هذه الرواية حصري على موقع دريمسيز، ممنوع النسخ منعاً باتاً نظراً لحقوق الملكية الفكرية ومن يخالف ذلك سيخضع للمسائلة.
ربما يشكو البعض من عدم شعوره بالسعادة، أو أن السعادة لا تقترب منه رغم ثرائه وغناه أو جاهه.
وهنا تكون المأساة أشد فبعضهم ثري وصاحب سطوة وجاه، ومع ذلك نراه يقول دائماً أنه لا يشعر بالسعادة ولم يكن يوما سعيداً .
وعيب هؤلاء أنهم لم يفكروا في معنى السعادة، وإن فكروا، اعتقدوا أنها لا تخرج عن المال أو الجاه إلى آخره.
ولم يخطر ببال ممن لا يشعرون بالسعادة في حياتهم أو الذين تمر حياتهم بلا معنى، أن السعادة الحقيقية بين يديهم لكنهم لم يروها أو يدركوها.
السعادة مصدرها القلب وليس الرصيد أو المنصب.
السعادة معنى لأنها ترتبط بالنفس والشعور، وليس الأموال المختزنة بالبنوك.
السعادة مفاهيم إحداها العطاء.
قيدت دون إرادتها، وقادها إلى وكره؛ لينتقم لكبرياءه، ويأخذ ثأر الأنا بداخله.
أحاط كتفيها بذراع واحد، واليد الأخرى أشارت لرجاله بأن يتبعوه، وهو يعطي أمراً لمن بيده جهاز الإرسال، قائلاً:
-أرسل إشارة للطرف الآخر بتعطيل الكاميرات الخارجية لحين مغادرتنا.
وعلى الفور قام المأمور بتنفيذ ما تلقاه من أوامر، والمُكبلة بذراع واحد تسير بخنوع، وجسدها ينتفض رعباً مما هو آتٍ، لقد حفرت قبرها وبيدها.
مال إلى أذنها، يقول:
-ما بكٍ زوجتي العزيزة؟! لم ترتجفين هكذا؟!
أجابت بقوة مصطنعة:
-مؤكد بسبب برودة الجو، فحتماً أنت لا تشعر بالبرد؛ بسبب تلك السترة.
ثم مدت أصابع يدها تمسك بمقدمتها، تتحسسها باستكشاف، وهناك من يلتاع؛ بسبب ملامسة، فقط ملامسة أناملها لبشرته عند فتحة السترة من الأمام.
ولكنها أردفت بما جعله يريد زجها أسفل إطارات السيارة التي هم بصدد استقلالها:
-رجالية هذه أم …..؟!
قالتها وهي ترفع رأسها إليه تبتسم باستهزاء.
هل سيلومه أحد إذا قام بإحكام ذراعه حول رقبتها خنقاً؟
بالطبع لا، وتلك المحتالة سليطة اللسان لا تتوقف عن إثارة غضبه.
“نك” وعينيه تنضح بغضبٍ جحيمي:
-سأقتلك “ساندي”، أقسم إني سأفعلها.
“ساندي” وهي تراقص حاجبيها:
-وما الذي منعك من فعلها بالأعلى؟!
زمجر بغيظ، وهو يفتح باب السيارة، يدفعها إلى الداخل.
انطلقت السيارة وخلفها سيارتان ممتلئتان بهؤلاء ضخام الجثة من رجاله الأوفياء، يتجهون جميعاً إلى ڤيلته الموجودة بأحد الأحياء الراقية الهادئة.
وعندما وصلت السيارات حيث وجهتها، أخذت تتطلع حولها بانبهار، المكان حولها وكأنه قطعة من الجنة، تلك الأماكن لم تحلم يوماً أن تطأها قدماها.
لاحظ هو نظرات الإعجاب والانبهار بعينيها، وهي تذكره بحاله عندما أحضره “ريكا” معه إلى هنا، حينما تقابلا معاً أول مرة.
مد يده يفتح الباب المجاور لها يأمرها بالخروج:
-هيا انزلي، أم تريدين أن أحملك كونه أول يوم لك في بيتنا الجديد؟!
قالها وقد أراد أن يرى بعينيها نظرة خوفاً أو ارتباك، ولكن جاء الجواب على سؤاله، بإجابة متناقضة لا تتوافق مع ما قال.
“ساندي” وهي تشير إلى قصره الذي توقفت أمامه السيارات قائلة بتشدق:
-أكل هذا الثراء!! وآلمك أنني سرقت منك مليوني دولار وهاتف!!
ما هذا أليس من المفترض أن تظهر بعض من الخوف ولو بإدعاء!!
هل معنى أنه فاحش الثراء كما تقول، أيعطيها الحق في سرقته!!
ثم ما الجريمة في كونه ثرياً؟! حقاً لا يفهم!!
“نك” وهو يهز رأسه بيأس منها، قائلاً:
-وبالنسبة لطاقم الذهب المطعم بالألماس والساعة والمسدس؟!
أجابت بتتفيه وتسرع، وهي تشيح برأسها إلى الجهة الأخرى:
-وماذا بها؟! لا أرى أنا ما أخذته أماتك من الجوع أو أزال عنك الثراء!
ثم أعادت الالتفات إليه مرةً أخرى، قائلة بأعين جاحظة، وقد استدركت ما قاله لتوه:
-ماذا قلت؟! أتعني أن الأحجار الموجودة بالطاقم حقيقية وليست حلية مزيفة؟!
“نك” جازاً على أنيابه بغيظ:
-المزيف والحاقد والحاسد هو أنت، انزلي “ساندي” وإلا طرقت رأسك بزجاج السيارة خلفك، انزلي.
قال الأخيرة بغضب حقيقي وصوت مرتفع نسبياً، جعلها تندفع خارجة من السيارة، ومن ثم ارتجل هو الأخرى مشيراً لها بالتقدم.
سارت أمامه بتمهل، مستكشفة ما حولها، تلك الخطى يعرفها، حتى عرقلت قدميها وهي ترفع رأسها لأعلى تتأمل ما حولها يعرفها.
