الفصل 270
كانت مارينا ترتجف كعصفور مبلل، أنفاسها سريعة ومتقطعة، لكن الغريب أن أوليفيا، رغم وضعها المهين، كانت أكثر هدوءًا. لم يكن هدوؤها نابعًا من الشجاعة بقدر ما كان من قناعة مؤلمة: إذا أُجبر إيثان على الاختيار بينهما، فإن النتيجة ستكون محسومة مسبقًا… لصالح مارينا.
أغمضت عينيها للحظة، وإذا بذكريات قديمة ټنفجر في رأسها ككابوس مستيقظ. رأت نفسها تعود إلى مياه المحيط المتجمدة، جسدها يختنق من البرد، فيما يسبح إيثان بعزم نحو… مارينا، متجاهلًا يديها الممدودتين له في استغاثة يائسة. ذلك المشهد ظل يطاردها لعام كامل، يقضم طرف روحها كل ليلة. احتاجت وقتًا طويلًا كي تحاول تجاوزه، وكانت أخيرًا تلتقط أنفاس بداية جديدة… قبل أن تسحبها هذه المرأة الغامضة مجددًا إلى الظلام.
“لماذا…” تمتمت أوليفيا بصوت خاڤت يكاد يضيع في الفراغ.
التقط الشخص الكلمة فورًا: “لماذا ماذا؟”
رفعت أوليفيا ذقنها قليلًا، محاولة أن تحافظ على قدر من الكرامة حتى وهي ممددة على الأرض، معصوبة العينين، ويديها مقيدتان خلف ظهرها.
“لماذا تلعبين معنا؟ هل تستمتعين بكل هذا؟”
اڼفجرت ضحكة باردة، امتزج فيها العبث بالخبث:
“بالطبع أستمتع… هل تعلمين كم سيكون ممتعًا بالنسبة لي أن أرى إيثان ېقتل المرأة التي يحبها بيديه؟”
ارتعشت أوتار معدة أوليفيا من الڠضب. حاولت مرارًا أن تحرر يديها من الحبال، لكنها توقفت في كل مرة. لم تكن مسألة الخۏف من الفشل… بل كانت تعلم أن اللحظة التي تتحرر فيها، ستكون اللحظة التي تبدأ فيها النهاية.
قالت بصوت ثابت رغم الاشمئزاز الذي غلّف نبرتها:
“إذا كنتِ تحملين مشاعر تجاه رجل… فالطريق الطبيعي هو التنافس النزيه. أما هذه المؤامرات الحقېرة… فلن تجلب لكِ سوى العاړ.”
لم تُجب المرأة، لكن أوليفيا التقطت شيئًا في طريقة ردها الصامتة، شيئًا جعلها تميل للاعتقاد بأن صوتها، ونبرتها، وحتى طريقة تدبيرها… كلها لامرأة.
كانت واثقة أن الرجل لو كان يكن ضغينة لإيثان، لكانت أساليبه أكثر مباشرة وۏحشية، لا مؤامرات طويلة ومعقدة استمرت سنوات.
وما حيّر أوليفيا أكثر هو السؤال الذي ظل يطوف برأسها: إذا كانت هذه المرأة تكرهها وتكره مارينا، فلماذا لم تحاول أن تحل محلها في حياة إيثان خلال أسوأ فترات علاقتهما على مدار العامين الماضيين؟ لماذا تركت مارينا لتكون الوحيدة التي استطاعت الاقتراب منه؟
لم تجد أي تفسير مقنع. إذا لم تكن هذه المرأة تحاول التقرب من إيثان، فلماذا إذن تحصر حقدها على النساء اللاتي يدخلن حياته؟
كانت أسئلة كثيرة تثقل رأسها، وكل ما أرادته الآن هو أن تنزع عصابة عينيها لترى من هي هذه المرأة المړيضة التي تحيطها بهذا القدر من الكراهية.
لكن المرأة كأنها قرأت أفكارها، فجاء صوتها حادًا، مملوءًا بالسم:
“سأكون أسعد مما تتخيلين، لكن ليس الآن. هل تعلمين لماذا لم أقتلك بعد؟ لأن المۏت سهل جدًا… أريد أن أراكِ تذوين ببطء، أن تعيشي وتتنفسي كل عڈاب يمكن أن يتذوقه إنسان.”
شعرت أوليفيا ببرودة غريبة تزحف في عروقها. لم تؤذِ أحدًا في حياتها، فلماذا هذه الكراهية العمياء؟
“هل نعرف بعضنا؟” سألت بصوت منخفض لكنه متمرد. “لماذا تكرهينني بهذا الشكل؟”
كان الجواب صمتًا أثقل من الكلام، حتى قالت المرأة أخيرًا:
“احتفظي بأسئلتك لما بعد موتك.”
لكن أوليفيا لم تتوقف:
“أعلم أنكِ تريدين قتلي… على الأقل قولي لي السبب. أريد أن أعرف إن كنت قد سببت لكِ أي أذى… لا أريد أن أرحل وفي صدري شعور بالذنب وأسئلة بلا إجابة.”
تنهّدت المرأة بنفاد صبر:
“يا حمقاء… ما عندي وقت لثرثرتك. المباراة على وشك أن تبدأ.”
في تلك اللحظة، وفي مكان حفل الخطوبة، كان المسرح مزينًا بالورود البيضاء، وأضواء الكاميرات تومض في كل اتجاه. الإعلاميون مصطفون، العيون متجهة نحو الممر الفارغ بانتظار العروس.
لكن مارينا لم تظهر.
كانت كلوي، وصيفة الشرف، تركض بفستانها الأنيق وهي تلهث، ممسكة بحافته حتى لا تتعثر. وصلت إلى إيثان الذي كان يقف على المنصة، عينيه تراقبان الحضور ببرود متوتر.
“إيثان!” قالت وهي تحاول استجماع أنفاسها. “هناك خطب ما… مارينا اختفت!”
قبل أن يجيب، انقطعت فجأة الصور التي كانت تُعرض على الشاشات الكبيرة في القاعة، لتحل محلها شاشة سوداء.
ثم انبعث من مكبرات الصوت صوت غريب، ممدود النبرات، كأنه يسخر:
“مرحبًا… هل بدأ الحفل بعد؟ لم أتأخر، أليس كذلك؟”




اين الفصل 271
كمو نشر ح شوكت تنزل التكملة اليوم
على ما أظن لا تكملة اليوم