رواية سجناء الجزيرة كاملة لآخر فصل (الفصل 34_35)

Prewedding

الفصل _ 35…….

ترجوه مطالبة بعناق، وهو بالأصل يحترق شوقاً؛ ليتلقاها بين أحضانه، وما إن أتمت جملتها بالطلب قابله هو بالقبول.

يده المداعبة لوجهها وجانب عنقها جذبت رأسها إليه، يضمها إلى أحضانه.

أسندت رأسها إلى كتفه تلف ذراعيها حول خصره، تضم جسدها إليه، مستكينةً براحة وطمأنينة.

أسيرة بقصره، وتطلب وبإرادتها ودون إرغامٍ بل وراجيةً أيضاً أن يحتويها، وهو بأمس الحاجة للاحتواء.

غمس وجهه في حنايا عنقها يلثمها برقة، يطبق ذراعيه عليها بقوة، ومشاعر مختلطة استحوذت عليه،فهي بين يديه وتقر سلطتها، بين يديه ويشعر بالضعف، بين يديه ولها الهيمنة.

أما عنها فأنفاسه التي تلامس بشرتها أشعرتها بالدفء، تستغرب رضوخ قلبها وعقلها لعناقه ولا يلازمها النفور كما اعتادت تجاه زبائن الحانة.

رفعت رأسها إليه؛ لتقابل وجهه، ففارق الطول بينهما جعله مشرفٌ عليها.

وتساءل كيف يمكن أن يحدث تناقض كهذا ففي هذا الوضع هو المشرف ولكن هي من تجذبه.

اللعنة “نك” سيفتضح أمرك يا زعيم!!
تحكم في هذا المتمرد الذي تهتف ضرباته باسمها ما بين دقة وأخرى.

وتملكته رهبةً من كشف المستور فقد طال أسر عينيها  لخاصته، قرر الابتعاد، كارهاً تلك السيطرة برغم استمتاعه بها، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.

“ساندي” بهمسٍ مهلك:

-“نيك”.

يقاوم، وحتى رغم فشله لم تتح له فرصة للمحاولة، فحركة شفاهها ناطقةً باسمه، أثبطت داحرةً كل محاولة له بالثبات.

زفر أنفاسه التي لم يلحظ أنه يحبسها من فرط الحماس وارتفاع الأدريناليين لديه، وقال بصوتٍ متحشرج:

-اللعنة عليك “ساندي” وعلى “نك” أيضاً.

ولم يفكر إنما انقض يقتنص شفتيها بين خاصته في قبلة خشنة دامية انتقامية، لا يعلم إذا كان ينتقم من شفاهها التي نطقت باسمه في لحظة ضعفه، أم يعاقبها؛ لمغافلتها للعقل وتسللها إلى القلب وأسرها للروح.
أما أصدر عليها أحكام مجمعة على أخطائها وضعفه معًا.

أناتٌ مستمتعة بدرت منه وآهاتٌ معذبة صدرت عنها، ولا يعلما كم مر من الوقت وهما ينعمان بسحر اللحظة إلى أن حرر شفتيها يسند جبينه إلى جبهتها وآثار شهدها لازال يستشعر رطوبته على شفاهه.

مرر طرف لسانه على ثغره يلعق أكسير النشوى الذي ترك على شفاهه مذاق يستلذه، وشفاهها التي تلمع ببريق مغوي تدعوه ليعيد الكَرَّة.

فاقترب يأمل بالمزيد ولكنها رفعت سبابتها؛ لتضعها على شفاهه تحول دون الاسترسال.

فقد خارت مقاومتها وأكثر من ذلك ستستسلم له هادمة كل حصون وقواعد نشأت وتربت وحرصت عليها.

لم يعترض فهو أيضاً في حالة من التخبط والتيه يخشى الاقتراب آملاً فيه بتضارب غير معهود بالنسبة إليه.