وعندما وصلا إلى بوابة القصر الداخلية انخفض بصرها لأسفل، وهي تنظر إلى ثيابها المتواضعة التي لا تتناسب مع المكان حتى تلك النظرة يعرفها، مع الفارق أن نظرتها لمظهرها شملت حذائها أما هو فلا؛ لقد أتى إلى هنا حافِ القدمين.
لا يعلم أيرأف بشبيهته أم يخشاها؟!
كل شيء بها الآن مر به سابقاً وأسوء.
ولكن تُرى إن احتواها كما فعل معه “ريكا” سيكن له نفس مصيره؟!
نفض تلك الأفكار عن رأسه، وقد فتحت إحدى الخادمات الباب الداخلي للقصر، وذلك عندما استمعت إلى صوت إطارات السيارات وهي تقترب إلى الداخل.
الخادمة باحترام:
-أهلاً يا زعيم.
أومأ برأسه بعجرفة كرد لتحيتها، وهو يتجاوزها إلى الداخل.
وتلك الزائرة القادمة معه، كادت تتصلب فقرات عنقها، وهي تطوف أرجاء البهو، رافعة إياها لأعلى، تتأمل اللوحات والتابلوهات المعلقة والتصاميم الخاصة بالجدران والسقف.
وهي تُملس على الحائط و البراويز المعلقة بيديها وكأنها تختبر مدى مطابقتها للمواصفات كمهندسي مراقبة الجودة.
أوقفته الخادمة قائلة بتهذيب:
-سيد “نك” الطفل الذي أحضره الحارس أمس وقد كان غافياً في سبات وعلى ما يبدو كان مخدراً، منذ أن أفاق من نومه وهو لا يتوقف عن البكاء؟! وحاول الهرب أكثر من مرة وفي كل مرة أراه بآخر لحظة قبل أن يفتح الباب ويخرج، ومنذ قليل التقطه المختص بالحديقة وهو يحاول الهرب عن طريق شرفة الطابق العلوي.
انتبهت تلك الشاخصة لما تقوله الخادمة، وهي تحاول أن تمنع لسانها من النطق، فيكفيها ما هي به، ولكن هيهات الطبع يغلب التطبع.
“ساندي” بفضول، وهي تضع يدها على كتف الخادمة التي تبدو في عقدها الثالث أي أكبر منها بأكثر من عشر، ولكنها أقل منها في القامة.
تسحبها بعيداً عنه بخطوتين وهي تميل إليها برأسها قليلاً حتى تتمكن الأخرى من سماعها وهي تهمس مستفسرة باستدراج:
-ولم فعل هذا؟! هل أخافه أحد أو ربما يريد الخروج لشراء شيء ما؟!
أجابت الخادمة وقد اندمجت معها بالحديث:
-لا سيدتي، لقد قدمت له الطعام ولكنه رفض أن يتناوله، كما أنه غير مصرح له بالدخول والخروج.
“ساندي” بتودد، إذ ربما تحتاج إلى داعم في بيت الرعب هذا، وللحق تبدو الطيبة والسماحة على وجه تلك السيدة:
-حسناً لا ألقاب أنا فقط “ساندي”، وأنت ما اسمك؟!
السيدة ببشاشة:
-أنا “كيارا”.
مدت “ساندي” كفها إليها؛ لتصافحها، وفعلت الأخرى بالمثل، و “ساندي” تقول:
-أهلاً “كيا”، ها قد تم التعارف، أخبريني إذا ما قصة هذا الطفل؟ لقد آلمني قلبي لأجله.
همت “كيارا”؛ لتوضح لها الأمر، ولكن هناك من انفجر بهما غيظاً، وبالأخص تلك الفضولية الثرثارة الحسناء خفيفة الظل.
“نك” بثورة:
-Hy، أنتما، ألم تنتهي حفلة التعارف تلك؟! أم علي الانتظار قليلاً؟!
انتفضت الخادمة بفزع، وهي تنسحب معتذرة.
أما تلك المشاكسة، فقد اقتربت منه، تتأبط ذراعه قائلة بمرح وكأن المتحدث الآن صديق طفولتها وليس خاطفها:
-ما بك “كيكو”؟! هل أنت دوماً غاضب هكذا؟! هدأ من روعك يا رجل، ستأتيك ذبحة بإذن الرب!
زمجر بغضب، وهو يكشر عن أنيابه وتلك المصيبة تتمنى له السوء بدعاء.
فأسرعت تقول بتراجع:
-أعني حفظك الرب.
قبض على معصم يدها يسحبها خلفه، وهو يفتح واحد من أبواب الدور الأرضي، يدفعها إلى الداخل ثم أغلق الباب بقدمه.
يشمر أكمامه المرفوعة من الأساس، وهو يتقدم منها ببطئ مهلك.
هيئته أخافتها حقاً، فرفعت كفيها أمامها بوجهه في وضعية دفاع، وهي تغمض عينيها، فبدت كعصفور تبللت أجنحته بفعل المطر ويقف بزاوية ما، ينتظر أن يجف ريشه، فهاجمته حدأة.
حالتها المضحكة تلك آلمته، وهو يتذكر مأساته في تلك الدار، لِمَ كلما حاول إيذائها، يتراجع؟!
لم يكن مقبل عليها ليضربها، يعترف أن به عيوب ومساوئ كثيرة، وأنه تطاول عليها سابقاً في المكتب التابع للحانة ، ولكنه لن يفعلها مجدداً .
عندما لم يصدر عنه قول أو فعل؛ أسدلت ذراعيها، وهي تفتح عينيها ببطئ؛ لتقابل عينين تشتعلان بالغضب منها ومن حاله؛ إذا كان غير قادر على إيذائها لم أحضرها إلى هنا؟!
ناظرته بريبة، وهي تقول بتوجس، ولكن بدت مضحكة:
-ماذا ها؟! ماذا بعد؟! هل يجب أن آخذ ساتراً أم ستكون شهماً وتعفُ عني؟!
