنتي هنا ؟
حلا : لأ هناك .. في ايه يا بنتي واقفه بقالي ساعه و أنتي و أنتي هنا .
تنهدت رنا و قالت: هيييح ، اتاري الحب حلو اوي.
رددت حلا پصدمة : حب ؟؟! بتحبي مين ؟
رنا : غانم… غانم صفوان غانم .. اه يا حلا لو تشوفيه.. قمر .. هيبة و كاريزما و…
قاطعتها حلا : لو تشوفيه ؟ لا هو أنتي شوفتيه و قابلتيه ؟
رنا : شششش .. وطب صوتك لا حد يسمعنا.
تلفتت حولها ثم همست لحلا : لأ كل ده شات بس ، لكنه مصمم يقابلني ، بيقولي نتقابل بكره بعد الكلية ، بس مش عارفه لسه هلبس إيه.
هزت حلا رأسها بعدم أسيعاب و قالت : تلبسي إيه ؟ يعني مقررة أصلاً انك هتروحي و فاضل اللبس ؟ ده أنتي جرى لمخك حاجة بقا .
اتكئت رنا بجسدها للخلف و هي تردد : هييييح .. أيوه جراله .. حبيت .. حبيته أوي.
انتفضت من مكانها تحكي بلهفة : تخيلي لو حبني و حب يتجوزني ، يا نهار أبيض ، إلي عرفته أنه غني جداً ، و وارث خان كامل بتاعه لوحده .
جعدت حلا ما بين حاجبيها و سألت: خان ؟ يعني إيه ؟
رنا : خان ده زي بلد صغيرة ، زي القرية كلها بس في مدينة بقا و عشان كمان مملوك كله لشخص واحد بمصانعه و اراضيه و بيوته ، ده عندهم مصانع و بيت كبير زي القصر و عربيات و حرس و…
أسكتتها حلا و قالت : إيه يا بنتي ده ، أنتي حبتيه و لا حبيتي إلي عنده و لحقتي عدتيه ؟
رنا : لأ طبعاً ، حبيته هو ، ده قمر قمر قمر ، حاجه كده ماتتوصفش ، يارب بس يطلع شكله زي الصور .
مرت أيام و ذهبت حلا لرنا ، لا تعلم لما كان يجذبها السؤال عن تلك القصة .
طرقت باب غرفة رنا فوجدتها تتحدث بالهاتف مبتسمة ثم قالت لمحدثها : طيب ثواني يا حبيبي و هتصل بيك تاني ، يالا باي باي .
أغلقت الهاتف معه و قالت لحلا : غريبة أنك جيتي أنا إلي دايما بجي لك
حلا : أنتي بتقولي لمين حبيبي؟
رنا : لغانم .
شهقت حلا : أنتي لحقتي .
رنا : لحقت إيه ، ده انا وقعت ولا حدش سمى عليا .
حلا : يعني طلع حلو زي الصور
رنا : لأ صور أيه ، سيبك من الصور خالص ، ده هو حاجة تانية و أحلى كتير .
صمتت حلا تماما و بدأت تستمع لمدح رنا في حبيبها غانم و وصفها له بالتفصيل الممل حتى أنها بدأت تصف في رائحة عطره و طريقة سيره و جلوسه
و ظلت هكذا لفترة كلما ذهبت للقاءه عادت تحكي لحلا أدق أدق التفاصيل حتى بدأت تتغير ، ذبل نضارها و شحب لونها ، كانت كمن يحمل هماً ثقيلاً و توقفت عن الحكي .
حتى أنها كانت تصد حلا في الحديث كلما تطرقت للأمر و أحياناً تجاوب بأقتضاب متهربة .
و من بعدها كان يوم يجر الأخر حتى أستيقظ أهل القريه و هم في طريقهم للحقول صباحا في الفجر على چثة إحدى الفتيات الغارقة في دماء قد لونت كل ثيابها ليتعرف عليها أحد الفلاحين مردداً : يا سنة سوخة يا ولاد ، دي البت رنا ، رنا بنت الحاج عبد الرازق .
و من هنا بدأت الدوامة التي أفضت بوجود حلا الأن في بيت غانم صفوان غانم.
عادت من شرودها على صوت دقات الباب و معه صوت كرم : حلاا ، يا حلا.
تنهدت بصوت عالي ، لم يكن ينقصها عصفورة سلوى هو الآخر.
وقفت من مكانها و ذهبت لتفتح الباب ثم قالت : نعم .
كرم : الست سلوى على التليفون عايزاكي.
سمعت أسمها و ارتبكت قليلاً كأنها تسرق ، هنا أدركت أنها متورطة في شيء ما ، شئ يخص المشاعر ، ما يشبه الخېانة و سړقة الرجال .
و إلا ما كانت لترتبك و تتوتر هكذا .
ابتلعت رمقها و تناولت الهاتف من كرم ثم قالت: ألو … أيوه يا مدام ، أزاي حضرتك .
وصل لها صوت سلوى تردد برعونة شديدة : هو ايه اللي أزيك؟ أنتي هتاخدي عليا و لا إيه ؟ ماتنسيش نفسك ، أسمعي ، تخرجي دلوقتي لجنينة البيت تنضفيها كلها و تشقي الشجر و براحة على النعناع أنتي فاهمه ، بعدها تكنسي المكان و ترشيه لو كرم قالي إن في عقب سجارة واحد هتبقى سنتك سودة أنتي سامعة ؟
شعرت أن تلك هي فرصتها لذا قالت : لأ مش سامعة .
أتسعت عينا كرم و هو يسمع ما يقال كذلك صدمت سلوى و قالت: نعم ؟ أنتي أتحننتي بقا .
حلا : أحترمي نفسك ، أنا مش شغالة عندك عشان تقولي كده .
سلوى : نعم ؟ امال أنتي إيه.. ما أنتي خدامة ، أنتي هتنسي نفسك ؟
حلا : كنت و مابقتش .
سلوى : الله الله.. إيه قوة القلب دي ، إيه إلي أتغير بقا يا ست حلا مش كنتي جايه خدامة.
أرتبكت حلا قليلاً تشعر بإتهام سلوى الغير منطوق فقالت بتوتر : أنا جيت هنا لخدمة البيت مش جناينية .
سلوى : الجنايني مشي ، تعب و مشي و لسه ماجبناش حد و أنا صاحبة البيت ده و بأمرك تنفذي .
حلا : خلاص أسيب الشغل و أمشي
سلوى : براحتك يا كتكوتة من قلة الخدامين يعني ، بس مافيش مشيان غير لما الي قولته يتنفذ و إلا هتطلعي من البيت بسريقة .
أغلقت الهاتف في وجهها و بقيت حلا مبهوتة لثواني معدودة ثم تحركت بصمت تام ناحية حديقة البيت تنفذ ما أمر منها .