الفصل 259
حين فُتح باب الشقة، وقفت كلوي هناك.
كانت تلك المرأة، في زمنٍ مضى، أكثر شخصٍ تتوق إليه أوليفيا، رمزًا للحنان الذي افتقدته، وصوتًا للأمومة الذي لم تسمعه يومًا بما يكفي. لكن ذلك كان في الماضي. اليوم، حتى نظرة واحدة إليها كانت كفيلة بچرح قلب أوليفيا، جرحًا يعرف طريقه إلى الأعماق.
إيثان على وشك أن يُعلن خطوبته… ويا للمفارقة، فقد جلبت هذه المناسبة أمام أوليفيا كل الأشخاص الذين كانت تفضّل ألا تراهم أبدًا، دفعة واحدة، وكأن القدر تعمّد أن يضعهم في طريقها.
قالت كلوي بصوت بدا وكأنه يحمل استعجالًا مصطنعًا:
“ليف… امنحيني خمس دقائق فقط.”
لكن الرد جاء باردًا، حادًا كالنصل:
“لن تحصلي حتى على خمس ثوانٍ.”
كانت نبرة أوليفيا حاسمة، لكنها ما لبثت أن ترددت حين خرج أحد الجيران من شقته المجاورة. لم تكن ترغب في إثارة مشهد أو جذب الأنظار، فتنهدت، واستدارت قليلًا، ثم فتحت الباب على مضض، لتدع كلوي تدخل.
كانت هذه المرة الأولى التي تطأ فيها كلوي منزل أوليفيا منذ عودة الأخيرة من الريف.
في زمنٍ آخر، كانت أوليفيا ستستقبلها بابتسامة دافئة، وربما ستُعد لها كوبًا من الشاي، لكن ذلك الزمن مضى. الآن، اكتفت بتغيير حذائها بهدوء، ثم اتجهت إلى المطبخ، حيث سكبت كوب ماء وشربته بجرعات صغيرة، محاولةً تهدئة حلقها الجاف.
مدّت الكوب نحو ضيفتها بفتور:
“تفضلي.”
بينما كانت كلوي تتجول بنظراتها في أرجاء الشقة، كان من الواضح أن المكان ليس واسعًا.
بمجرد لمحة، يمكن للعين أن تلمّ بكل الزوايا. ابتسمت كلوي ابتسامة مزيج من الشفقة والاستنكار:
“ليف، سمعت من مارينا أنها اشترت لكِ منزل آل فوردهام. لماذا لم تعودي إليه؟ هذا المكان ضيق… كيف يمكنكِ العيش فيه؟”
وضعت أوليفيا الكوب جانبها، وهي تشعر أن الجملة كانت مُثقلة بالافتراضات الخاطئة. لم تعرف حتى من أين تبدأ في الرد.
كم هو سهل على من عاش حياة مدللة، محاطة بالقصور والسيارات الفاخرة، أن ينظر إلى شقة صغيرة وكأنها ملجأ مؤقت أو مأوى بائس. لكن أوليفيا كانت تعرف أن حجم المكان لا يُقاس بسعة الجدران، بل بسعة راحة النفس.
اقتربت كلوي، وأمسكت بيد أوليفيا فجأة:
“ليف، عائلة فوردهام ليست أعظم عائلة في البلاد، لكنكِ لم تُحرمي من شيء يومًا. لم أعلم أن العائلة ستفلس، ولو كنت أعلم، لأخذتك معي.”
سحبت أوليفيا يدها بسرعة، وكأن اللمسة ټحرقها. كانت تعلم أن كلوي لم تذق يومًا طعم الشدّة أو الحرمان، ولن تفهم مهما حاولت أن تشرح.
قالت أوليفيا بحدة:
“اختصري الحديث، لماذا أنتِ هنا؟ دعيني أخمن… الأمر يتعلق بمارينا، أليس كذلك؟”
مرّت ومضة من الارتباك على وجه كلوي، تلتها نظرة فخر صغيرة لم تحاول إخفاءها.
“أنا هنا لأعتذر عما حدث في المرة السابقة. أعلم أنني تجاوزت الحدود، لكن عليكِ أن تتفهمي وضعي. طوال سنوات زواجي من كريس، كان يعاملني بلطف، لكن مارينا لم تعتبرني يومًا أمها، وحتى السيد كارلتون الأب لم يُحبني. حياتي في تلك العائلة لم تكن سهلة.”
ثم أضافت بنبرة أقرب إلى الوعظ:
“أنتِ وإيثان مطلقان بالفعل. استمرار علاقتكما سيضر بسمعتك، وأنا أحاول حمايتك كما أحمي مارينا. أنتم جميعًا صغار، ستجدون أشخاصًا أفضل، والأفضل أن تُنهوا ما كان بينكم.”
ضحكت أوليفيا، لكنها كانت ضحكة غضبٍ لا سعادة.
“تسمين هذا حماية؟ لقد ضحيتِ بسمعة ابنتكِ من أجل ما تسمينه سعادتك، كل ذلك لتضمني مكانتك في تلك العائلة.”
ردت كلوي بلهجة من يظن أنه يعرف مصلحة الآخر أكثر منه:
“ليف، أنتِ صغيرة ولا تدركين بعد ما أواجهه. نعم، فقدتِ إيثان، لكنكِ لا تزالين جزءًا من عائلة كارلتون. لديهم نفوذ واسع، ويمكنهم مساعدتك في أي أمر مستقبلي.”
رفعت أوليفيا حاجبها:
“إذن، عليّ أن أشكركِ؟”
لم تلتقط كلوي نبرة السخرية في الصوت، وأكملت:
“إذا تحدثتِ مع كريس، ستكتشفين كم هو شخص طيب. إنه يتمنى بشدة أن يكون والدكِ.”
وضعت أوليفيا يدها على بطنها، محاولة كبح غليان مشاعرها. لكن كلوي استرسلت:
“غدًا هو حفل خطوبة مارينا وإيثان. أرجو أن تحضري بصفتك أختها، لتباركي لهما أمام الجميع. ستكون لفتة جميلة.”
في داخلها، شعرت أوليفيا وكأن طلب كلوي لم يكن سوى طعڼة مغلفة بالابتسامات، طعڼة أرادت أن تبدو كدعوة ودّية، لكنها في الحقيقة كانت اختبارًا لمدى قدرتها على الوقوف أمام الرجل الذي كسر قلبها، والمرأة التي حلّت مكانها.