لم يجب، وإنما جلس على أقرب مقعد، يضع ساقاً فوق الأخرى، يستند بمرفقه على أحد متكأيه، يكوب ذقنه بإبهامه وسبابته، ينظر إليها بتمعن، وسؤالها حقاً ليس لديه إجابةً له، ولا يعرف ماذا سيفعل بها؟! أو بالأحرى معها؟!
لأنه إذا كان قادر على الفعل بها، ما أصبح الآن جالساً يفكر بحيرة، فلقد سرقت عقله وشيء آخر يخشى الإفصاح عنه، إذا فهو المفعول به هنا، وهي الفاعل.
استكانت رهبتها منه، وتقدمت بتروي، تقول بعقلانية تفتقدها:
-بم تشعر الآن؟! هل هدأت أعصابك أم لازلت غاضبا؟!
أيضاً لا إجابة، ولكن ذلك لم يمنعها من الاسترسال:
-أنا أرى أن نغلق تلك الصفحة ونبدأ صفحة جديدة.
على وضعه صمت، صمت، صمت، فقط ما يدل على أنه استمع إليها هي تعابير وجهه، فقد لوى ثغره رافعاً حاجبيه.
شجعت حالها، وهي تقول بينها وبين نفسها:
-فرصتك الأخيرة “ساندي” لتنفدي بحالك، وربما نفحةٌ مما معك.
ثم أردفت بصوت مسموع:
-إذاً فقد اتفقنا.
مدت يدها تفتح الحقيبة وهي تخرج منها المال الذي بحوزتها، تضعه أمامه على الطاولة، ولم تنسَ أن تتكتم على رزمتين أو ثلاثة.
بالطبع لن يجلس يعد مليوني دولار، فإذا كانا بالنسبة إليها ثروة، فبالنسبة له مبلغاً زهيداً.
وأخرجت حافظة نقوده الموجود بها بطاقاته الإئتمانية تضعها أمامه بجوار النقود، عدا بطاقة واحدة تلك التي قامت بسحب آخر مبلغٍ منها؛ ولأنها كانت متعجلة فلم تضعها بالحافظة، وإنما أسقطتها بين رزم المال في الحقيبة، وقد التقطتها يدها وهي تخرج المال الآن، فتركتها مع ما تكتمت عليه منه.
رفعت طرف قميصها من جهة اليسار؛ تلتقط بيدها اليمنى مسدسه المرشوق بحزام منطالها، تضعه إلى جانب باقي المسروقات.
فأصبحت أشبه بمهربي البضائع الذين يتم ضبطهم بمعرفة المباحث الجمركية.
وعندما انتهت من فقرة التفتيش الذاتي، رفعت يدها بتحية، ثم خفضتها وهي تعد على أصابع يد، وتشير بالأخرى على كل ما تذكر، قائلة:
-مالك، حافظتك، بطاقتك، مسدسك، ها قد سوينا الخلاف بيننا، حسناً See you soon.
قالتها وهي تستدير متوجهة نحو الباب، وقبل أن تضع يدها على المقبض، وجدت من يقبض على ملابسها من الخلف كاللصوص.
منذ أن أدخلها الغرفة وجلس على ذلك المقعد، وعقله يعمل كالساعة ومع صوت دقات البندول “تيك” يميل إلى تركها تذهب، “توك” يتراجع مقرراً أنها ستصبح أسيرته، وعند استدارتها للمغادرة بالفعل.
أحس بقلبه وكأنه موضع كرة البندول وازدات وتيرة دقاته، إلى جانب برودة شعر بها داخله وكأن وجودها هو ما يبثه الدفء، فلم يفكر مرتين.
وإنما وقف يجتاز المسافة بينهما في نقلة قدم واحدة، الظاهر أنه يقبض عليها، لكن الحقيقة هي من تقبض على قلبه بين راحتيها، كيف ومتى!! لا يعلم.
“نك” متصنعاً الثبات:
-إلى أين أنت ذاهبة؟!
ناظرته وكأنه تنين وقد نمى له جناحين، قائلة ببساطة:
-لا يهم إلى أين؟! المهم أنك وافقت.
أشار إلى نفسه، قائلاً وهو على حافة الجنون:
-أنا “نك”…
قاطعته وهي تشير بتضاد:
-الزعيم “نك” أو “كيكو”.
زمجرة أخرى صدرت عنه، يحتجزها، وفي بيته، وتحت يده، ويشعر بها المتحكمة صاحبة القيادة؛ تقدر أن تصله إلى قمة الغضب، ويمكنها بحسها الفكاهي امتصاص ثورته، وبأقل لمسة منها تشعل جسده رغبة.
أشاح بيده في الهواء، كإشارة منه بأن الأمر لايهم:
-دعينا من الألقاب الآن.
أومأت بموافقة وأشارت بإبهامها كتأكيد للإيماءة
أما هو فلم يعير موافقتها اهتماما، وأكمل:
-مخطوفة ولم يمر على ذلك ساعتين، والآن تريدين الرحيل.
رفعت معصمها تنظر إلى ساعة يدها التي هي ملكه بالأساس:
-معك حق باقي عشرون دقيقة.
“نك” ولم يفهم ما ترنو إليه:
-على ماذا؟!
تأففت بضيق، وكأنه الأبله هنا، مجيبة:
-على ساعتي الخطف.
لن يصمد إما أن يضربها وإما ستصيبه بشلل رباعي، كور قبضة يده يستعد للكمها، متخلياً عن كل الوعود التي أخذها على نفسه، بأنه لن يمسها بسوء، ولكن هي من تجبره.
وقبل أن يفعلها توقفت قبضته في الهواء وهما يستمعان إلى صوت صراخ قادمٌ من الخارج.
وقبل أن يبدي أية ردة فعل كانت هي تدير مقبض الباب قابضة على كف يده الممسكة بملابسها تنفضها عنها،
خرجت وهو خلفها تستكشف ماذا يدور بالخارج؟! ومن مصدر هذا الصراخ؟! وما سببه؟!
دارت بعينيها في أنحاء البهو، ولكنها لم تلحظ وجود أي شيء مريب.
صرخة أخرى فميزا معاً مصدر الصوت، إنه قادم من أعلى.