تحمحمت تجلي صوتها، قائلةً برجاءٍ:

-دعنا نخرج سوياً أريد أن أذهب معك إلى مكان أنسى فيه كل سوء تفاهم بيننا، مكان يعج بالضجة وأصوات الموسيقى، أريد أن أحظى برقصة مع الزعيم “نك”.

واستكملت بحس فكاهي:

-وعشاء أيضاً.

أومأ بإيجاب فقد استهدفت بذكاء نقطة ضعفه وهي تعزيز ثقته بحاله التي يفتقدها، لذلك يحاول إحاطة حاله بهالة من الكبر والغرور.

لم يكن هكذا بل كل ما مر به أحال كل طباعه إلى النقيض من البؤس إلى الجبروت، من المسالمة إلى افتعال الخطط والألاعيب، من البحث عن الحب إلى الهروب منه.

و للحقيقة هي نفسها لا تعلم إذا كانت تقصد بثه تلك الثقة أم تكمل خطتها أم رجائها وتفخيمها له نابع من رغبتها وإحساسها بكماله.

مد يده يمسك بكفها مخللاً أنامله بخاصتها، وقد التقطت حقيبة يدها الموضوعة على الكرسي المجاور للباب، استعداداً لتنفيذ ما انتوته.

خرجا سوياً يستقلان السيارة، بعد أن رفع كفه إلى الحارسين الشخصيين الملازمين للبوابة مع الحرس الخاص بالقصر كعلامة توقف، قائلاً:

-التزما أماكنكما، لا أريد أحداً معي.

نعم هو يريد أن يعيش معها لحظات جنون وعنفوان، ولكنه توقف في طريقه أمام أحد المولات التي تعرض الألبسة النسائية مشيراً إلى أحد الفساتين المعروضة بواجهته، قائلاً:

-هذا “ساندي”، أريد أن أراكِ في هذا الثوب، ستبدين خلابة.

ابتسمت وهي تشد من عزمها، قائلة في ذاتها:

-لا تفكري بشيء “ساندي” عيشي اللحظات القادمة واستمتعي بها ودعي ما سيحدث بعد ذلك إلى ما بعد ذلك.

دخلا إلى ذلك القسم من المول؛ لتخبر “ساندي” العاملة الخاصة به برغبتها في اقتناء هذا الثوب، لتساعدها في تجربته بغرفة القياس، وما إن انتهت من ارتداءه حتى خرجت تطل عليه بهيئةٍ مغوية ينقطع لها الأنفاس فأطلق صافرة استحسان.

قائلاً بصدق:

-تبدين خلابة “ساندي”، هيا بنا؛ لنقضيا معاً سهرةً مميزة.

خرج كلاهما بعد أن سدد “نك” فاتورة الحساب، ينطلق بالسيارة وهي إلى جواره شاردة بينما يتراقص قلبه فرحًا، وأجزم أن القدر ابتسم له؛ ليوقعها بطريقه، سيقتنصها من الحياة فهي حقه الذي آتاه بعد أن خذله الجميع.

توقفت السيارة أمام أحد الأندية الليلية الفخمة، فترجل من السيارة يفتح الباب الذي بجوارها باسطاً يده؛ لتختفي راحتها بكفه العريض وهو يرفع يدها منحنياً بشياكة يلثم ظهره بقبلة عميقة، ساحباً إياها معه إلى الداخل.

لاحظت بعد أن ولجا خلو المكان من الرواد وقد استقبله أحد العاملين ورجل آخر يكبره في السن ذو وقار يبدو أنه صاحب المكان أو من يقم بإدارته، مرحباً بهما ترحيباً حاراً قائلاً باحترام:

-أهلاً بك يا زعيم، المكان محجوز بأكمله كما أمرت وأرجو أن يحظَ المكان وعامليه ومالكه برضى سيادتك.

مبالغ فيه إطراءه وكذلك خطبة الاستقبال، ولكن هذا ما يفضله “نك” وزاده سيطرة بالنسبة إليها، فقد قام بحجز المكان لحسابهما أثناء تواجدهما بالمول بينما كانت هي تبدل ثيابها بهذا الفستان الأنيق.

