رواية زوجة الرئيس المنبوذة الفصل 239 الى الفصل 240

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 239
كان مراد يعتقد، بكل يقين، أن هذه الحادثة ستُغير نظرة عائلته إلى شيهانة جذريًا.
كان يرى الصورة في ذهنه بوضوح: شيهانة تقلب كل التوقعات رأسًا على عقب. تستعرض قدراتها بقوة، لتثبت أن تلك الفتاة التي ظنّوها غير قادرة على شيء، قد طواها الزمن.
ولن يجرؤ أحد بعد الآن على النظر إليها بازدراء.
ظنّ أن هذا وحده كفيلٌ بإسكات تحيّزاتهم وشكواهم المستمرة منها.
لكن، كما كان يعلم في قرارة نفسه… لم يكن ذلك هدف شيهانة.
السبب الحقيقي لكل ما تفعله، كان أبسط من كل التصورات: ابنهما.
التفت مراد نحو الحشود الذين كانوا يرمقون شيهانة بنظراتهم المتعالية، وشعر بشيء من الشفقة تجاههم.
ظنّوا أنهم قادرون على إثارة رد فعل منها بتلك النظرات والكلمات اللاذعة، لكن الحقيقة أنهم لا يدركون كم هي بعيدة عنهم… نفسًا وروحًا.
هزّ مراد رأسه مندهشًا من هذا الغرور الجماعي.
لكن ما آلمه أكثر، وما رآه أكثر تعجرفًا من أي شيء آخر… كان نظرة والدته.
“مراد، تعال إلى هنا، لدي ما أود مناقشته معك”، نادته والدته، متضايقة من رؤيته جالسًا بجوار شيهانة.
وكان بجوارها تالين، عابسة الوجه، تكاد تعض على شفتيها من الغيظ لرؤيته قريبًا من تلك التي كانت خصمها القديم.
التفت مراد إلى شيهانة وقال بنبرة اعتذار هادئة:
“سأعود بعد قليل. آسف على هذا الإزعاج. سأبذل كل جهدي لمساعدتك.”
رفعت شيهانة حاجبيها باستغراب:
“لكنني لا أشعر بأي إزعاج.”
ضحك مراد بخفة، وقال وهو ينهض:
“أعلم. لكني ما زلت أشعر بالحاجة للاعتذار.”
كان يعلم جيدًا أن نظراتهم وكلماتهم لم تمسها.
هي ببساطة… لا تعنيها هذه الضوضاء.
ومع ذلك، كان قلبه يؤلمه حين يرى كيف تُعامَل ظلماً أمامه.


لكنه كان يعرفها بما يكفي ليُدرك أنها لن تقبل تدخله نيابةً عنها.
لهذا، فإن أفضل ما يمكنه فعله الآن هو الانسحاب…
ليعطي لها مساحة، بعيدًا عن نظرات والدته وخطيبته السابقة.
نظر إليها مرة أخيرة، نظرة هادئة طويلة، ثم قال:
“سأتحدث إليك لاحقًا.”
وبمجرد مغادرته، عاد تميم بخطوات سريعة وجلس بجوار شيهانة، ثم دفعها بخفة وهو يسأل بفضول:
“يا أختي، عمّ كنتم تتحدثون؟ لم أفهم شيئًا!”
نظرت إليه شيهانة باستغراب:
“ولا حتى كلمة؟”