أسرعت تعتلي الدرج، وهي تختلس السمع، إلا أن استمعت إلى صوت بكاء طفل صغير، فاقتحمت الغرفة، وجدت “كيارا” تحاول جذب ذلك الصغير بعيداً عن سور الشرفة، ولكنه يأبى الإبتعاد، وبين شد وجذب هو يصرخ وهي تنهره.
وقد تبعها “نك” وكل أفعالها تلاقي دهشة من قبله، مستغرباً تلك التركيبة، وكيف تتعايش وتتعامل مع كل مشاكلها ببساطة، بل وتقحم حالها بمشاكل الآخرين.
“ساندي” وقد رق قلبها لحاله، فقد ذكرها بأخيها القابع جسده على أحد أسرة المشفى بين يد الله، ولا تعلم إذا كان مقدرٌ لها أن تراه مرةً أخرى أم لا؟!
ففي كل مرة تذهب إلى هناك، وتراه على تلك الحالة ينقبض صدرها، والأطباء يقرون بأنه بحاجة لمعجزة إلهية، فحالته متدهورة وتسوء كل يوم عن ذي قبل.
ولكنها تقوم بما في وسعها حتى توفر له تكلفة المشفى والعلاج عل ذلك يساعده في التخفيف من ألمه، فرؤيته يتعذب وهو أمامها تميتها موت بطيء غير مشمول بالرحمة.
اقترب “ساندي” من الصغير، تحادثه بهوادة، قائلة:
-أهدأ، أهدأ، وكل ما تريده سينفذ، فقط افهمني ما بك؟!
التفت لها الصغير، وقد دب في قلبه الأمل، بعد أن أفاق من غفوته، ووجد نفسه في مكان غريب، وأناس لا يعرفهم، ولا يعلم كيف أت إلى هنا، ولا أحد يفهمه شيئاً، أو من الأساس لا أحد يفهم شيئاً، سوى من أحضره هنا و”نك” بالطبع.
الصغير من بين نشجاته وقد استحال بياض عينيه إلى الحمرة من كثرة البكاء:
-أريد الرحيل من هنا، أريد أن أعود إلى “چيه”، و”چيسي”.
“ساندي” بمهادنة:
-من قال أنك لن تعود، تعالَ معي أريد أن أتحدث معك قليلاً.
قالتها وهي تمد يدها إليه، فناظرها الصغير بتردد، ولكن بالأخير، وضع كفه الصغير في راحتها، وهو يقول بلهفة:
-أحقاً تصدقينني القول، أم تتلاعبين بي؟!
“ساندي” بحنوٍ وبسمة اطمئن لها الصغير:
-لا أتلاعب بك، ثم إنك لست مخطوفاً، هناك سوء تفاهم حدث، ونحن نعمل على حل الأمر والوصول إلى عائلتك.
ثم التفتت لذلك الواقف على أعتاب الغرفة، يستند إلى حلق الباب، عاقداً ذراعيه أمام صدره، ويتابع بصمت، ولا يبدو على معالمه أي تعبير يُفسر، فغمزته قائلة:
-أليس كذلك “نك”؟
فك انعقاد ذراعيه، يحك بيده مؤخرة عنقه، قائلاً باقتضاب:
-أجل.
أشار الصغير إليها بتوجس أن تقترب، فمالت إليه، وذلك نظراً لفارق الطول بينهما.
سألها بهمس:
-من هذا؟ زوجك؟
احتارت بما تجيب، ولكنها بالأخير أومأت إليه بإيجاب.
فسر الصغير ترددها أنها مستاءة من زوجها الكاشر الوجه هذا، فقال بمواساة فلقد لمس فيها الصغير الطيبة، وارتاح قلبه لها، واطمئن قليلاً لوجودها وحديثها.
الصغير:
-لا تحزني، هو حقا يبدو عابساً، لكنه وسيم.
ضحكت “ساندي” بعذوبة على براءته؛ فها هو يواسيها وهو الأحق بذلك، فقط لو يعلم الصغير أن هذا الوسيم هو من خطف كليهما.
أحاطته بحنان بالغ، واستقامت تحمله بين ذراعيها، والآخر يتابع كل حركة وسكون وبسمة، حنونة هي، بها الشيء ونقيضه، تقدم الدعم والمساندة وهي بأشد الحاجة إليها، قسى عليها فأحنت على الصغير، أي عطاء هذا وأي سعادة تلك التي تبدو الآن على وجهها!!
انبهرت لعزه وثراءه وماله، ولكنه يحسدها على سعادتها ومرحها ونقاء قلبها.
لا يعلم لما لم يقابل في حياته من يرق قلبها إليه، حتى من أتت به إلى تلك الحياة لم ترغب بوجوده.
جلست “ساندي” على طرف الفراش ووضعته على ساقها، ورفعت رأسها ل”كيارا”، وهي تقول بصدق:
-“كيا” أحضري لنا شيء نأكله، فأنا أتضور جوعاً، وأريد أن يشاركني الطعام هذا الوسيم، ولا تنسي أن تحضري له كوب حليب.
قالتها وهي تنظر إلى الصغير، فابتسم بخجل طفولي، بينما ذهبت “كيارا”؛ لتحضر الطعام كما طلبت “ساندي”.
استكملت، تسأله بمداعبة:
-لم تخبرني بعد ما اسمك أيها الخجول؟!
الصغير ولازال مطأطأ الرأس:
-“سام”.
مدت يدها تقرص ذقنه بمشاكسة وهي تطبع قبلة على خده، قائلة:
-اسمك جميل مثل عينيك الساحرة؟!
احمر وجهه خجلاً، وهو يقول:
-أشكرك، وأنت أيضاً جميلة، لكنني لا أعرف اسمك بعد!
أجابته، قائلة:
-ساندي”.
” سام”:
-وأنت أيضاً اسمك جميل”ساندي”، هل لي أن أعرف من أحضرني إلى هنا؟! ومتى سأعود إلى والدي؟!
