رواية سيد أحمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 302

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 302 

كان إيثان يمد يده لفتح باب غرفة المستشفى، لكنه تجمّد في مكانه حين سمع صوت كلوي المرتعش. التفت إليها فورًا وقال بحدة:
“سيدة باركر… ماذا قلتِ للتو؟”

كانت الدموع تملأ عينيها، ويداها ترتجفان وهي ترفع أمامه ساعة صغيرة على شكل دبدوب. احتضنتها كأنها شيء أثمن من حياتها وهمست بصوت متهدّج:
“لقد أعطيتُ هذه الساعة لليف في الليلة التي سبقت خطوبتكما. حين كانت صغيرة، وعدتها أن أشتري لها أحدث ساعة عندما أكبر، لكنني رحلت في نفس العام… لم أكن قادرة على الوفاء بوعدي. هذه الساعة كانت محاولة ضعيفة مني للتعويض. لقد كانت هدية مليئة بالندم.”

شدّت الساعة إلى صدرها بقوة وكأنها تخشى أن تُسلب منها وقالت وسط بكائها:
“لا بد أن ليف كانت هنا… لا أحد غيرها يمكن أن يترك هذه الساعة. لكنها لم تحتفظ بها، وكأنها لا تريد الساعة… ولا تريدني أيضًا. إنه خطئي، كل شيء بسببي.”

كان صوتها يتشقق من الألم، ودموعها تنساب على وجنتيها. لم يحتمل إيثان المزيد، فركض خارج الغرفة بخطوات متسارعة، كأن قلبه يسابق جسده.

كان المستشفى الضخم يعجّ بالمرضى والزوار والممرضات، لكن عينيه لم تلتقطا أي أثر للشخص الذي ظل يبحث عنه. صرخ باسمها بأعلى صوته:
“ليف! … ليف!”

تردّد صوته بين الممرات والجدران، لكنه لم يتلقَ أي إجابة. لم يلتفت أحد إليه، وكأن العالم كله قرر أن يصمّ أذنيه عن ندائه.

اقترب منه برنت بسرعة، يحمل بعض الأوراق في يده وقال:
“سيد ميلر، تحققنا من الأمر. الساعة لم تتركها السيدة ميلر بنفسها. بل إن أحد العاملين في النظافة هو من وضعها. لقد تلقى أجرًا من شخص مجهول لفعل ذلك.”

تصلّب جسد إيثان، وانكمش قلبه كحجر يُلقى في قاع بحر بارد. غامت رؤيته وهو يحدّق في الفراغ. حتى وهي تعلم أن والدتها تعاني من مرض خطير، لم تأتِ لزيارتها…

همس داخله بمرارة: إذا استطاعت أن تتخلّى عن والدتها، فهل سيكون من الصعب عليها أن تتخلّى عني أنا؟

شعر بدوار مفاجئ، وبدأ جسده يتمايل. أسرع برنت للإمساك بذراعه:
“سيدي، هل أنت بخير؟”

أغلق إيثان عينيه للحظة، وكبح مشاعره الجارفة قبل أن يجيب بصوت مبحوح:
“ليف… لم تعد ترغب بي.”

وبينما كان يتحدّث، بدأت السماء تمطر رذاذًا خفيفًا، وكأنها تشارك حزنه. دفع يد برنت بعيدًا وسار في الممر الخارجي بخطوات متثاقلة. تساقطت قطرات المطر على كتفيه، والريح داعبت وجهه ببرود زاد من وحدته.

بعد بضع خطوات، توقّف فجأة، استدار للخلف وعيناه تلمعان بعزم جديد:
“برنت… لدي تخمين.”

رفع برنت رأسه بدهشة: “ما هو؟”

أجاب بثقة:
“لقد أغلقتُ جميع المنافذ. لن تتمكن من السفر بالقطار أو الطائرة، سيكون ذلك انتحارًا. لكن البحر… نعم، البحر هو خيارها الوحيد. يمكن إخفاء شخص بسهولة على متن سفينة شحن.”

