هذه الرواية حصري على موقع دريمسيز، ممنوع النسخ منعاً باتاً نظراً لحقوق الملكية الفكرية ومن يخالف ذلك سيخضع للمسائلة.
بعد أن عجز عقل “آدم” عن العمل، وقد قادته تلك الخبيثة إلى عالم سحرها وهوسها، وها قد تحكمت بروحه وجسده.
تسحبه معها إلى مضجع الشيطان، دافعةً إياه بخفة، ليهوي جسده على الأريكة خلفه، وقبل أن تعمل خلايا عقله رافضةً ما زينته شياطين الإنس التي تعد “كارلا” واحدةً منهم.
مالت إليه وهي تطبق شفتيها إلى خاصته، تقود بخبرة هذا اللقاء في حين أنه لا فكرة لديه ولا تجربة.
انتبه على حاله بآخر لحظة، ويديها تعبث بثيابهما بوقاحة، فانتفض يبعدها عنه بحسم، وهو يهب من مضجعه، فتراجعت تتدعي الخجل من حالها.
خالت ألاعيبها عليه مرة أخرى، وهي تقول بندم لا تعرف عنه شيئاً سوى حروف الكلمة:
-أنا لا أعرف ما يحدث عندما آراك “آدم”؟! حبي إليك يقودني إلى الجنون؟! اعلم ماذا تقول عني الآن، ولكن ما الضرر في أن نكون معاً؟!
جلس على المقعد يحاول تنظيم أنفاسه المسلوبة، جموحها وحبه لها كادوا أن يوقعوه بإثم كبير لا قبل له بحمل عقوبته ،فالزنا كبيرة من الكبائر التي حظر من الوقوع بشركه الدين الإسلامي وكذلك كل الأديان الآخرى.
أخذ يستغفر الله بسره.
ولكن جزء به أحب إحساسه معها، فقال يختبر حبها الذي صرحت به منذ قليل:
-أتحبيني كما أحبك “كارلا”؟
تصريحه بالحب أولى خطواتها لكسب الرهان، رهان على أنوثتها التي هانها برفضه، ورهان مع رفاق السوء الذين استخدموها طعم للإيقاع بمن يدع من وجهة نظرهم الإستقامة، متغنياً بالأخلاق، رافعاً شعارات المثل العليا.
هي تعلم برغبتهم في تشويه تلك الصورة حقداً وغلاً منه، ولكنها أكثر من مرحبة، ومن بين تلك الرفقة صديقه الذي أرشدها إليه “حازم”.
أجابته بلهفةٍ مصطنعة:
-أجل “آدم” بل أعشقك، صدقني عندما قلتها لي الآن ما عدت أرغب بشيء آخر بهذه الحياة.
كلماتها المعسولة أرضت رجولته، فقال بعرضٍ لا يقبل حل وسط،
إما أن تقبل ويكونا سوياً إلى الأبد، وإما أن ترفض وبذلك سيكونا وصلا معاً إلى مفترق طريقين، وكلاً منهما يمضي حيث أراد.
لكن أن يحبها دون رابط شرعي هذا أمر لن يقبله، فحتماً سيحدث بينهما ما كاد أن يقع به في غضب الله.
“آدم”:
-إذاً فلنتزوج.
عرض غير متوقع ولكن حسناً لها حل.
“كارلا” بتنهيدة وإحباط مصطنع:
-تلك أمنيتي أنا أيضاً “آدم”، ولكن هل تعتقد أن أبي سيوافق؟!
عرض أهوج غير مدروس، هذا ما قاله لنفسه، معها حق، فإذا كان تفوقه ونبوغه جعل والدها يُكن له محبة أستاذ لتلميذه النجيب، فهذا ليس سبباً ليزوجه ابنته.
“آدم” بإعتراف وإقرار:
-معاكِ حق لقد شرد خيالي بعيداً، ولكن اعلمي “كارلا” أنني أحبك، ولكنني لا أستطيع أن أكون معاكِ بهذا الشكل، نحن نختلف كثيراً عن بعضنا، وهناك قيود دينية تمنعني أن أقيم علاقة معكِ دون زواج، ومادام هذا مستحيل، فأرجوكِ لا تأتي إلى هنا مجدداً.
خيبة أصابتها فماذا ستقول أمام رفقائها أنه رفضها، سيقلل هذا من كبريائها أمامهم، وهي من أدعت أنها قادرة على إغواء القديس، بل وستجعله يدور بفُلكها بل وستقوده إليهم بمجالس السكر والفجور خاصتهم.