تلجلجت” ساندي”، فهي بالفعل لا تملك إجابات لأسئلته، واتجه بصرها لهذا الصنم الذي لا تصدر منه أية كلمة أو حركة.
فهم على نظراتها، ولا يعرف لِم استجاب؟!
وتقدم يجلس على أحد المقاعد الموجودة بالغرفة، وهو يميل بجسده إلى الأمام مستند بمرفقيه إلى ركبتيه، قائلاً بمساندة:
-أسمع “سام”، لقد وجدك واحد من أفراد الأمن الخاص بالقصر، ملقٍ أمام البوابة بحالة يرثى لها، وقد كنت غائب عن الوعي، من فعل هذا؟! ولِم؟! لا أعرف، ولكن إذا لم تثر المشاكل وبقيت هادئ، سنتمكن من الوصول إلى عائلتك سريعاً وربما تعود إليهم غداً.
أومأ الصغير رأسه بطاعة، بينما نظرت هي إليه نظرة امتنان وشكر، ولا أحد يعلم مَن عليه شكر مَن!!
رفع “نك” معصمه، وهو يشير إلى الساعة.
فأجابته بعد أن استعلمت، تدعي عدم فهم تلميحه هذا، قائلة:
-إنها الرابعة والنصف.
“نك” بنظرة تحذير، قائلاً:
-أريد استرداد ساعتي، إذا لم يكن هناك مانع لديكِ بالطبع!
خلعتها بتأفف، وهي تناوله إياها.
“نك” بنبرة أبعد ما يكون عن الامتنان، وهو يبتسم ساخراً:
-أشكرك.
أجابته بتبجح:
-عفواً، لا شكر على واجب.
في تلك الأثناء رن هاتفه برقم “چاسم” والد الصغير، فخرج من الغرفة يجيب على الفور، قائلاً:
-توقعت أنك ستتصل قريباً، على كل حال الأمر لا يستحق التفكير، هل قررت أيهما أهم بالنسبة إليك؟!
“چاسم” بتحدٍ:
-دعني أتحدث إلى ابني، كيف أدري أنكم لم تأذوه بعد، وأنا لا أعلم شيئاً عنه منذ أن خطفه رجالك بالأمس، وعندما تحدثت إليه كان يبكي بشدة.
“نك” بعجرفة وغضب:
-اسمع يا هذا، أنا لا أحد يملي عليَّ شروطه، قولت لك ابنك بخير، ما حاجتي للكذب؟! إذا كان رجلي قتله، فهل تعتقد أنني سأخاف قولها مثلاً؟! إنجز ماذا قررت؟!
“چاسم”:
-سأفعل، سأفعل كل ما تريده مني، فقط لا تؤذوه.
“نك” ببسمة نصر:
-إذاً لقاءنا غداً تسلمني الورقة، وتأخذ ابنك ومعه عشرة مليون دولار، إلى جانب ذلك سيخلو لك الحال في الشركة.
“چاسم” باستدراج:
-أنا لم أشك لك، ولم أطلب مساعدتك، ولا أعلم لم اخترتني أنا تحديداً؟! ولكن كل ما أريد معرفته، ماذا ستفعل إذا كنت أخدعك؟! وكنت على اتفاق مع “سام” أو على تواصل مع الشرطة مثلاً وأخبرتهم عن المصيدة التي تدبرونها ل”سام”، وتلك الحقيبة المملوءة بالقنابل والمتفجرات، والاعتراف الزائف هذا!!
قهقه “نك” بسخرية، يبدو أن هذا الأحمق لا يعرف مع من يتعامل!! ولا يعرف أنه مراقب منذ أمس، وكذلك قام قائد العمليات الإلكترونية بتهكير جهاز هاتفه.
ومنذ ذلك الحين يتم تسجيل كل المكالمات الصادرة والواردة على شريحة الهاتف الخاص به حتى مكالمتهما هذه مسجلة، فليس من الصعب عليهم اختراق شبكة الاتصال التابع لها هذا الرقم.
“نك” من بين ضحكاته الساخرة:
-لن أفصح لك عما سأفعله، دعها تكن مفاجأة وأعدك سأبهرك.
الفصل 23
عندما تفرط في الاهتمام بشخص، وتجعله شغلك وشاغلك، وتقدم راحته على باقي أولوياتك، حاذر إذ ربما تبذل جهدا في أرض بور.
وما إن يشعر باحتياجك إليه، وأنه صار عالمك، فيبدأ بالتنكر، ومن كان يتسولك الحب، تصبح أنت صاحب الحاجة.
هذا ما تشعر به “چيسيكا” الآن، بعد أن هاتفته منذ حوالي ساعتين وهي شاردة بأيامهما ولياليهما معاً.
طالما كان “چاسم” يسعى إليها، منذ أن تعرفا في الجامعة وهو من يبدأ، من يتقرب، من يتسول.
الآن بعد أن أصبح إدمانها، يقسو وينفر، وتسائلت هل صار كبقية الرجال الذين تسمع عنهم من أحاديث صديقاتها عن أزواجهن، وتلك البرامج الاجتماعية التي تناقش المشكلات الأسرية والزوجية؟!
هل بات الحب لديه لحظات حميمية يقضياها معاً؟!
قلبها ينفي، وعقلها حائرٌ، مِن ثَم عادت تلوم حالها، وتلتمس له الأعذار، وهي تحدث حالها بصوتٍ مسموع:
-لا “چيسيكا”، “چاسم” ليس كالبقية، إنه يحبك، ربما لديه مشاكل بالعمل.
وهناك من حضر أثناء شرودها، متسللاً إلى الدور العلوي، فهو يعلم عندما تكون بحاجة إلى الاسترخاء أو يعكر صفوها شيء ما، تعتكف في تلك الغرفة التي تملؤها بالكتب الأدبية والشعرية.
ف”چيسيكاه” تلك الناعمة الرقيقة من هواة القراءة خاصة الأدب الإنجليزي والفرنسي، ولديها مجموعة كبيرة من الكتب القيمة، ومكتبة زاخرة بأمهات الكتب.
