هذه الرواية حصري على موقع دريمسيز، ممنوع النسخ منعاً باتاً نظراً لحقوق الملكية الفكرية ومن يخالف ذلك سيخضع للمسائلة
في أحد السجون المشيدة على جزيرة نائية، يضم مجموعة من أخطر المساجين حول العالم نظراً لصعوبة الهروب من أسواره العالية و أبراج المراقبة المثبتة بها أحدث كاميرات التتبع فائقة الدقة.
تعمل على رصد أي حركة داخل و خارج هذا الصرح بفضل مستشعرٍ آلي العمل يلتقط صوت وصورة، ذات قدرة على التصوير الليلي النهاري الملون، متصلة بأجهزة التواصل الداخلي لغرفة التحكم التي تعمل باللاسلكي، تراقب مداخل ومخارج مباني السجن والنوافذ الأمامية والخلفية وداخل الأسوار كمنظومة مراقبة أمنية متكاملة الرصد.
تنقل للمتابعين ما يحدث داخل السجن بعنابره ومنافذه ووحداته وكل نفسٍ يتلقفه المحتجزين داخله، قاطعة أي أمل لهم في الخلاص من برودة ما يعايشونه داخل تلك الأسوار العاتية.
حتى الحرس الداخلي خاضعين لهذا الحصار كي لا يستطيع أحد النزلاء من ترويض أياً من حراسه سواء بالمال أو بأي وسيلةٍ أخرى، وإذا افترضنا سيادة المادة في شراء بعض الذمم والأنفس البشرية، ونجح أحد السجناء بمعاونة النفس المملوكة في التحايل على تلك الإجراءات التتبعية المشددة، وتمكن في أبعد سيناريوهات خياله الطموح بالهرب.
فهناك مئة من أمهر القناصة المسلحين ببنادقٍ من الأسلحة الحديثة ذات العيار الثقيل، صممت لتلبية غرض إصابة الهدف على مسافة تصل إلى 2 كم، يتخصر كل واحدٍ من هؤلاء القناصة بحزامٍ ذا وحدات بداخل كل وحدة الذخيرة الملائمة لنوع البندقية القابض عليها بين راحتيه، حتى باتت كَيَدٍ ثالثة ملازمةً له تحسباً لأي طارئ، يقوم بحشو خازنة سلاحه يدويًا عند الحاجة.
وفي حالة نجاح أحدهم في تخطي تلك الأسوار، واختراق تلك المنظومة الأمنية المشددة ومغافلة الحُرَّاس، وهذا أمر يستحيل حدوثه مهما بلغت قوة وذكاء أحدهم هذا.
فكيف له الصمود أمام أمواج المحيط العاتية بمياهه الباردة وقروشه المفترسة؟!
وإذا نظرنا إلى مرسى الجزيرة سنجد مجموعة من الزوارق ذات مكينات الدفع الهوائي فائقة السرعة المسلحة سواء بالمدفعية أو الصواريخ أو الطرابيد، والتي يستخدمها خفر السواحل والشرطة البحرية لمراقبة المياه الإقليمية.
عودة إلى داخل تلك الجدران التي تأوي مئات من الخارجين عن القانون من جنسياتٍ وأجناسٍ مختلفة، شاءت الأقدار أن يساقوا إلى هذا الصرح النائي، وقد قام العديد منهم بارتكب أخطاء بل كوارث يندى لها الجبين، وترتاع من هولها الأوصال ضاربين بكل معاني الإنسانية عرض الحائط.
فبينهم رجال المافيا الدولية الذين ينحدر نسلهم من عصابات المافيا الأصليين الذين هاجروا صقلية بإيطاليا في أوائل القرن العشرين.
و كان من أشهر هؤلاء الصقليون “جوزيف بونانو” أو كما يعرف ب”چو باناناز”الذي حل؛ ليسيطر على فرع المافيا الجديد بأمريكا.
و أصبح الأمريكيون الذين ينحدرون من أصل إيطالي، هم المسئولون عن كل الجرائم المنظمة بأمريكا.
إلى أن انشقت المافيا لستة و عشرين أسرة، تمثل أخطر عصابات السلب والنهب وغسيل الأموال وتجارة الأعضاء والكثير من إراقة الدماء فقط؛ لكسب الأموال وتوطيد جذورهم بالأراضي الأمريكية.
وغيرهم من نزلاء هذا السجن الذين سولت لهم أنفسهم القيام بجرائم فردية أو جماعية تناولتها وسائل الإعلام و السوشيال ميديا بصورة حولت مرتكبيها إلى جناة عتيدي الإجرام، فأصبحوا من قاطني تلك الأسوار.
و بالتعمق داخل وحدات هذا السجن، نجد ضمن عنابره عنبراً يضم أحد سُلالات هؤلاء النازحون، تتشكل ملامحه لتجسد تمثالاً نحت من لحمٍ ودمٍ في هيئة إنسان، تصرخ كل خلية به رافضةً إنتسابه لبني البشر إنه “ريكاردو ماتيو باناناز” المعروف ب”ريكا بان” ولنقل “ريكا” ، فبرغم سنوات عمره التي لم تتعدَ الخامسة و الثلاثون إلا أن إسمه منحوتٌ بحروفٍ من نار في قائمة زعماء المافيا الدوليين.
وعلى من وضعه القدر هدفاً لهذا ال”ريكا” أن يبدأ ذويه بتحضير مراسم دفنه.