قالت بمهادنة:
-“آدم” لا أستطيع الإبتعاد عنك، أنت ذكي ومجتهد وهذا أكثر شيء شدني إليك، كما أن لك مستقبل واعد، وإذا كان أبي لن يقبل زواجنا الآن.
فحتماً سيوافق عندما ننهي هذا العام وتعمل معانا في المشفى، كما وعدك أبي، فلِم نعذب أنفسنا؟!
لنكن معاً بأي صورة تريد حتى إذا كان زواجنا مدني، فلقد تحريت وعرفت أن أهم شروطكم بالزواج الإعلان، فلنعلن أصدقائنا، لحين تسمح الظروف.
إصرارها على أن تكون معه لمس قلبه الهائم بها غافلاً عن مكيدتها، ولكن أمام إلحاحها قَبِل، وكانت نتيجة زواجه بها، أنها أنجبت له “غادة” التي تخلت عنها وعنه.
فعندما علمت بنبأ حملها أرادت أن تجهض الجنين، ولولا تحذيرات الأطباء لها لكانت فعلتها ودون أن يعلم، وهذا ما أخبره به صديقه “ماجد”؛ ليس حباً ولكن زيادة في قهره وإذلاله، بعد أن هجرته وظل يحاول الوصول إليها.
فبعد أن جعلت منه مزحة بين أقران السوء خاصتها، وانساق هو وراءها كالشاه، هجرته بعد زواجهما بست أشهر، وقد ملت اللعبة بتحكمات وقيود من كان يظن أن تلك الحياة ستدوم إلى الأبد.
وبعد ست أشهر من تهربها عادت ب”غادة” على يدها تعلن عن كونها ابنتها منه، ولكن لا قِبل لها بتحمل تلك المسئولية.
فتولى هو حملها، مكرساً حياته من أجل وحيدته بعد أن أجرى له ولها اختبار مطابقة الحمض النووي.
وقد بات أمر عودته إلى مصر، بلا معنى، بعد أن توفت والدته وهو هناك ولم يعلم إلا بعد أن وصله جواباً مختصراً من أخيه على الجامعة.
وكونه أصغر أشقاءه فلديه ثلاثة أخوة، وكل واحد منهم لديه بيت وزوجة ولا أحد هناك بحاجته، وبعد وفاة جامعة الشمل، لم يسأل أياً منهم عنه بالأساس.
حمد الله على قضاءه فحتى بعد أن جرفته مغريات الحياة، لم يبخل عليه خالقه بفرصة؛ ليعد إليه، تاركًا تلك الحياة التي قادته إليها.
Back
دعونا من بحر الذكريات الذي يحوي بباطنه العديد من القصص والعبر سنتطرقها إليها فيما بعد.
الفصل 29…….
العجز قاتل عديم الرحمة تتوغل براثنه داخل الجسد تقتلع الروح، مخلفاً وراءه هيئة تتحرك بلا إرادة.
الشعور بالعجز موت بحد ذاته، ولكنه ليس كأي موت، موت مؤلم يقتل كل شعور إنساني.
فحينما لا يستطع الإنسان التكيف مع الحياة التي يعيشها، ويشعر بأنه غير قادر على المضي قدماً أو الرجوع إلى نقطة البداية، فبذلك يكون في حالة يطلق عليها أطباء النفس مصطلح العجز النفسي.
هذا ما عليه “چاسم” الآن، فبعد أن غادرت مصدر قوته برفقة “هانز”، وهو بداخل صراعان:
- صراع بين قلب يريد الاطمئنان على كونها الآن بأمان، فمنذ ذلك اللقاء بينه وبين من جعله يدور حول نفسه بتيه أشبه بالثور المقيد بالساقية معصوب العينين، عندما رأها على شاشة هاتفه وأحد القناصة يصوب ضوء الليزر المنبعث من أداة الغدر تلك نحوها.
*وصراع مع عقل تشوشت مؤشراته، وبات معطل، فتلك الخطط التي نسجها منذ أن أُختُطِف ولده ولازال للآن بخطر استنفذت طاقته العقلية، وها هو ببداية الطريق وقد أنهكت قواه العقلية والبدنية.
يجلس الآن على حافة الفراش الموجود بتلك الغرفة، مغلقاً الضوء، وذلك بعد أن استمع إلى وقع خطوات ذلك المتلصص تبتعد عن الباب.