تنحنح تميم وأشاح بنظره متصنعًا الغضب:
“أختي، لا تنظري إليّ هكذا… أنتِ تعرفين أني أمتلك معدل ذكاء شخصٍ عادي! طبيعي ألا أفهم نقاشكم!”
ضحكت شيهانة بخفة على انفعاله الطفولي، وقالت:
“لم نتحدث كثيرًا… لكنه فقط أدرك خطتي.”
أخذ تميم نفسًا عميقًا كأنه تلقى صدمة:
“خطة؟! أي خطة؟ ولماذا لا أعلم شيئًا عنها؟!”
كاد أن يُقسم أنه لا يقل ذكاءً عن الآخرين، لكنه بدأ يشكّ بنفسه.
لم تجب شيهانة فورًا، بل التفتت بهدوء لتنظر إلى لمياء التي كانت تبتسم بفخرٍ وغرور، ثم ابتسمت هي الأخرى بخبث، وقالت بصوت خافت:
“باختصار… خطتي يمكن تلخيصها في جملة واحدة: كلما كبروا، كان سقوطهم أشد ألمًا!”
تبع تميم نظرتها، فرأى لمياء تتوسط الحاضرين كأنها نجمة العرض.
وفي تلك اللحظة… بدأ يدرك شيئًا.
كانت الخطة، في جوهرها، بسيطة لكنها عبقرية.
شيهانة لم تسعَ فقط لفضح سرقة التصميم، بل تعمّدت السماح للمياء بأن ترتفع عاليًا، وتُحاط بكل ذلك الثناء.
أرادت أن تُحدث الضجة… لتكون خيبة الأمل القادمة مدوّية.
فكلما زاد التصفيق، كانت الصفعة أكبر حين تظهر الحقيقة.
وكان يمكن لشيهانة أن تكشف الخطأ منذ البداية، وتثبت ملكيتها للتصميم بسهولة.
لكن ذلك، في نظرها، كان مخرجًا شريفًا لا تستحقه لمياء.
فالفتاة لم تُبدِ أدنى ندم، ولا أدنى خجل.
لهذا قررت شيهانة أن تحرمها من الرحمة.
لو كانت تدخلت باكرًا، لربما خرجت لمياء باعتذارٍ وتوبيخٍ بسيط.
لكن عندما يتعطل الجهاز علنًا، وسط العيون التي صفّقت لها، ستنهار سمعتها انهيارًا ساحقًا.
ووقتها… لن تُجدي أي أعذار.
الفصل 240
بعد كل شيء… لمياء لم تكن مجرد فرد من العائلة، بل حفيدة السيدة شهيب بالتبني.
العجوز التي احتضنتها منذ الطفولة، وشاركتها ذكرياتٍ لا تُعدّ، كانت تربطها بها علاقة عاطفية عميقة يصعب زعزعتها.
لو كانت السيدة شهيب مستعدة للمسامحة، لكان للمياء مهرب… وربما نجت من عواقب أفعالها.
لذا، لم يكن أمام شيهانة سوى خيار واحد:
تهيئة المسرح… لإسقاط لمياء سقوطًا لا قيام بعده.
لقد وضعت لمياء أمام مفترق طرق:
الاعتراف بالخطأ، أو التمادي فيه بلا خجل.
ومثلما كانت تتوقع، اختارت لمياء الخيار الثاني —
العناد والغطرسة.
الأخطاء التي تُرتكب عن جهل تُغفر.
لكن من يتمسك بخطيئته رغم إدراكه لها، لا يستحق الرحمة.
كانت شيهانة تعلم تمامًا أن المنتج المعيب سيؤذي السيدة شهيب، لكنها كانت تأمل أن تكون الإصابة خفيفة، كافية فقط لتوقظ صدمة في قلبها…
توقظ غضبها، وتفتح عينيها على الخيانة التي ارتكبتها لمياء.
وإن لم تكن السيدة العجوز قادرة على نبذ لمياء من تلقاء نفسها، فإن الآخرين… لن يتهاونوا.
زوجها السابق؟
مستحيل أن يغفر.
عائلة شهيب؟
لن يتسامحوا مع من دنّس اسمهم، ولن يرحموا من تلاعب بمكانتهم.
وما إن تخسر لمياء دعمهم، حتى تُصبح عارية من كل حماية، مكشوفة… منهارة من الداخل، محطّمة من الخارج.
وهنا، تكمن براعة خطة شيهانة.
لم تكن تهدف إلى مواجهة… بل إلى سقوطٍ لا نهوض بعده.
ضربة واحدة… حاسمة، مُذلّة، لا تمنح خصمها حتى فرصة لتجميع شتاته.
لكن لمياء لم تكن سوى البداية.
فحين تنهار، حين تنكشف على حقيقتها أمام الجميع،
سيُسلّط الضوء تلقائيًا على الطرف الآخر في المعادلة…
على شيهانة.
وفي هذا التباين، في هذا التناقض الحاد،
ستبدو شيهانة، ببساطة، كالنور وسط العتمة.
امرأة رزينة، صلبة، تعرف متى تصمت، ومتى تضرب — وأين.
وهذا وحده كافٍ ليُبدّد شكوك العائلة.
بل كافٍ لزرع الإعجاب، وربما الاحترام، في نفوس أكثرهم تحاملًا عليها.
صحيح، الاتفاق القديم كان شفهيًا، بلا أوراق ولا ضمانات.
وصحيح، أن بعض أفراد العائلة ما زالوا يضمرون لها الحذر، وربما الكراهية.
لكن احترامًا يُنتزع… خيرٌ من تعاطف يُمنح.
وإن كسبت احترامهم، لن تحتاج للقتال من أجل حضانة لين لين.
لن تنتزع طفلها من بين أنيابهم… بل سيُعاد إليها، طواعية، اعترافًا بجدارتها.
هكذا كانت خطتها…
ضربة واحدة تُسقط عدوتها، وتُعيد إليها ابنها.
لا دماء، لا فضائح، فقط…
ذكاءٌ يُجبر الجميع على الانحناء.
كانت الخطة دقيقة، معقدة، ومحكمة.
ولم يعرف تفاصيلها سوى شخص واحد فقط: زوجها السابق.
أرسلت إليه شيهانة نظرة خاطفة دون وعي.
كانت ممتنّة له، بصمت.
لأنه لم يُفشِ خطتها، ولم يُعرقلها، بل سمح لها بالمضي قدمًا بطريقتها.
وقد كانت هذه… أعظم مساعدة قد يقدمها لها.
لكن ما أرهق قلبها هو شعورها بالذنب…
لأنها، في النهاية، ستأخذ منه ابنه.
استغرقت العملية الجراحية ساعتين.
حين خرج الأطباء، تسارعت الخطى نحو الباب.
أعلن الطبيب ركان وهو يبتسم:
“العملية كانت ناجحة تمامًا! حالة السيدة شهيب ممتازة، تحتاج فقط إلى الراحة!”
“أخبار رائعة!”


