رواية سجناء الجزيرة للكاتبة أسماء حميدة الفصل التاسع حصري على موقع دريمسيز

Prewedding

*في سجن الجزيرة.

داعبت جفونه أشعة الشمس المتسللة من بين فتحات القضبان الحديدية لتلك النافذة، فبدأ يفرج عن أهدابه، وهو يشعر بثقلٍ جاثم أعلى كتفه، ولكن عجباً هذه المرة لم ينتابه الشك، ولم يخالجه إحساس بالغدر، هو على يقين أنها ملاكه الحارس تلك الحسناء، سمراءه.

لاحت على ثغره إبتسامة عذبة، وصوتها الملتاع يتردد في أذنه قبل أن يغشى عليه، وهي تناديه باسمه، ترجوه أن يفتح عيناه، أن يتطلع إليها، كم أحب لقبه منها، عبارتها تلك أصبحت كلحن أنشودة يعيد رتمها، وكل مرة تتردد بذهنه تطرب لها حواسه، ويدق لها خافقه.

صوتها يلامس روحه، وكلماتها تشعل نار لا يعرف مصدرها، ولا يريد إخمادها، فقط كلمات بسيطة هشمت ما تحجر بداخله، وأذابت جبال الجليد.

تململت تلك الغافية، وهي ترفع رأسها ببطئ، تحول تمسيد فقرات عنقها التي تيبست جراء تلك النومة الغير مريحة على الإطلاق، فقد قضت تلك الليلة، وهي تعتني به، تنظف جرحه وتعيد تقطيبه وتطهيره، وتعلق محلول مغذي؛ ليساعده على استعادة عافيته، كلها أمور ليست من اختصاصها، ولكنها دأبت على فعلها غير سامحة لإحدى الممرضات بتولي هذا الدور الذي هو من صميم عمل فريق التمريض.

فكلما تجسدت تلك الحادثة أمامها، يتبادر إلى ذهنها حقيقة واحدة أن هذا الذي حاول قتله، لا يعمل بشكل فردي هناك من يدعمه.

فمن ذا الذي يقدم على ارتكاب جريمة قتل داخل هذا الصرح، وفي ظل نظام المراقبة الخاضع له كل ركن من أركانه، دون دعم قوي من الداخل وهذا الداعم حتماً “أريان”.

فقد تبعه الموكل بقتله وانتظر حتى آتته الفرصة للهجوم، وسدد له تلك الضربة، ودار بينهما صراع، وعلى ما تظن استجواب كل هذا حدث ولم ينتبه أحد من الحراس أو مراقبي الكاميرات.

لذلك خشت لو أنها استدعت إحدى الممرضات لمباشرة عملها معه كحالة مثل البقية، أن تكون هي الأخرى مُشْتراه أو موكلة بإيذائه، ففضلت أن تقوم هي بتلك المهمة.

وما إن أحس هو بحركتها، أغمض عينيه بإدعاء، فمدت يدها تربت على وجنته بخفة:

-“ريكا”.

استصاغ ذكر اسمه من بين شفتيها الشهيتين، فلم يجب، يريدها أن تعيده على مسامعه مرةً أخرى.

وكأنها تقرأ أفكاره، وتتجاوب معها، فأعادت بلهفة أكبر من ذي قبل:

-“ريكا”، أفق.

مهلاً، أين لهفة أمس؟! أريد أن أستمع إلى اسمي ولقبي ورجاءك بمقطع واحد، هذا ما دار بذهنه، ويناشدها قوله وفعله.

آلمها استسلامه وثباته هذا، وتساءلت أليس من المفترض أن يكن قد تعافى الآن، فآخر فحص لمؤشراته الحيوية تدل على استجابت جسده للعلاج، وامتثاله للشفاء.

قبضة اعتصرت قلبها عندما طفق إلى ذهنها خاطرة، صدعت روحها لمجرد مرورها بعقلها، وهي أن يكن هناك من تسلل إلى الغرفة، وقام بشيء من شأنه إلحاق الضرر به أو ربما الأسوء أن يكن قام أحد بمحاولة إتمام ما فشل به هذا السجين أثناء غفوتها.

إلى هنا ولم يعد عقلها يعمل، فأخذت تهزه بقوة، وبدأت عيناها تلمع بالدموع، وهي تناشده بتضرع، وقد مادت الأرض أسفل قدميها، فخرت راكعة على ركبتيها إلى جوار السرير، تحتضن كفه بين راحتيها، تلثمه ودموعها تفيض أنهاراً، قائلةً بنبرة مختنقة:

-“ريكا”، لا “ريكا”، بربك أفق، افتح عينيك يا زعيم.

ثم مالت على صدره، تستمع إلى نبضات قلبه، ولكن من شدة خوفها، لم تستشعر أي نبض، فاستكملت:

-“ريكا” قم وحدثني كما أحادثك، لا تتركني بعد أن…..

ولم تستكمل جملتها عندما أحست بأصابعه تتخلل خصلات شعرها، تجذب رأسها برفق، فارتفع بصرها إليه، وجدته يناظرها بأعين شغوفة، يملأها اللوعة والجوى، يحثها بصوت أجش أن تكمل جملتها، قائلاً:

-بعد ماذا؟! قوليها، قوليها سمرائي، أتوق لسماعها من بين شفتيكي، سأعيد ترتيب الكون لأجلك فتاتي، فقط قوليها يا قلب الزعيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top