فحضور “نك” بشخصه، وتلك الإشارة التي وجهها إليه في المطعم، لا تعني سوى شيء واحد أنه نجح للآن في تضليلهم عن هدف من أهدافهم “چيسيكا”.
والآن عليه جدولة أولوياته ساعياً إليها بخطوات راجحة، فأي خطوة غير محسوبة ستؤدي إلى الإطاحة بواحدةٍ من تلك الأولويات.
حديث دار مع الذات التي تحاول بث القوة بداخله:
-على رسلك “چاسم”، كل ضائقة وبعدها فرج، وطالما وضعك الله بهذا الاختبار سيلهمك الحل، فقط عليك بالصبر وإعمال العقل.
انحنى بجسده للأمام يستند بمرفقيه إلى فخذيه، باسط كفيه يخبأ بهما وجهه، وبدأ بالجدولة.
فوجد أن كل تركيزه منصب عليها، كل أولوية تبدأ بها وتنتهي عندها، لذا لابد من إيجاد طريقة يمكنه بها التواصل مع “هانز”؛ ليطمئن عليها أولاً وبعدها يتفرغ لحل ذلك الحبل المطوق لعنقه عقدة عقدة.
انتصب من جلسته، وهو يتحرك بلا هدف.
فإذا حجب رؤيتهم لما يدور بالغرفة بتعتيم الضوء، فماذا لو كان هناك جهاز تصنت؟!
ضرب بقوة على جبهته، وهو يلعن غباءه فإذا كانت الرؤية محجوبة؛ لم لا يستخدم الهاتف ليتأكد ما إذا كان هناك جهاز أم لا؟!
أخرج الهاتف من جيب سترته، يعبث بشاشته فاتحاً قفل الشاشة، ولكن توقفت أصابعه مرةً أخرى، وهو يفكر بمن سيتصل حتى يتأكد؟
فرك جبينه يحاول التركيز بأرقام الهواتف المخزنة بذاكرته .
وأيضاً ما التقطته الذاكرة هو رقمها، وجد نفسه يحادثها، وكأنها معه:
-أف “چيسيكا” لا أستطيع الحراك هكذا، ابتعدي قليلاً.
انتبه على حاله وهو يتوجه بحذر ناحية الباب، يلصق أذنه به؛ ليتأكد أنه لا يوجد أحد بالخارج.
فقد قال ما قال بصوت مسموع، وعدم وجود أحد بالخارج لم يهدأ من روعه؛ فلازال لم يتأكد من أمر التتبع الصوتي وأي إشارة بتلاعبه بها خطر على الصغير.
نهر حاله بينه وبين نفسه ولكن تلك المرة دارت أحاديثه بين أفكاره دون صوت.
-سحقاً لك “چاسم”، مم تقلق؟! فما قولته الآن يحمل أكثر من معنى؟!
-حسناً انتهينا، حتى رقمها الآن لا جدوى منه فرقمها مراقب، وهاتفها بالسيارة يا فصيح.
-اعمل عقلك “چاسم” غير رقمها، ماذا يوجد بالذاكرة؟!
بالطبع لا يمكنني الاتصال على رقم أبي الآن حتى ولو لم استدعي قلقه، عندما لم أجب؛
لأنه بالأساس لا يعلم بأمر هذا الرقم،
فالوقت متأخر أيها العاق، ويمكن أن يكن قد خلد إلى النوم،
إذاً يمكن وضع رقمه كآخر حل.
-رقم “سام” بالتأكيد مراقب وسيظهر الرقم بقائمة المكالمات الواردة لديه.
كما ستظهر للهكر، وعدم ردي سيثير ريبتهم؛ فيتتبعون هذا الرقم أيضاً.
فيجب الحرص ربما أحتاج إلى هذا الرقم مرةً أخرى.
-آخر رقم حفظته قريباً رقم “هانز” وهذا الأمر قد يثير ريبتها إذا لم يجب بالبداية يكفي ما بها الآن، سيتأكد أولاً من أمر الجهاز وبعدها سيهاتفه.
-آسف أبي لا خيار أمامي.
ضغط إبهامه على الاتصال فظهر سجل المكالمات،
لعن مرة أخرى، ولكن ليس غباءه تلك المرة ولكن المادة الخام للغباء ويعني هنا عقله.
-علام تبحث يا أبله؟! ألا يكفيك تلك الازدواجية التي أصابتك؟!
لِمَ لم تفكر للحظة بخدمة العملاء؟!
ضغط الاتصال عليهم، وذلك الموظف يجيب، وهو يدور بكل أنحاء الغرفة سريعاًقبل أن يغلق الطرف الآخر الخط.