“نك” بابتسامة على غير العادة، قائلاً بإيجاز:

-إنه مرضي بالفعل.

الرجل بانشكاح:

-لعل المقام بالمقيم يليق.

وانحنى يمد كفه إليها؛ ليرحب بها برسمية يقبل ظهر راحتها، قائلاً وهو يغض بصره عن امرأة الزعيم؛ كي لا يطح برأسه دون دية:

-أرجو أن ينال المكان إعجابك سيدتي.

ابتسمت بمجاملة، واحترق الآخر غيرة وبرغم طعانة هذا البدين في السن، لكنه يشعر بالنقص، وما ألجمه أن الرجل حقاً لم يصدر عنه قول أو فعل مشين كما أنه لا يرغب بإفساد تلك السهرة.

ولكن كل تلك الأسباب لم تمنعه من زجره، وهو يحيط خصرها بذراعه في تملك يجذبها إليه، قائلاً بخشونة:

-انتهينا إذاً، اذهب أنت وعندما نرغب بالعشاء سنأمر به.

نبرته الساخطة جعلت الرجل والعامل أيضاً يختفيا من أمامهما بلمح البصر، بينما قادها هو إلى أحد الطاولات القريبة من ساحة الرقص، يسحب أحد الكراسي المزدانة بفخامة كحال المكان بأكمله؛ ليعاونها على الجلوس بارستقراطية.

جلست أمامه شاخصة به وكأنها تتشرب ملامحه؛ لتحفرها بذاكرتها، ولكنها ضحكت بصخب وصوت رنان، فالزعيم “كيكو” يستحي، فعندما أطالت النظر إليه اهتزت حدقتيه بارتباك مطرقاً رأسه كفتاةٍ عذراء خجلة.

عندما استمع إلى نغم ضحكاتها رفع بصره إليها وجاء دوره بالشرود، فقد تاه بعذوبة وجهها البشوش، وجمال رنين الصوت، وحسن الملامح الخالية تماماً من أية مساحيق تجميل.

وما إن هدأت وتيرة الضحكات قبض على كفها المستند إلى الطاولة، ينهض جاذباً إياها معه إلى ساحة الرقص.

وقد أعلنت فرقة الموسيقى عن بدأ عزفها لإحدى الأغنيات الرومانسية لأحد أشهر المطربين ببلدها اليونان.

قضبت جبينها بدهشة وأرجعت ذلك للصدفة، ولكن أي صدفة تلك!!

فبعد أن توسطا الساحة يحيط خصرها براحتيها ورفعت كفيها؛ لتحط بهما على كتفه وقد أسند جبينه إلى جبهتها، يدندن بصوت عذب وإجادة في نطق الكلمات مؤدياً بفهم وعمق ما يهدف المغني توصيله للسامع بإحساس.

ابتعدت قليلاً تناظره بدهشة ولكنه لم يتوقف عن الغناء وإحساسه بالمعنى تخطى ما أراد المطرب بثه في النفوس.

ومع انتهاء الأغنية أسدل راحتيه عن خصرها فاندفعت تحتضنه متعلقةً بعنقه، فرفعها إليه يدور بها، وقد أدمعت عيناها بتأثر ولكنها قررت بما لا يدع مجالاً للشك أنه حان وقت الرحيل.

وما إن أنزلها أرضاً حتى قالت بصوتٍ خافت إثر احتقانها بالعبرات:

-سأذهب إلى المرحاض.

أومأ بإيجاب، قائلاً وهو يجلي تلك الدمعة الهاربة على وجنتها بإبهامه:

-لا دموع بعد الآن “ساندي”.

ابتسمت ولكن لم ينجلِ حزنها وتقدمت تأخذ تلك الحقيبة ترفعها إلى مستوى نظره قائلة:

-سأضع بعض الزينة؛ لتُحسِّن ما أفسدته دموع الفرحة.

قال بدعابة:

-حسناً، ولكن لا تتأخري فزكيبة المال هذا ينتظركِ على أحر من الجمر.

ترى ستتمكن “ساندي” من فعلها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top