“ريكا” من أخطر وأقوى رجال المافيا و الذي إمتدت نشاطاته؛ لتصل سيادته على أكثر من خمسين ولايةٍ ودولة، كما أن هناك جزر تقع تحت سيادته الكاملة، فأصبح المسيطر على سوق تجارة المخدرات حول العالم، وله بعض التعاملات مع فروع المافيا الأخرى، والتي تفرض هيمنتها على سوق غسيل الأموال.
حيث يعمل القائمون في تلك الأنشطة المشبوهة على إرغام بعض رجال الأعمال الكبار بينهم الشرفاء وبينهم من لا يُعْرَف مصدر أمواله، وقد لمعت أسمائهم بين ليلةٍ وضحاها على المنصات التجارية، وارتفعت أسهم شركاتهم بالبورصة على دفع الإتاوات لرجال تلك العصابات؛ لتصب في مصلحة زعيمهم مقابل حماية تجارتهم وأموالهم، ويصل تهديداتهم في بعض الأحيان إلى أن تَطُول أيديهم الأنفس والأرواح للمعارضين لهم وذويهم.
بل وإجبارهم أيضاً على القبول بدمج شركاتهم مع بعض الشركات والمرافق التي يحتاج أصحابها لستارٍ يخبئون خلفه ممارستهم لأنشطة أخرى غير مشروعة.
يجلس الزعيم “ريكا” كما يلقبونه على أحد المقاعد الخشبية الملحقة بعنبر إحتجازه، يضع ساقاً على أحد متكأيِّ اليد لهذا المقعد، والساق الأخرى تلامس الأرض، يهزها بمللٍ من كثرة الأعذار التي يلقيها الحارس على مسامعه، يحك شحمة أذنه بفتور، وما إن انتهى الحارس من ثرثرته من وجهة نظر الآخر، قام “ريكا” من مجلسه يقترب من الحارس بخطوات رزينة ينبعث منها الثقة والكبر.
قائلاً لذلك الذي يتصبب عرقًا وترتجف أطرافه، ومن ذا الذي لا تدب الرهبة قلبه وهو في حضرة الزعيم “ريكا”:
- انظر يا هذا، سأعتبر أنني لم أسمع حرفاً مما قلت، فلا شأن لي بقائدك، أنت تجني أموالاً طائلة من وراء خدماتك لي، فلا تزعجني بأمورك مع رئيسك، ما قلته ينفذ، كيف؟ فالطريقة تعود إليك.
الحارس وهو داخله يمقط ذلك اليوم الذي جعل منه خانعاً لرجلٍ بخطورة “ريكا” وأصبح من أتباعه، لاعناً حبه للمال، فعشقه للمال أفضى به للتحالف مع الشيطان لأجله، قائلًا برضوخ:
- أوامرك يا زعيم، ولكن أمهلني بعض الوقت، أنا أعاني الأَمَرَّين حتى ألهي مراقب الكاميرات؛ لكي أستطيع الدخول إليك، أو كي أتمكن من إرسال رسالة مبطنة لرفيقي على الطرف الآخر عبر جهاز اللاسلكي، فكما تعلم لا شبكات إتصال هنا على الجزيرة.
ابتسم “ريكا” بزاوية فمه ساخراً:
- وهذا أيضاً لا يعنيني، الليلة، أسمعت ما أقول يا هذا؟! الليلة ودون حججك تلك.
الحارس بخوفٍ مضاعف بعد رؤية الغضب الذي بدأت معالمه تضح جلية على وجه هذا المتجبر، وهو يهز رأسه سريعًا بالموافقة:
-حسناً يا زعيم الليلة.
خرج الحارس وهو يسب ويلعن تحكمات هذا العتي “ريكا” ، فكيف سيخبر زميله بأن الزعيم “ريكا” يريد استعجال رجاله في الخارج بسرعة إرسال ذلك المدعو”سام چاكوب” إليه في هذا السجن المشدد النائي بأي طريقة وبأي ثمن؟!
حتى لو اضطروا للتعاون مع بعض زعماء المافيا الآخرين أو المُعادِين له وفقاً لأي شروط، فقط يريده هنا في هذا المنفى الذي لا يطأهُ سوى من كان بخطورة “ريكا”.
فقد بلغ دهائه إلى أن هناك أكثر من خمسة حكومات ومنظمات دولية تسعى ورائه، ولم يستطع أياً من رجالها الإيقاع به، برغم علمهم بأماكن تواجده ولديهم صوره، ويعرفون كل شيء عن تجاوزاته وتجارته المشبوهة، لم يتمكنوا من إثبات أياً من تلك الإتهامات إليه، فهو فائق الذكاء شديد الحِيطة والحظر.
بل وصل به الدهاء والمكر إلى أن من كان يحاول من رجال الشرطة المحلية أو المباحث الفيدرالية إنساب أيًا من تلك الجرائم القائم عليها بالفعل إليه، تُهْدم تلك الإدعاءات من أساسها بأول جلسة قضائية، فهو على دراية كاملة بالقانون، لا يضاهِ خبرته به أكثر رموز القضاء والمحاماة حِنكة.
فهو يقوم بإتخاذ كل إحتياطاته، حتى إذا حاولت أياً من تلك القيادات إلقاء القبض عليه أثناء تسلم أو تسليم تلك البضاعة التي يُرَوِّجها، يكن حريصاً كل الحرص، فيضع خطة محكمة للهرب وأخرى تبطل القضية بسبب خطأ في إجراءات الضبط أو التلبس إن فشلت خطته بالفرار.