مقترباً من كل المنافذ وكل قطعة أثاث حتى مصادر الضوء وأسفل السرير.
بات متأكد الآن أنه لا يوجد جهاز، فلو وجد لاستمع إلى تردد ذبذباته أثناء الاتصال.
أغلق بوجه ذلك الموظف سريعاً، وهو يضغط رقم “هانز”.
أجاب “هانز” على الفور فالرقم مسجل لديه.
“چاسم”:
-“چيسيكا”.
“هانز” بغباء:
-ما بها “چيسيكا؟!
“چاسم”:
-ركزي معي حبيبتي.
“هانز”:
-حسناً فهمت، أترغب بالاطمئنان عليها؟!
“چاسم”:
-تباً لغباءك الذي أعشقه.
“هانز”:
-اطمئن هي بأمان، انتبه أنت لحالك، وإذا احتجتني ابعث رسالة، فأنا على أية حال تركتها مع “فاتي” وتحججت بالعودة إليك؛ لأتهرب من إلحاحها؛ لأخبرها ما في الأمر.
وقد عاهدتك على التكتم، وها أنا ذا أجلس بأحد المقاهي أنتظر اتصال منك بأي وقت، فقط انتبه جيداً حتى لا تثير شكوكهم.
“چاسم”:
-وما طلبت؟!
“هانز”:
-بحوزتي الآن لا تقلق.
أغلق “چاسم” الهاتف دون كلمة أخرى، يعيده إلى جيبه، وهو يتنفس براحة.
وزيادة في الحرص كان حديثه مع صديقه بالألغاز حتى إذا كان مسموع لهم، لن يفسر لهم شيئاً سيبدو وكأنه يحادث زوجته حديث عادياً،
تبقى أن يسجل لهذا الوغد فيديو بالصوت والصورة؛ ليستخدمه كوسيلة لإنقاذ رفيقه، وها قد جلب له “هانز” أحدث إصدارات هذا النوع من الكاميرات التي يصعب اختراقها أو كشفها بواسطة أي جهاز متعارف عليه حتى الآن.
ترى سيستطيع “جاسم” التغلب على من تمرس على يد الداهية؟!
العدالة تطبق بالإلمام بالرؤية الإنسانیة للمحيط الذي يعيش فیه کل فرد شرط أن ینظم هذه الرؤیة قانون وضعي یشارك فی صياغته الکل، وليس فرداً بعينه بعيداً عن التحکم.
وحتى يقوم الإنسان بتنصيب حاله قاضٍ، لابد وأن ينأى بنفسه عن الضغينة والتحيز والجور.
لذا توجب علينا نحن البشر عدم الانحياز في محاكمة أي إنسان لأي أمر.
وأن نتصف بشيء من الصفة التي خص الله سبحانه وتعالى وجهه الكريم بها، ألا وهي العدالة.
فالعدالة عكس الظلم والجور والتطرف، هدفها الأسمى الإنصاف والمساواة والتوازن وعدم التعدي وحماية المصالح الفردية والعامة.
العدالة مفهوم أخلاقي يقوم على الحق ، والعقلانية، والقانون.
إذاً فلابد وأن يكون القانون والإنصاف وجهان لعملة واحدة.
بعد أن غادرت ماضيه الذي بسببه ظل يركض طوال تلك السنوات خلف سرابٍ خوفاً من أن تلاحقه أشباحه، وكل علاقاته السابقة وكأنها محطات يجتازها حتى يصل به قطار العمر إلى نقطة البداية.
وتساءل أوليس من الثوابت أن الانطلاق مُضياً يبعدك عن نقطة الصفر؟!
إذاً لم وجد نفسه الآن يصل به الحال إلى ما كان عليه؟!
وكأن الزمن قد توقف عند آخر لقاءٍ بينهما منذ سنوات عدة، وكأن كل تلك المدة وقت غير محتسب من لعبة الحياة.
جلس على ذلك التخت في غرفة مبيته، يستند بظهره إلى الخلف، باسطاً ساقه اليمنى أمامه، يثني الاخرى مرتكزاً بساعده الأيسر إليها.
شاخصاً في شاشة الحاسوب المحمول الموضوعة أمامه على التخت، فبعد أن غادرت أرسل في طلب فني التقنية المسئول عن نظام المراقبة للوحدات الداخلية للسجن، ودار بينهما الحديث التالي.
