الصغير بتفكير:
-وكيف عرفت هذا وأنت لم تتزوج، ولم أستمع يوماً أثناء حديثك مع “چيه” إلى وجود حبيبة، حتى صديقات “چيسي” اللاتي يتوددن إليك لم تسايرهن يوماً رغم جمالهن الفتاك يا جاحد.
جحظت أعين سام مما يقول الصغير، قائلاً:
-لا أصدق من أين تأتي بهذا الحديث، أنت طفل؟! أنت!!
الصغير:
-لا تتهرب، وأجب على الفور.
“سام”:
-ببساطة لأنني لم أجد بعد تلك التي تجذبني إليها من أول لقاء، كما فعلت والدتك مع أبيك، هو كان يبحث عن فتاة رقيقة وحنون، إنما أنا أبحث عن فتاة قوية مشاغبة مرحة، وعدم عثوري عليها لا يعني أنني لا أعرف كيف حال المحب.
أشاح الصغير برأسه في اتجاهٍ ما، قائلاً:
-انظر هناك.
نظر “سام” حيث أشار الصبي، قائلاً:
-ماذا هناك؟!
الصغير:
-قاعدة الصواريخ الروسية تلك التي ترتدي فستان أحمر ناري.
أعاد “سام” النظر مرةً أخرى، متسائلاً:
-ما بها؟!
مسح الصغير على وجهه بتذمر، قائلاً بجفاء:
-أتسأل ما بها حقاً؟! بها إعجاب للوح الثلج الذي يقف أمامي، إنها معلمتي بالروضة، وقد سألتني عنك ذاك اليوم الذي حضرت؛ لتأخذني فيه ومنذ ذلك اليوم لا تترك أي فرصة؛ لتستجوبني عنك.
ثم بدأ الصغير بتقليد المرأة وهو يضع يداً على خصره، قائلاً:
-أخبرني حبيبي، هل العم “سام” متزوج؟ هل لديه رفيقة؟ ألم يحدثك عني بعدما رآك معي ذلك اليوم الذي أخذك فيه؟ هل سيأتي لاصطحابك مرة أخرى؟ هل هل هل؟؟
انتهى الصغير من التقمص، وهو يمسك بيد “سام”، قائلاً:
-تعالَ؛ لأعرفك عليها.
جذب “سام” يده من قبضة الصغير، قائلاً:
-تعرفني بمن؟ تلك لا تحتاج لوساطة؛ لأتعرف عليها انتظر قليلاً وستأتي هي من تلقاء نفسها؛ لتعرض حالها للتعارف.
توجه الصغير بنظره إلى “سام” يهز رأسه بنفي:
-لا، لن تأتي، دعنا نذهب إليها.
“سام” بابتسامة ثقة:
-انظر خلفك.
التف وجه الصغير، فرآها قادمة نحوهما ترمق “سام” بإعجاب، موجهةً حديثها إلى الصغير، قائلةً:
-ما بك “سام” ستبقى هنا!! وأصدقائك ينتظرونك؛ لتطفئ الشمع وتقطع قالب الحلوى.
ثم انتقلت ببصرها إلى “سام”، قائلةّ:
-اعتذر سيدي، لم أعرفك بنفسي، أنا “روزان” معلمة “سام”.
مدت يدها بالسلام، فبادلها سام، وهي تضغط على كفه بإغواء، قائلة:
-يمكنك مناداتي “روز”، فأنا أتمنى أن نكون أصدقاء، أصدقاء مقربون… للغاية.
جذب “سام” كفه من راحتها، وقد أحمر وجهه خجلاً من جرأتها أمام الصغير، قائلاً بلباقة:
- يسعدني صداقتك، ولكن رفقتي مملة، فوقتي محصور بين العمل والسفر، أعتذر لكِ سيدتي، فأنت تستحقين رفقة ممتعة.
نظرة خيبة أعتلت وجه “روزان”، وهي تومأ بتفهم، ومن ثم انسحبت، وهي تحث الصغير على القدوم من أجل إتمام مراسم الاحتفال، وتبعها الصغير و”سام”.