وفي الحالات التي تصاب فيها بالملل أو الحزن تخلد إلى تلك الغرفة، وتنتقي كتاباً يناسب حالتها المزاجية، وتدير مشغل الموسيقى على إحدى الأغاني الهادئة، وربما تعد لها كوباً من القهوة السريعة صانعةً لنفسها جوٌ من الهدوء والسكينة، وكأنها إحدى أميرات القصص الأسطورية.
اقترب يستمع إلى صوت الموسيقى قادماً من تلك الغرفة، فأدار المقبض بهدوء؛ حتى لا يفزعها، وجدها تجلس على الكرسي الهزاز خاصتها بجوار النافذة، تحتضن واحداً من كتبها، مغمضة العينين وآثار الدموع على خدها ممزوجة بكحل عينيها.
اقترب منها يجثو على ركبتيه أمام كرسيها واضعاً رأسه على ساقيها، في حركة اعتادها عندما يكن بحاجة لحنانها، للمسة تربت بها على قلبه.
عندما تقابله مشكلة أو أزمة بالعمل، يلجأ إليها علَّه يجد لديها حلاً تشاركه إياه كما يجد بأحضانها الحب والسكينة والدفء.
قالها عدة مرات ولم يخجل:
-“چيسيكا” إذا كنت أنا زوجك ورجلك وحبيبك الذي كنت تبحثين عنه، فأنا لا أشعر بالأمان إلا بقربك.
تربى على الجمود، عاش حياته دون عائلة أم هجرت وأب مشغول، لكنه لم يكن يوم معقد أو ناقماً على غيره، بل حرمانه هذا جعله يصنع لنفسه علاقات وأصدقاء باحثاً عن من تعوضه الحب ليبنيا معاً بيتاً دافئاً وينجبا أطفال.
وها بعد أن استجاب الله لنجواه، وبدأ يشعر بأن ما حرمه الله منه عوضه بأضعافه مع زوجته الحنون، وزيادة في إغداق الله عليه بنعمه وهبهما “سام” وحيدهما.
ولكن أتى هذا الحقير ليسلبه حياة طالما ناشدها من الله، أو يعيش بقية حياته وضميره يتألم لكونه السبب في تدمير حياة شخص بريء، وليس أي شخص إنه “سام”، صديق العمر والأخ الداعم “سام”.
Flash Back
بعد أن خرج “چاسم” من مكتبه بالشركة، واستقل سيارته، ينتوي الذهاب إلى أحد المولات التجارية الخاصة بالأجهزة الإلكترونية والهواتف المحمولة، لاحظ وجود سيارة ذات زجاج معتم حاجب الرؤية تتبعه.
فأراد أن يتأكد من شكوكه، في كون هذا الحقير “نك” قد فعلها؛ ليحاصره.
فيتخذ حذره قبل أن يقبل على فعل ما عزم عليه في محاولة لإنقاذ صديقه “سام”.
أخذ يقطع المسافة بين الشركة ووجهته متخذاً طرق جانبية ومفترقات، على أن يبدو الأمر عادياً.
وجد بالفعل أن تلك السيارة تقصده، فهي تسير خلفه بأي طريق يسلك.
حسناً يجب عليه التصرف على هذا الأساس، وأول قواعد هذا الأساس: افتراضية مراقبتهم له بكل الوسائل، تحركاته، منزله، هاتفه الشخصي، وربما هاتف البيت والشركة أيضاً، ويمكن أن يكون هاتف زوجته هو الآخر تحت الرقابة.
في البداية ذهب إلى أحد المحال الخاصة ببيع الزهور، واشترى باقة منها كي يصلح ما أفسده في تلك المكالمة، فكل ما يفعله وسيفعله من أجل أن لا يكدر صفو حياتهما معاً.
إلى جانب ذلك سيزداد تأكيداً إذا توقفت تلك السيارة بنفس المكان وغادرت في ذات الوقت.
وعندما حدث ما كان يتوقعه.
لم يراوغ ولم يلفت الانتباه.
بل قرر الذهاب إلى مول تجاري كبير وليس ذاك الخاص ببيع الهواتف المحمولة والأجهزة الذكية؛ كي يحاول تضليل مراقبيه عن نيته في شراء هاتف وخط آخر غير مسجل باسمه.
بحافظته صورة لبطاقة “نك” وتوكيل رسمي منه، فصديقه لا يأتمن غيره على ماله وإدارة الشركات، وسيشتري شريحة الهاتف باسمه، على كل حال هذا لن يضره بشيء.
بعد أن توجه إلى المول التجاري، قصد أحد المحلات الكبيرة الخاصة بالملابس، وبها عدة أقسام منها الرجالية والنسائية وقسم خاص بالأطفال.
أخذ ينظر خلسة على هذا المتابع له بالخارج، وجده يراقب عن كثب كل تحركاته من خلال الحائط الزجاجي للمحل، فاتجه نحو ذلك القسم الخاص بالملابس النسائية، ينتقي فستان سهرة محتشم قليلاً عن باقي المعروضات.
انضمت إليه تعاونه واحدة من العاملات بالمحل.
العاملة:
-صباح الخير سيدي، هل يمكنني المساعدة؟
“چاسم” وقد قرار اللجوء لمساعدتها بالفعل:
-أجل آنسة، أرغب بشراء فستان لزوجتي فاليوم مميز بالنسبة لها، كما أريد أن أفاجئها بهدية.
العاملة بابتسامة مجاملة وتقدير لزوج محب مثله، قائلة بمديح وترحاب:
-هنيئاً لها، وأنا على أتم الاستعداد لمعاونتك.
“چاسم” بصدق:
-هنيئاً لي أنا بها، ولكن لدي مشكلة.
العاملة بنظرة مستفهمة:
-ما المشكلة إذاً؟!
“چاسم”:
-إنها بالمحل المجاور تشتري بعض الأغراض، وأريد مفاجأتها، هي كانت ترغب بشراء هاتف جديد، فكنت أتساءل إذا كنت تستطيعين مساعدتي بتلك المهمة؟!
العاملة بتفهم:
-بالطبع سيدي، فقط أخبرني ما علي فعله!