Flash Back
“أريان” بعد أن استدعى ذلك المسئول عبر الهاتف الداخلي للسجن والذي ينقطع مداه حيث أبراج المراقبة الخارجية للأسوار، يبثه أوامره المباشرة قائلاً، وهو يشير إلى المقعد أمام المكتب، مدعياً الانشغال بالأوراق التي بيده:
-اجلس من فضلك.
ثم استطرد، قائلاً:
-هناك أوامر وردتني بضرورة وضع الوارد الجديد تحت الرقابة المشددة بل وتحت إشرافي الشخصي وعلى مسئوليتي.
تاركًا القلم من يده، يلقي الأوراق التي بيده على المكتب أمامه بإهمال، متأففاً بضيقٍ مصطنع، قائلاً بضجر أجاد استحضاره:
-وكأنه كان ينقصني المزيد من الأعباء.
الفني ناظراً إليه بانتباه، قائلاً بتفخيمٍ ومراءاة:
-كان الله في العون، ولكن سيادتك أهلٌ لها.
وتمهل قبل أن يحمحم مردفاً:
-كيف لي أن أساعدك بهذا الأمر سيادة القائد؟
أجلى “أريان” صوته قائلاً وهو يتكأ بمرفق يده اليمنى على المكتب، يمسد أسفل ذقنه يتصنع التفكير، ومن ثم أخفض راحته، يعقد أصابع كفيه معاً، قائلاً وكأنه توصل إلى سر القنبلة الذرية، ولكن الماثل أمامه ليس بهين:
-لقد توصلت لحل، بدلاً من تكلفت أحد من حارسات السجن بوضعها تحت المراقبة، يمكن أن نعدل من وضعية كاميرا الرواق الموجودة أمام العنبر مباشرةً لترتكز عدستها داخله، أعتقد أن هذا رأي صائب؟!
الفني وهو يستند بظهره إلى الكرسي خلفه، قائلاً بلؤم:
-أوامرك سيدي، وهل يوجد رأي بعد رأي سيادتك؟! أهنئك على قرارك المدروس، حقاً ذو عقلية قيادية، تحترم عقول الآخرين.
فبالطبع قد التقط الفني عبر شاشات المراقبة جميع ردود أفعال “أريان” منذ قدوم الوارد، حتى دخولهم إلى المكتب، ولكن مادار خلف الأبواب المغلقة لا علم له به، ولكن أطلق العنان لتخيلاته، فبالطبع مكتب القائد وغرفة مبيته خارج نطاق المراقبة.
لم يخفى على “أريان” إلمام ذلك الفني ببعض التفاصيل، فكما قال الآخر منذ قليل ذو عقلية قيادية، ولكنه لم يستطع منع حاله من التفكير بحلٍ يجعلها أمام ناظريه طوال الوقت دون أن ينال هذا الحل من وقاره وهيبته أمام من يرؤسهم.
فذلك أفضل من أن يقطع المسافة بين مكتبه إلى عنبرها ذهاباً وإياباً على فترات، الأمر الذي لم يعتاد فعله خاصة في السكنات الموجود بها عنابر النساء.
حيث كان يوكل مهمة التمام اليومي على السجينات إلى أحد الضباط تحت قيادته، ويكتفي بالمتابعة الأسبوعية والتفتيش الشهري.
“أريان” بوقار منهياً تلك الجلسة:
-حسناً تفضل إلى عملك، ولا تنسى ما قولت واحرص أن تنفذ الأوامر تلك في سرية تامة.
الفني:
-عُلم سيادة القائد.
ثم تحمحم قائلاً وهو ينتهز الفرصة باستغلال:
-أعتذر من سيادتك، ولكن كان هناك التماس قدمته الأسبوع الماضي بشأن الترقية المتأخرة، وكنت آمل أن تؤشر عليه سيادتك بالتوصية.
“أريان” جازاً على أنيابه حتى كادت أن تتهشم، قائلاً بغيظ برع في مواراته:
-سألقي عليه نظرة، اذهب؛ لتفعل ما أُمِرت به.
أدى الفني التحية العسكرية، يهم بالانصراف فاستوقفه “أريان”، قائلاً:
-انتظر.
التفت الفني إليه، معاوداً أدراجه ليمثل أمام مكتبه، قائلاً:
-أية أوامر أخرى سيادة القائد؟
“أريان”:
-ما رقم الالتماس الذي قدمته؟
الفني بعد أن تهللت أساريره، مجيباً على الفور:
-مائة اثنان وثمانون، سيادتك.