التف الجميع حول مائدة الطعام ينشدون الأغاني الخاصة بتلك المناسبة احتفالاً بالصغير، وبدأت “چيسيكا” بتوزيع الحلوى على الأطفال وذويهم.
بينما انسحب “سام” إلى الشرفة المرتفعة عن الأرض بمترٍ واحد، فمسكن صديقه “چاسم” عبارة عن ڤيلا صغيرة مكونة من طابقين مرتفعين قليلاً، بباحة صغيرة مرصوفة أمام المنزل محاطة بأحواض من الزهور، بمنتصفها نافورة صغيرة.
وذلك ما جعله يهادي الصغير بتلك السيارة التي ستلاءم لعبه في هذه الباحة، فبالطبع سيستمتع كثيراً.
شرد “سام” في حديثه مع الصغير، وداخله يتساءل متى سيأتي اليوم؛ ليقع في غرام إحداهن، ويكَوِّن عائلة وينجب أطفالاً.
انتبه “سام” عندما شعر بأحدهم يربت على كتفه، وكان هذا والده “يعقوب” أو كم يلقبه الجميع “چاكوب”.
وقف الأب بجوار ابنه، قائلاً بتنهيدة عجز فقد نال منه الزمن، وملأ قلبه الحزن؛ بسبب وفاة فلذة كبده “إسلام”:
-متى ستريح قلبي؟! وتتزوج، أريد أن أرى أحفادي وأستمتع معهم قبل أن ألحق بأخيك.
التفت “سام” إلى والده، قائلاً:
-لا تقل هذا أبي، أطال الله في عمرك، وأبقاك لي سالماً، لا تقلق بشأن زواجي لازال الله لم يأذن بهذا بعد، فلا شيء يقف أمام إرادته، ادعُ لي أن أجد من قدرها الله أمٌ لأحفادك، لعل الله يستجب لدعاءك أبي.
ربت الأب على وجنته بحنوٍ، قائلاً:
-أراح الله قلبك بني، ووهبك الزوجة الصالحة، حتى أرى ذريتك.
أمن “سام” على دعاء أبيه، وبدأ الجمع في الانسحاب، حتى أوشك المنزل يخلو إلا من “چاسم” وعائلته الصغيرة، وكذلك “سام” و”يعقوب” اللذان استأذنا هما الآخران في الانصراف.
الصغير لوالده:
-أبي هل يمكنني اللعب قليلاً في الباحة بتلك السيارة التي أحضرها لي العم “سام”؟
“چاسم” برفض:
-لا “سام” لقد تأخر الوقت، يمكنك اللعب في الصباح.
نكس الصغير رأسه بحزن؛ مما أثار حزن والدته بالتبعية، فقالت برجاءٍ:
-دعه “چاسم” يمرح قليلاً، فاليوم عيد مولده، لا تجعله ينام حزيناً.
غمزها “چاسم” خلسة، قائلاً:
-وما الذي سأحصل عليه إن وافقت؟
أجابت بدلال:
-لك ما تتمنى حبي.
صحن “چاسم” راحتيه ببعضهما في حماسة، قائلاً للصغير:
-انطلق “سام” لقد عفونا عنك، ولكن لا تبتعد عن الباحة، أما أنت فحسابك معي عسير؛ كي لا تعارضي قراراتي مرةً أخرى.
ضحكت “چيسيكا” بدلال، قائلةً:
-سأكون أكثر من مرحبة بعقابي.
بينما هرول الصغير يجرد الهدية من غلافها، قائلاً لوالدته:
-هيا أمي، ساعديني؛ لنخرج تلك السيارة الضخمة إلى الباحة، قبل أن يغير هذا الديكتاتور رأيه.
“چاسم” رافعاً إحدى حاجبيه بتحدي، وهو يعقد ذراعيه أمام صدره، وقبل أن ينطق لسانه بالرفض.
قال الصغير بتراجع، وهو ينظر إلى والدته:
-كفاك افتراء، “چيه” رجل ديمقراطي.
ثم وجه حديثه إلى أبيه، قائلاً:
-أليس كذلك “چيه”؟!
توجه “چاسم” ناحيته قائلاً ل”چيسيكا”:
-اذهبي أنت؛ لتبدلي ملابسك لأخرى مريحة، أسمعتي؟! مريحة.