“چاسم” وهو يبدي انشغاله بمعاينة الثياب موالياً ظهره للمتابع حتى لا يلحظ إطالته مع العاملة بالحديث؛ فيشك بالأمر.
“چاسم”:
-أريد رقم المحل الخاص بالهواتف المحمولة الموجود هنا بالمول؛ لأتواصل معهم على أن يجلبا لي الهاتف هنا على محلكم، وسأقوم بالدفع الإلكتروني.
العاملة:
-هذا أمر يسير، لحظة على ما أعتقد يوجد لدينا الموقع الإلكتروني الخاص بهم، ويمكنك انتقاء النوع الذي تريد.
“چاسم” بحرج، وهو يضع يده بجيبه، قائلاً بإدعاء:
-أوبس، يبدو أنني نسيت هاتفي في السيارة، أو فقدته في مكان ما، هل لي أن استخدم هاتفك آنستي.
-لا مانع سيدي.
قالتها العاملة وهي تخرج الهاتف من جيب منطالها، فتحرك بزاوية يحجب الرؤية عن المتابع بالخارج، زيادة في الحرص.
“چاسم” وهو يناولها أحد الفساتين المعروضة:
-أعتقد أن هذا سيناسبها.
ثم أخرج بطاقة الائتمان خاصته، يعطيها إياها، حتى تطمئن وتدع الهاتف كي يتمم عملية شراء الخط أيضاً، قائلاً:
-حسناً آنستي يمكنك عمل فاتورة بالحساب، ولا تنسي أن تضيفي مائتي دولار على المبلغ المسحوب، فهي إكراميتك على ذوقك وحسن تعاملك.
شكرته بحرج وهي تذهب لتنفذ ما قال، وقام هو سريعاً بفتح قاعدة البيانات، والبحث عن الموقع الإلكتروني الخاص بالمحل الذي التقط اسمه على الواجهة الخاصة به قبل الدخول لشراء الفستان.
وهو يتوارى خلف واحد من ال”stand” الذي يعرض عليه الملابس، ملتقطاً صورة لبطاقة “سام”، والتوكيل وأرسلهما على البريد الإلكتروني لمحل الهواتف.
مطالباً سرعة إرسال المطلوب على المحل الموجود به لضرورة المغادرة.
ودَوَّن كذلك رقم الحساب المصرفي الخاص به والمكون من أرقام متشابهة نوعاً ما؛ جعله سهل الحفظ.
عادت إليه العاملة تعطيه بطاقة الائتمان، قائلة بامتنان:
-أشكرك على كرمك سيدي.
“چاسم” وهو يناولها الهاتف بنفس الطريقة، قائلاً:
-أنا من يريد شكرك، لقد عذبتك معي، آخر طلب؟!
العاملة:
-تفضل سيدي على الرحب والسعة.
“چاسم”:
-سيأتي عامل التوصيل الخاص بمحل الهواتف، أريد منكِ استلام الطرد المدفوع، على أن تدسيه بالحقيبة الخاصة بالفستان حتى لا تراه زوجتي وأحرق المفاجأة التي أعدها لها، قومي بذلك لحين أن أدخل غرفة القياس لتجربة هذا الطاقم.
وأشار إلى أحد الألبسة الرجالية المعروضة بالمحل بالجانب الخاص بالملابس الرجالية.
العاملة بحماس:
-اعتبره تم بالفعل Done.
أخذ “چاسم” الطاقم الذي أشار إليه من العاملة ليس رغبة في الشراء، ولكن لإبداء سبب للمراقب بالخارج؛ لتواجده بالمحل، لحين حضور عامل التوصيل.
دخل “چاسم” غرفة تغيير الملابس وتعمد الإطالة حتى يضييع بعض الوقت، فطرقت العاملة باب الغرفة، تسأله:
-هل هناك مشكلة سيدي؟
“چاسم” من الداخل:
-لا، فقط يبدو أن السحاب عالقاً، ربما علي تغيير المنطال، هل العامل حضر؟
العاملة:
-نعم، سيدي وقد استلمت الطرد، وخبأته كما اتفقنا.
ما إن استمع “چاسم” لجوابها، حتى فتح الباب فجأة، فشهقت العاملة بفزع، وهي تغطي وجهها براحتيها؛ ظانة أنه خرج بدون غلق السحاب الذي ذكر مشكلة به تواً، أو الأسوء أن يكون بدون منطال بالأساس.
تفاجئ هو الآخر من ردة فعلها قائلاً بدهشة:
-ماذا هناك آنستي؟!
أفرجت أصابع يدها تنظر من بينها، ثم أسدلت كفيها بحرج، قائلة:
-ها، يبدو….أعني.. حسناً سيدي، لا شيء.
لا وقت لديه للإستفسار الأمر برمته لا يعنيه، فقال منهياً بقاءه هنا، وهو يلتقط الطاقم المعلق على مشجب بالقرب من الباب، يناولها إياه، وكذلك بطاقة الائتمان التي أعادتها إليه سابقاً:
-من فضلك أضيفي هذا إلى الحساب.
أومأت إليه بتهذيب، والتقطت ما بيده راحلة لتنفذ ما قال.
خرج “چاسم” وهو يحمل الحقائب، وقبل مغادرة المول، توجه إلى المرحاض العمومي؛ ليقوم بتشغيل الشريحة الجديدة بأحد الهاتفين الموجودين بالطرد.
نعم لقد طلب شراء هاتفين من المتجر أحدهما سيشغل عليه الشريحة الجديدة، والآخر لتلك الموجودة بجيبه، حتى إذا تم اختراق الهاتف أو الخط يبقى هناك وسيلة أخرى للتواصل مع “هانز” صديقه ومحاميه الشخصي.
وبعدها غادر يستقل سيارته، ومن ثم طلب رقم والده، على شريحة الهاتف القديمة، يستمع إلى رنين المكالمة، حتى أجاب والده على الطرف الآخر:
-“چاسم” كيف حالك بني؟
“چاسم”:
-لست بخير أبي، أحتاج إليك.