أطرق “أريان” رأسه ممسكاً بالقلم يدعي انشغاله بتدوين الرقم الذي لا يحتاج لتذكير فهو رقم سهل الحفظ، ولكنه أراد أن يبتعد بنظره عن ذلك الابتزازي، مُخفياً التوتر البادي على معالم وجهه، وهو يقول:
-حسناً دونت الرقم حتى أبت في التماسك، ولكن…. .
الفني بلهفةٍ واضحة:
-ولكن ماذا سيدي؟! فأنا في خدمتك، رهن الإشارة.
استكمل “أريان” قائلاً وهو يرفع رأسه ليواجهه، وقد كشف كلاً منهما أوراقه للآخر، فأحدهما له حاجة والآخر يقايض:
-ستتوقف تأشيرتي بالنفاذ على التماسك بكونك تنفذ أوامر القيادة على أكمل وجه.
الفني بخنوع:
-أمرك نافذ سيادة القائد وعلى خير ما تحب وبمنتهى الدقة والسرية.
“أريان” وهو يومئ برأسه في استحسان:
-ممتاز، وحتى تكون الأوامر دقيقة يجب أن تُفصل الكاميرا المذكورة عن باقي النظام الأمني وتتصل فقط بشاشة حاسوبي.
ابتسم الفني بخبث قائلاً:
-ذلك أمر يسير وسأدون السبب في التقرير الذي سيعرض على سيادتك أنه عطل فني.
“أريان” بلهفة حاول مداراتها:
-إذاً نفذ الآن حتى أستطع الاطلاع على الالتماس.
أدى الفني التحية العسكرية متوجهاً حيث غرفة التحكم؛ ليتمم هذا الاتفاق المبطن.
Back
الآن انتهت مواعيد العمل، وحتى قبل انتهاءها كانت الشاشة مدارة أمامه على سطح المكتب، ويبدو أنها تعلم ذلك.
فلقد انتهى الضابط الموكل بالمرور على العنابر من جولته، وحتماً لاحظت انتقال عدسة الكاميرا بعد أن كانت مرتكزة بشكلٍ عمودي والآن أصبحت موجهة ناحية العنبر، حتى وإن كان التحكم بالكاميرات يتم عن بعد.
فتصميم عنابر النساء كالتالي:
الطابق عبارة عن وحدات متجاورة بأبواب قضيبية يقابل تلك الأبواب فواصل حائطية، تفصل عنابر الجهة اليمنى عن نظيراتها وبين العنابر المتجاورة على صف واحد والجدار الفاصل رواق بعرض متر ونصف.
مثبت بسقفه كاميرات ترتكز بشكل عمودي على هذا الرواق تبعد كل واحدةٍ منها عن الأخرى مسافة مائة وعشرون سنتيمتر؛ وذلك لمنح السجينات بعض من الخصوصية، وفي نفس الوقت يكنَ تحت الملاحظة عند حدوث شيء مريب في مرمى الكاميرات بالممر.
وعندما انصرفت مع الضابط لاحظ عن طريق حاسوبه المتصل بالنظام الأمني وجود واحدة من تلك الكاميرات أمام العنبر الذي قام الضابط باصطحابها إليه؛ لتشغره.
وبحدوث ما اتفق عليه مع الفني بات الآن عنبرها مكشوف للكاميرا وبالطبع له، وهو خير من يعلم أنها لاحظت ذلك ومن غيره يدرك قوة ملاحظتها وذكائها فكما يقولون رباية يده.
وأكبر دليل على ذلك أنها تجلس الآن على السرير الملحق بالعنبر والمقابل لبابه، ترتكز بظهرها إلى الحائط خلفها تثني ساقيها مقربة إياهما إلى صدرها، تحاوطهما بذراعيها تميل برأسها إلى اليمين مسندة إياها إلى ركبتيها، ناظرة لأعلى تركز بصرها على العدسة، وهي على يقين تام أنه يراها الآن.
وجد نفسه تلقائياً يميل برأسه ناحية اليسار فباتا كالشخص وانعكاسه بالمرآة، وكأنها تتحكم وعن بعد بحركة جسده.
ابتسم فتلك هي جلستها المفضلة منذ عاهدها، هب معتدلاً رافعاً جذعه المائل إلى الخلف سريعاً يريح ساقه المثنية على الفراش بنفس وضعيتها، وهو يقترب إلى الشاشة مدققاً النظر بها، متسائلاً عمَّ يحدث هنا؟!
فقد…..
سجناء الجزيرة للكاتبة أسماء حميدة، ممنوع النسخ