اتسعت عينا برنت بدهشة وقال بقلق:
“لكن ميناء ألدينفاين… إنه واحد من أضخم ثلاثة موانئ في العالم! مئات السفن ترسو هناك يوميًا، بعضها من دول بعيدة لتفريغ البضائع. التفتيش عليها جميعًا سيستغرق وقتًا طويلًا، بل وقد يكون مستحيلًا.”

لكن إيثان لم يتراجع، بل ضم قبضتيه بإصرار وقال بصوت لا يقبل الجدل:
“اطبع لي قائمة بكل سفن الشحن القادمة والمغادرة خلال الأيام السبعة القادمة. لا يهم إن كانت ستتوقف دقيقة أو ساعة، أريد كل التفاصيل. ابحثوا عنها في كل زاوية من الميناء!”

أجاب برنت بسرعة: “أجل، سيدي!”

رفع إيثان بصره إلى السماء الملبّدة بالغيوم، وفي قلبه نار لا تهدأ:
ليف، لن أدعكِ تختفين… لن أسمح لكِ بالرحيل أبدًا!

وفي مكان آخر من المدينة…

كانت أوليفيا تضع آخر حقيبة داخل السيارة، بينما كان كولين يساعدها بابتسامة هادئة. ناولها سنوبول الصغير وقال بخفة:
“هيا يا أوليفيا، لقد حان وقت المغادرة.”

نظرت حولها إلى شجرة الكرز التي لطالما أحبّتها، وغامت عيناها. تمتمت بصوت مبحوح:
“ألم يكن من المفترض أن نبقى يومين آخرين؟ لماذا نغادر قبل الموعد؟”

أجاب كولين بنبرة مطمئنة:
“من أجل راحة بالك. كلما ابتعدنا بسرعة، كلما شعرتِ بأمان أكثر. هل هناك شيء يشدّك للبقاء؟ هل لديكِ أمر لم تنهيه بعد؟”

أومأت برأسها نافية:
“لا، لقد ودّعت كل من أردت وداعه. لم يبقَ شيء يربطني هنا. هيا بنا.”

لكن في أعماقها كانت تعلم أن جزءًا منها ما زال عالقًا. كانت هذه المدينة مسرح حياتها لسنوات طويلة، كيف لها أن تغادرها بلا ألم؟

بينما كان كولين يضع بعض ألعاب سنوبول في المقعد الخلفي، وقفت أوليفيا على جانب الطريق تحدّق في اتجاه منزل قديم. كان منزل “فوردهام”، حيث تظل شجرة البرقوق الكبيرة واقفة شامخة.

سألها كولين بهدوء:
“هل ترغبين في توديعها قبل المغادرة؟”

أخفضت نظرها وقالت بحزم متردّد:
“لا… لا أريد أن أسبّب أي مشاكل إضافية.”

لكن قلبها كان يهمس وداعًا في صمت، وكأنها تحاول تخزين آخر صورة في ذاكرتها.

ركبت السيارة وجلست بجوار كولين، وعيناها تتابعان المشاهد من النافذة. الشوارع التي اعتادت السير فيها بدت غريبة فجأة، وكأنها تنظر إليها للمرة الأخيرة.

لاحظ كولين ارتباكها فقال بلطف:
“أوليفيا، انتظريني دقيقة. سأحضر لك شيئًا من مطعم يروودز… لا بد أنك ما زلتِ تذكرين وجبتك المفضلة هناك.”

رفعت رأسها بدهشة صغيرة، وابتسمت ابتسامة حزينة:
“ما زلتَ تتذكر؟”

أجاب بثقة وهو ينزل مسرعًا:
“لن أنسى أبدًا ما تحبينه.”

ركض عبر الزقاق الصغير، لكنه اصطدم فجأة بشخص آخر. تطايرت الأكياس من يديه، وسقطت مفاتيح سيارته على الأرض. تدحرجت الكرة الحمراء الصغيرة المعلّقة بها حتى توقفت عند قدم رجل يرتدي حذاءً جلديًا لامعًا…

جميع الفصول من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top