الأب بلهفة وارتياع:
-ما بك “چاسم”؟ أخبرني بني.
“چاسم” بتنهيدة ألم:
-لا تقلق أبي، هناك بعض المتاعب بالعمل.
الأب بعد أن هدأ قليلاً:
-وماذا فيها إذاً؟! لقد خلقنا لنجد ونسعى، أفعل ما بوسعك، والله لن يضييع تعبك.
“چاسم” برجاء:
-أدعُ لي أبي، فأنا بحاجة لدعاءك.
الأب بحنان:
-أدعو الله أن يرح قلبك بني.
” چاسم”:
-والدي إذا خيرت بين أمرين كلاهما صعب ومؤلم، ماذا عليا أن أفعل؟
الأب بحكمة:
-طالما كلاهما مفروض، اختر أيسرهما عليك وأقلهما ضرراً.
“چاسم”:
-أبي، إن خيروك بيني وبين أعز شخص لديك، فمن….
قاطعه الأب قبل أن يكمل:
-لا يوجد أعز منك بني.
“چاسم”:
-وأنا أيضاً لا يوجد لدي أعز منك ومن “سام” ابني.
الأب باستفسار:
-لِم كل هذه الأسئلة “چاسم”؟! هل حدث شيء لحفيدي؟! طمئن قلبي بني.
“چاسم” بمراوغة:
-ما بك أبي؟! لا تقلق، فقط أردت معرفة مقداري لديك، أدامك الله لي أبي.
الأب بدعاء خاشع:
-وحفظك الله لي بني، وأبعد عنك كل شر.
أمن “چاسم” على دعاء والده، ثم أنهى المكالمة.
أغلق “چاسم” زر الطاقة الخاص بالهاتف الحاوي لشريحته القديمة، حتى يقوم بالاتصال ب”هانز”.
لكنه عدل عن تلك الفكرة فحتى إذا أطفأ الهاتف تحسباً لتهكيره، ربما تكن السيارة أيضاً بها جهاز تصنت أو ما شابه خاصة أنه أحس بذبذبة في الإرسال أثناء مهاتفة والده.
فأعاد تشغيل الهاتف مرةً أخرى لحين تتطرأ له خاطرة يتمكن بها التواصل مع “هانز”.
انطلق بسيارته وبالطبع خلفه السيارة المراقبة، وقد أعطاه مؤشر الوقود إنذار بضرورة تزويد الطاقة؛ فانعطف عند أول محطة للوقود.
ترك السيارة لعامل المحطة، ودخل إلى الاستراحة الموجودة بها، يطلب فنجاناً من القهوة، وقد جاءته الفرصة لإجراء المكالمة، خاصة عندما رأى أن السيارة المراقبة قد توقفت على مسافة قريبة من المحطة.
وبالطبع سيأتي أحدهم خلفه، فقد وصله الغرض من المتابعة، ليس الهدف من إرسال تلك السيارة خلفه المراقبة والتتبع؛ خاصة أن طريقتهم مكشوفة.
الغرض الذي يريد “نك” إيصاله رسالة تهديد وتحذير، محتواها أنه تحت أعينهم، فلا مجال للتلاعب.
على الفور ضغط رقم “هانز” الذي سجله على الهاتف الآخر، وهو ينعطف ناحية المحطة، تاركًا ذلك الهاتف بشريحته المراقبة بتابلوه السيارة.
أخذ ينقر بأصابع يده على الطاولة التي أمامه بتوتر، وهو ينتظر إجابة الطرف الآخر، وما إن أجاب “هانز” قائلاً:
-أهلاً “چيه”، أين أ…..
قاطعه “چاسم”، قائلاً:
-“هانز” استمع إلي جيداً، ولا داع للقلق والمقاطعة، هناك صديق لي في محنة، يوجد من يريد الإيقاع به ليعلق مع الشرطة بأمر خطير، ويساومونني على مساعدتهم، مهددين بحياة ابني وزوجتي، هل هناك سبيل لمهادنتهم وإنقاذه دون أن يتأذى أحد؟!
“هانز”:
-لم لا تتصل بالشرطة؟! أو تطلع صديقك على الأمر؟!
“چاسم” بضيق:
-ابني لديهم، ولو كان هذا سيفيد كنت فعلتها وما كنت لأتصل بك، أسرع “هانز” فأنا مراقب، هل هناك حل؟
“هانز”:
- لا يوجد حل أمامك سوى تسجيل مكالمة أو مقابلة بينك وبين هؤلاء الأوغاد، وحتى في تلك الحالة لا يعتبر سند قوي في مشكلة صديقك، ولكن قد يعتبر ذلك طرف خيط أو قد تشك النيابة بصدق براءته وبالأول والآخر سيبقى هذا في مصلحة صديقك.
” چاسم”:
-حسناً، “هانز” سأفعلها، ولكن تكتم على الأمر، فلا أحد يعرف حتى “چيسيكا”
“هانز” بمساندة:
-لا تقلق لن أخبر أحداً، اعلمني إذا احتجت مساعدة.
شكره “چاسم”، وأغلق المكالمة وهو ينوي القيام بما أشار عليه صديقه، وقد اتصل ب”نك”، ودارت بينهما تلك المكالمة.
وها قد عاد إلى المنزل ومعه باقة الورود والفستان.
Back
“چيسيكا” وهي تداعب خصلاته بحنان، وهو يعتدل في جلسته أرضاً، يواليها ظهرها، مُرجعاً رأسه إلى الخلف، يغمض عينيه بإرهاق.
فمهما حدث بينهما، سيظل “نك” حبها الأول والأخير، قد يختلفا، قد يتعاتبا، ولكن يبقى كلاً منهما ملجأ وملاذ للآخر.
“چيسيكا” وقد رقت لحاله فهو لا يقم بهذا إلا وهناك أمر هام يشغله أو مشكلة ما يحتار بحلها، فسألته مستفسرة:
-ما الأمر “چاسم”؟
“چاسم”:
-“چيسيكا”، أنا…..
رواية سجناء الجزيرة للكاتبة أسماء حميدة، ممنوع النسخ