ذهبت “چيسيكا”؛ لتستعد لاحتفالاً آخر من نوع خاص، بينما جثى “چاسم” على ركبتيه أمام الصغير؛ ليحلا وثاق تلك الهدية، ويخرجاها إلى الباحة.
ومن ثم عاد “چاسم”؛ ليلحق ب”چيسيكاه” في غرفتهما، وعندما فتح باب الغرفة، تسمرت قدماه بأرضه، وهو يراها تخرج من الحمام الملحق بالغرفة، ترتدي منامة باللون الأسود تبرز بياض بشرتها الثلجيّ، وعنقها المرمريّ، وتكشف الستار عن نهديها بسخاء.
ابتلع “چاسم” لعابه بإثارة مع اهتزاز تفاحة آدم خاصته، و نظرات عينيه تتفحصها بجوع، وخرجت من بين شفاهه تنهيدةٌ مشتاقة، وهو يقترب منها قائلاً:
-فاتنتي قلبي يأخذه الحنين إليكِ، وجسدي يئن طلباً الوصال، وكل خلية به تناجيكِ معذبتي، فهل لي بجولة عشق تكوني أنتِ بها المقصد والمُرْشِد؟
أحاطت عنقه بذراعيها، تضغط أسنانها على شفاهها السفلية بإغواء، وأناملها تداعب خصلات شعره من خلف، وهي تضم جسدها إليه، تومأ برأسها في إيجاب، وهي تقترب طابعةً قبلة رقيقة إلى جانب شفتيه، تراقصت لها أوتار رجولته المعذبة، ودق لها عرقه النابض بجانب صدغه، وهو يقتنص شفاهها بقبلةٍ جامحة.
وزادها قوة ذلك الأنين الذي صدر عنها باستمتاع، فانحنى بجذعه يضع يداً أسفل ركبتيها، والأخرى تدعم ظهرها يرفعها عن الأرض، يحملها بين ذراعيه، يريح جسدها على التخت بحرص وگأنها عروس من زجاجٍ ماسيّ.
وامتدت يده إلى رابطة عنقه يخلعها بحدة، ومن ثم تطرقت أنامله تفك أزرار قميصه واحد تلو الأخر يزيله عن جسده بعجالة، وأسرع إليها يلبي نداء روحه العاشقة لها، يعتليها بأنفاس متلاحقة أضناها الشوق المعذب، يعزف على مفاتنها سيمفونية عشق يتخللها الرغبة والجموح.
بعد فترة خرج “چاسم” من الحمام يلف خصره بمنشفة كبيرة، وقطرات الماء تتساقط من شعره تعرف طريقها على جسده العاري، وهو يناظر تلك النائمة بإرهاق؛ إثر الإبحار بين أمواج عشقه العاتية، يبتسم بحب وراحة.
ارتدى ثيابه البيتية، يخرج من الغرفة؛ ليصطحب صغيره من الباحة، حتى يخلد إلى فراشه، فقد انخرط كثيراً باللعب.
وبخروجه إلى الشرفة أحس بقبضة تعتصر قلبه عندما رأى السيارة خالية من سائقها، فهرع إلى الداخل يبحث عنه في كل مكان فلم يجده.
توقف في منتصف صالة الدور السفلي، يضع راحتيه على جانب رأسه بعجز، وتدور برأسه جلبة، وتدافع الأفكار يشعره بقرب انفجار دماغيّ، إلى أن استمع إلى صوت رنين الهاتف الأرضي.
فرفع السماعة يجيب بهلعٍ، عندما بادره الطرف الآخر بسؤال يبحث عن إجابته:
-أتبحث عن شيء ما؟ لا تجهد نفسك بالبحث، ضالتك عندي، وأحذرك من إبلاغ أحد، ولا أقصد هنا الشرطة فقط، أنا أعني لا أحد حتى زوجتك وصديقك، وبالأخص صديقك “سام”، قابلني بعد ساعة في…..، وأعدك سيبيت ابنك في أحضانك غداً، وإذا خالفت ما أمرتك به لن ترى ابنك مجدداً، ولا تلم سوى حالك، أسمعت؟
رواية سجناء الجزيرة للكاتبة أسماء حميدة