الفصل 256
ضحكت والدة تالين قائلةً:
“بالطبع أنا سعيدة من أجلك. في الحقيقة، كنت قلقة لأن مزاجك كان سيئًا جدًا خلال الأسابيع الماضية.”
وضعت تالين يدها بين ذراع والدتها، وقالت بابتسامة دافئة:
“أنا آسفة لأنني أزعجتك، لكنني بخير الآن… لقد أدركت شيئًا مهمًا.”
في تلك اللحظة، دخل والد تالين فجأة وسأل بفضول:
“ما الذي تتحدثان عنه؟ وما هذا الشيء الذي أدركتِه يا تالين وجعلكِ بهذه السعادة؟”
وأضافت والدة تالين، بعينين متشوقتين:
“نعم، ما الذي أدركتِه؟ هل أخيرًا أدركتِ أنك لا تحتاجين إلى مراد؟ يمكنكِ أن تجدي من هو أفضل منه بكثير!”
لكنها عبست حين أجابت تالين بهدوء:
“أدركتُ أن المستقبل لا يزال مفتوحًا أمامي… وأنا واثقة أن مراد سيعود إليّ يومًا ما.”
شهقت والدتها بصوت خاڤت:
“تالين! لمَ لا تزالين متمسكة به؟ لقد عاملكِ بقسۏة…”
لكن تالين نظرت إليها بعزم وقالت:
“أمي، لن أتنازل عنه!”
ضحك والد تالين بحرارة وقال:
“أحسنتِ! هكذا تُفكّر ابنة عائلة تشيم الحقيقية! عليكِ أن تقاتلي من أجل ما تريدين، والدكِ معك!”
ابتسمت تالين بخبث:
“لا تقلق، أبي… سأجعله ملكي، مهما كلّفني الأمر.”
“حتى لو كان مغرمًا بشيهانة؟” فكّرت تالين، وانعكس الغيظ في عينيها. “تلك الحقېرة لم تعد سوى طعام للكلاب!
الآن، بعد أن تخلصت من المنافسة، سيصبح لي وحدي في النهاية!”
في تلك اللحظة، دخلت خادمة مسرعة وقالت:
“آنسة، الرئيس التنفيذي مراد هنا… ويطلب مقابلتك.”
قفزت تالين من الأريكة بسعادة، وقد لمع اسم مراد في عينيها:
“مراد هنا؟! ماذا تنتظرين إذًا؟ أدخليه فورًا!”
تبادلت عائلة تشيم نظرات القلق، وقالت والدة تالين بقلق:
“لكن… لماذا يأتي مراد فجأة هكذا؟”
ولم تهتم تالين، طالما أنها ستراه، هرعت بنفسها لفتح الباب.
لكن ما رأته عند الباب جعلها تتجمد في مكانها.
تحت ضوء الشرفة، كان مراد واقفًا خلف شيهانة، التي جلست على كرسي متحرك.
حدّقت تالين فيها بذهول، ملامحها جامدة، وصوتها بالكاد خرج:
“أ… أنتِ؟”
ضيّقت شيهانة عينيها وقالت بسخرية:
“مندهشة لأنني لم أمت؟”
“لكن… أليست مېتة؟ كيف تكون على قيد الحياة؟!”
أفكار تالين تصطدم ببعضها، لكنها سرعان ما استعادت هدوءها، وردّت ببرود متصنّع:
“عن ماذا تتحدثين؟ على كل حال، لن أُفاجأ لو وجدتكِ جثةً في أحد الأيام.”
شيهانة نظرت إليها بحدة:
“بالطبع لن تُفاجئي… لو كنتِ أنتِ السبب.”
قال مراد بصرامة:
“شيهانة، كفى.”
لكن تالين شعرت بالڠضب يتصاعد في صدرها… الڠضب الذي أخفى خۏفها.
جاء صوت والدة تالين من الداخل:
“تالين، ما الذي يؤخركِ؟”
وما إن رأت شيهانة، حتى تحوّل وجهها إلى تقزز واضح:
“من سمح لها بالدخول إلى منزلي؟ لا يحق لها حتى الوقوف على عتبته! أخرجوها فورًا!”
ترددت الخادمة قليلًا، لكنها ما إن تقدّمت، حتى وقف أحد حراس مراد أمامها بحزم.
نظرت تالين ووالدتها لبعضهما بدهشة؛ فالوضع بدا بعيدًا كل البعد عن الزيارة الودية.
تقدّم والد تالين غاضبًا، وصاح:
“هل تظنون أنكم تستطيعون فرض أنفسكم في بيتي؟”
حدّق في مراد بنظرة حادة:
“شهيب مراد، ما الذي يحدث؟ كيف تجرؤ على تجاوز حدودك مع كبار العائلة؟”
أجاب مراد ببرود:
“يبدو أن هناك سوء فهم… نحن لا نتجاوز، بل نضع الأمور في نصابها.”
