الفصل 261
في الأيام الأخيرة، كانت فكرة التواصل مع رايان تراود أوليفيا أكثر من مرة. فالقضية التي يعمل عليها ما زالت تحمل في طياتها الكثير من الغموض، وهي تعلم أن أي خطوة إضافية في التحقيق قد تقرّبها من الحقيقة. لكن الحذر كان يسيطر عليها؛ فالعقل المدبر الذي يتحكم بخيوط هذه اللعبة لن يغفل عن أي تحرك متهور منها. خشيت أن يثير تواصلها مع رايان شكوكه أو يدفعه لاتخاذ رد فعل عڼيف، لذلك آثرت الصمت والاكتفاء بالمراقبة من بعيد.
لكن ما لم يكن في الحسبان، أن رايان نفسه هو من بادر بالتواصل. رن هاتفها فجأة، وبمجرد أن رأت اسمه على الشاشة، شعرت بانقباض في صدرها. ضغطت زر الإجابة ببطء، وكأنها تتهيأ لمعركة لفظية، ثم قالت بنبرة حذرة:
– “مرحبًا، رايان.”
جاء صوته من الجهة الأخرى متوترًا، خاليًا من أي تكلّف أو تزييف:
– “آنسة فوردهام، أين أنتِ الآن؟ أتذكرين عندما طلبتِ مني التحقيق في أمر جودي؟… لقد وجدت شيئًا!”
ارتفع معدل نبضات قلب أوليفيا وهي تسمع الحدة في صوته، لكنها تمسكت برباطة جأشها وسألته مباشرة:
– “ما الأمر؟”
– “هاتف جودي! وجدته، لكنه معطل. تذكرتُ أنك كنتِ مهتمة به، فقلت أتصل لأسألك إن كنتِ تريدينه.”
تجمّدت أفكار أوليفيا لثوانٍ وهي تحلل المعلومة. الأخبار السابقة كانت تؤكد أن منزل جودي مؤجَّر لشخص آخر، وأن جثتها وُجدت في المحيط منذ مدة. من أين إذن جاء هذا الهاتف؟ وإن كان معطلاً، فكيف يتأكد أي شخص أنه يخص جودي فعلًا؟
ذكاء أوليفيا لم يخذلها. أمسكت بالخيط الرئيسي على الفور، وكشفت التناقض في روايته بسرعة لم يكن رايان يتوقعها. شعر هو بدهشة صامتة، بينما هي قالت بصرامة متحفظة:
– “رايان… لا أعرف ما الذي ترمي إليه، لكن والدي هو من موّل دراستك. لولاه، ما كنت لتصل إلى ما أنت عليه اليوم. أنا لا أطلب منك رد جميل، لكن هل حقًا ستعض اليد التي امتدت إليك بالعطاء؟”
أصدر رايان صوت “تسك” ساخرًا وقال بلهجة باردة:
– “كما هو متوقع… فهمتِ كل شيء بالفعل.”
في تلك اللحظة، تذكرت أوليفيا كلمات جاك الأخيرة قبل سفره: “لا تتصرفي بتهور، انتظري حتى أعود.” واليوم، يوم خطوبة إيثان، يأتي هذا الاتصال المريب، وكأن الهدف من ورائه ليس إلا استفزازها ودفعها لاتخاذ قرار متهور.
تنفست بعمق وقالت:
– “رايان، لا أعرف لمن تعمل، لكن حاول أن تصغي لصوت ضميرك. إن كان الأمر كله من أجل المال، فسأدفع لك ضعف ما يعرضه أي شخص آخر إن تعاونت معي.”
أجابها بصوت ثابت:
– “حسنًا إذًا… تعالي إلى مقهى سايلنت، وسنناقش الأمر وجهًا لوجه.”
– “أنا مشغولة اليوم، ولن أتمكن من الحضور. إذا كان لديك الحل حقًا، فلنلتقِ في وقت لاحق، ويمكنك طلب أي مبلغ تشاء كمكافأة.”
– “يبدو إذن أنك لن تأتي.”
– “آسفة.”
– “إذن… لا مجال للنقاش. آنسة فوردهام، لن تتمكني من الهرب.”
قبل أن تتمكن من الرد، انقطع الاتصال. أغمضت عينيها بإحكام، وهي تدرك أن الطرف الآخر لم يعد يلف ويدور، بل قرر المواجهة المباشرة. شعرت بأن الهواء من حولها صار أثقل، وأن دائرة الخطړ تقترب منها أكثر من أي وقت مضى.
سألت نفسها بامتعاض: “لماذا اليوم بالذات؟”
الإحساس القوي بأن حدثًا كبيرًا على وشك الحدوث لم يفارقها. لقد ابتعدت عن إيثان بالفعل، وتجنبت أي احتكاك به، ومع ذلك لم يتوقف خصمها عن محاصرتها. لحسن الحظ، كانت قد رتبت – قبل سفر جاك – أن يحمي شخصٌ موثوق جيف، ورغم أن أجره كان مرتفعًا، فإن ذلك منحها قدرًا من الطمأنينة.
لكن الطمأنينة كانت تخص جيف وحده، أما هي… فكانت في قلب العاصفة. لم تقع في فخ رايان، لكن حدسها أخبرها أن هناك فخًا آخر ينتظرها. والأدهى من ذلك، أنها كانت مضطرة اليوم لإجراء عملية جراحية، مما جعل الموقف أكثر تعقيدًا.
حدقت في باب الغرفة، وشعرت بأن كل ما يكمن خلفه يخبئ خطرًا داهمًا. قبل أن تدرك الأمر، كان العرق يتجمع في راحتي يديها. أخرجت هاتفها دون وعي، باحثة عن صوت يطمئنها. وللمفارقة، وجدت نفسها تتصل بإيثان… الشخص الذي قررت مؤخرًا قطع أي تواصل معه.
أدركت فورًا أنها ارتكبت خطأ، وحاولت إنهاء المكالمة على عجل، لكن قبل أن تضغط على زر الإنهاء، جاء صوته العميق والواضح:
– “مرحبًا.”
تجمدت، وشعرت بالصدمة؛ لم تتخيل أن يجيب بهذه السرعة، وخصوصًا في يوم خطوبته. بعد صمت طويل، قال بنبرة ضجر:
– “قولي شيئًا.”
أقول ماذا؟ هل أطلب منه إرسال رجاله لحمايتي؟ ترددت وهي تستعيد ما قالته له قبل أيام قليلة: أنهما لا ينبغي أن يتواصلا مجددًا. كانت تعرف أنه إن سمِع صوتها في هذا اليوم، فقد يظن أنها تبحث عن الاهتمام أو تريد إثارة الجدل.
استجمعت قواها، وأجبرت نفسها على الابتسام، ثم قالت بهدوء:
– “خطوبة سعيدة.”