كان الشيخ شهيب أول من هلّل.
غمرت البهجة وجوه الحاضرين مثل موجة عارمة.
وكانت لمياء، بطبيعة الحال، أسعدهم جميعًا.
بل ربما كانت أسعد من شخص ربح جائزة العمر.
استدارت مباشرة نحو شيهانة، وفي عينيها بريق ازدراء لا تخطئه عين.
الآن، لم تعد تخشاها.
انتهت اللعبة، بنجاح العملية.
حتى لو قدمت شيهانة دليلها الآن، فمَن يهتم؟
لقد فات الأوان.
كل شيء بات في صالحها، وكل العقبات أُزيلت من طريقها.
وفي لحظة نشوة، تقدمت لمياء من بين الحشد، سارت بخطى واثقة نحو شيهانة، كأنها ذاهبة لتتلقى التاج.
توقفت أمامها، رفعت ذقنها وقالت بسخرية:
“شيهانة… الأمر واضح. أنا المنتصرة وأنتِ الخاسرة.
أين هي ثقتك الآن؟ أين تلك القدرة التي تدّعينها؟
انظري إلى نفسكِ… لا أحد يلتفت إليكِ.
خسرتِ… من أجل من؟ من أجل شخص مثلي؟
أنتِ تستحقين كل هذا الذل، يا حقيرة!”
صمت الجميع، لكن شيهانة لم تهتز.
نظرت إليها بثبات وقالت، بصوت منخفض لكن واثق:
“هل تعتقدين حقًا أنك فزتِ؟”
ضحكت لمياء، باستهزاءٍ ساخر:
“ألا ترين؟ النتيجة أوضح من الشمس! من الفائزة إن لم أكن أنا؟ أنتِ؟ لا تضحكيني! الفائزة… هي—”
وفجأة…
صرخة مرعبة شقّت هواء المستشفى.
صرخة أنثوية… 

جميع الفصول من هنا

رواية زوجة الرئيس المنبوذة الفصل 241 إلى الفصل 242

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top