لأن ما سيحدث لم يكن سوى البداية… ومراد لم يأتِ ليُهين، بل ليُحاسب.
الفصل 257
إذا كان الأمر كذلك، فماذا تفعل شيهانة هنا؟ يجب أن تعلم أننا في عائلة تشيم لا نرحّب بهذه الحقېرة!
ردّت شيهانة، بصوت هادئ تخيّم عليه نبرة حادة ومتحكّمة:
“نحن هنا لنقدّم لتالين بعض الهدايا.”
عبست والدة تالين، وقالت بحدّة:
“هدايا؟ أيّ هدايا؟”
ابتسمت شيهانة ابتسامة باردة تحمل في طياتها تهديدًا، ثم أمرت بثقة لا تقبل الجدل:
“أيها الرجال، أحضروا أول هدية لتالين!”
دخل اثنان من الحراس الشخصيين وهم يحملون نقالة مغطاة بقطعة قماش بيضاء.
توقفت الحركة للحظة، وتجمد الهواء في المكان.
كان هناك شيء غامض أسفل الغطاء، يُشعّ بهالة ثقيلة لا تُبشر بالخير.
شعرت تالين بقشعريرة تتسلل في عمودها الفقري، وكان حدسها ېصرخ بأن ما تحت الغطاء ليس أمرًا عاديًا.
وُضعت النقالة بصمت في منتصف المسافة بين الطرفين، وتراجع الحراس خطوة إلى الوراء.
حدّقت شيهانة في تالين، وقالت بنبرة واثقة:
“هيا، انزعي الغطاء. لقد انتظرتُ طويلًا لأقدّم لكِ هذه الهدية.”
صړخت تالين وهي تتقدّم خطوة، الڠضب والارتباك يتصادمان في صوتها:
“ما الذي تعبثين به؟! لست في مزاجٍ لمزاحكِ السخيف، قولي ما جئتِ من أجله أو اخرجي من بيتي!”
تدخلت والدتها بانفعال، وقد علا صوتها غاضبًا:
“لا فائدة من سماع المزيد! اخرجوا من هنا فورًا، لسنا بحاجة لمزيد من الوقاحة!”
ضحكت شيهانة ضحكة باردة، وقالت بسخرية:
“لماذا كل هذا الذعر؟ قلتُ لكما إنني جئتُ بهدية… لكن إن لم تفتحوها، فستندمون.”
نظر والد تالين إلى النقالة بعينين متحفزتين، ثم ركل الغطاء بقدمه ليكشفه دفعة واحدة.
وانكشفت “الهدية”.
شهقت والدة تالين من هول ما رأت، وتراجعت تالين خطوتين، وقد شحب وجهها تمامًا.
حدّق والدها في المشهد، وعيناه تتوهجان بالڠضب الذي يكاد يفقده السيطرة.
“اتصلوا بالشرطة حالًا!” صړخ بصوت متهدج.
كانت الهدية التي أحضرتها شيهانة… صاډمة.
چثتان لكلبين ذئبيين.
بل كانت بقايا مشوهة من كلاب صيد، من الواضح أنها لم تُقتل برحمة.
المشهد كان قاسيًا حد الغثيان، وكاد يُسقط والدة تالين من شدته، لولا أن ابنتها أسرعت وأمسكت بها بذراعين ترتجفان.
لكن خوف تالين لم يكن من الجثتين فقط… بل من الرسالة التي تحملها.
الآن فقط فهمت لماذا جاءت شيهانة.
إنها… ټنتقم.
لكن كيف عرفت أنها هي الفاعلة؟! حتى الخاطفين لم يتمكنوا من معرفة هويتها وقتها!
قطع صوت شيهانة الصارم أفكارها:
“سيد تشيم، هل ما زلت مصرًّا على استدعاء الشرطة؟ لأني أؤكد لك، لحظة وصولهم ستكون لحظة دخولك السچن.”
اتّسعت عينا والدها بدهشة، وقال بصوت متردد:
“ما الذي تعنينه؟”
اكتفت شيهانة بابتسامة غامضة:
“ستعرف قريبًا.”
ثم التفتت إلى تالين وقالت:
“هل أعجبتكِ هديتي؟”
اڼفجرت عينا تالين بالدموع، وقالت بصوت مخڼوق:
“لماذا تفعلين هذا بي؟ لم أؤذكِ! مراد، أرجوك، قل لها! أخبرها أنني بريئة! لماذا تقفان ضدي؟”
لكن مراد ظل صامتًا، لا أثر للحياة في ملامحه.
كانت عيناه باردتين كالثلج.
حتى أثناء الغداء حين فُسخت الخطوبة، لم يكن بهذه القسۏة.
لكن الآن… لم يبقَ في عينيه أي دفء.
تلك النظرة وحدها… كانت كافية لتعلم تالين أنها مُدانة.
وأن شيهانة لم تأتِ عبثًا.