ألقى الشاب التحية بتهذيب، وهو يمد يده إلى مديره بميدالية مفاتيح، قائلاً وهو يمسك واحد من بين مفاتيح الميدالية:
-هذا مفتاح الشقة، وقد أخبر العميل الأمن الخاص بالبناية بالسماح لك ولمن معك بمعاينتها، وفي حال ذهابكما في فترة تبديل نوبة الأمن، ستكون البوابة مغلقة لحين حضور الوردية الثانية، لذا ترك أيضاً مفتاح البوابة الرئيسية للبناية، وهو المفتاح الثاني بالميدالية.
صاحب المكتب:
-حسناً “توم”، استوقف لنا سيارة أجرة.
ثم وجه حديثه إلى “ساندي”، متسائلاً:
-أم معاكِ سيارة آنسة “ساندي”؟
نفت بحرج، قائلة:
-لا، ليس بعد.
أشار الرجل بيده لذلك الشاب بأن يفعل ما أمره به بشأن سيارة الأجرة، وهو يحادثها:
-هيا بنا، حتى إذا لم تحظى تلك الشقة بإعجابك يمكننا معاينة غيرها، فهناك شقة أخرى بنفس المنطقة يمكنك معاينتها على الطبيعة، والمفاضلة بين كلاهما من حيث السعر والمساحة.
تحرك الاثنان بعد أن استمعا إلى بوق السيارة التي استوقفها الشاب، يستقلانها إلى حيث توجد الشقة محل الحديث.
بعد فترة توقف سائق السيارة عند العنوان الذي أرشده إليه السمسار، فارتجلت وهي تنظر حولها إلى تلك المنطقة الموجودة بها الشقة وإلى واجهة ومدخل البناية بانبهار.
وأيقنت أن الليالي الحالكة وحظها العثر وَلَّا، وها قد أشرقت شمس حياتها، وستغدو من أصحاب الأملاك، وستسكن مع صفوة المجتمع، وستترك ذلك النزل الأشبه بمكب النفايات مقارنةً برصيف تلك المنطقة.
مدخل رخامي، حراس أمن، مصعد، كلها رفاهيات لم تصبو روحها إليها، وإن واتتها كخاطرة باتت كحلمٍ صعب المنال، ولكنها اليوم على مشارف تحقيق كافة أحلامها المستحيلة والتي كانت محرم عليها في السابق تخيلها.
خطت قدماها برفقة السمسار إلى حيث مكتب أمن البناية الذين قابلوهما ببشاشة، ورمقاها حارسي الأمن بنظرات إعجاب، إلا أن أحدهما بعد أن وقع نظره على حذاءها المتهالك قلل هذا من حماسة نظراته إليها.
فأيقنت أنها على الطريق الصحيح، لا أحد يحكم على الجوهر، الجميع تغرهم المظاهر، كما أنها لعنة حالها؛ كونها لما تنتبه إلى ذلك الحذاء الذي انتعلته، كان يجب عليها شراء غيره، قبل أن تأتي إلى هنا.
أخذت قرار لا رجعة فيه حتى وإن أعجبتها الشقة، وحتماً ستعجبها فالجواب يتضح من عنوانه، فإذا كان ذلك حال المدخل، فكيف ستكون الشقة إذاً!!
وكان قرارها أنها لن تسكن تلك البناية بعد نظرة الحارس تلك، ستصنع لحالها كياناً مختلف لن تبقَ “ساندي” فتاة الحانة الفقيرة، لن تتذكر تلك الأيام.
ولن تدع أحداً يذكرها بذلك، ونظرة هذا الحارس لن تستطع تبديلها، فببساطة الانطباع الأول يدوم، وكلما رأته ستتذكر هذا اليوم.
وتلك النظرة آخر شيئاً تريد إلقاءه ببئر الماضي التي ستردمه وتطمس معالمه.
استدعى حارس الأمن المصعد، ودخلت وبصحبتها السمسار بعد أن ضغط حارس الأمن على رقم الطابق الموجود به الشقة.
بعد توقف المصعد، خطت قدماها الممر الواسع المؤدي للشقق الخاصة بهذا الدور، وتلك النقوش على جدران الممر والتابلوهات سلبت لبها، كل ما بها انبهار يقودها إلى التأمل والشرود.
وداخلها يتساءل:
-هل قاطني تلك العمائر بشر مثلها؟!
وجزء داخلها يحقد على تلك الفئة:
-ما كل تلك الأبهة والعز!! أمثالي الموت راحة لهم مما هم به.
بقت على تلك الحالة تحدث نفسها إلى أن توقف السمسار أمام أحد الأبواب الذي يشبه أبواب القصور، يضع المفتاح بالباب، وهي تقف شاخصة، حتى انتبهت إليه عند