رواية سيد أحمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 265

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 265 

كان الصوت الذي تحدّث به الرجل مُموّهًا عمدًا، منخفضًا كأنه يخرج من عمق بئر، بحيث يستحيل على المستمع تمييزه أو التعرف على صاحبه.
اقترب بخطوات بطيئة وثابتة، ثم رفع يده ليميل ذقن أوليفيا بأصابعه الخشنة. في تلك اللحظة، تسلّلت إلى أنفها رائحة أعشاب خفيفة، رائحة دافئة لكن غامضة، تحمل شيئًا من المرارة المختبئة تحت عبقها العشبي.

لم تكن أوليفيا قد درست سوى الطب الحديث، ولم تقترب يومًا من عالم الأعشاب الطبية سوى في حدود ما قرأته عرضًا في بعض الكتب، لذلك كانت معرفتها ضحلة في هذا المجال. حاولت في عقلها أن تحصر الاحتمالات، لكن عبثًا، فلم تستطع تحديد ما إذا كانت تلك الرائحة تعود لنبتة واحدة أو لمزيج من عدة أعشاب.

– “هل تخطط لقتلي؟” سألت أخيرًا، بصوت متماسك على الرغم من الاضطراب الذي ينهش صدرها.

أجابها ببرود كمن يناقش أمرًا تافهًا:
– “حياتك ليست بين يدي.”

تجمدت عيناها في حيرة، فهذه الإجابة لم تُطمئنها أبدًا، بل على العكس، فتحت أمامها أبواب قلق أكبر. إذا لم يكن يخطط لقټلها، فما الدافع إذن لإحضارها إلى مكان مجهول كهذا؟ ما الغاية الحقيقية؟

ارتفعت نبرتها قليلًا وهي تقول:
– “ماذا تقصد بذلك؟”

إدراكها أنها لن تُقتل فورًا لم يكن مدعاة ارتياح، بل بداية لسيل من الاحتمالات المظلمة. إن كانوا يخططون للإبقاء عليها حيّة، فلا بد أن للأمر علاقة بإيثان… وكل خيط في حياتها الماضية يعود إليه بطريقة أو بأخرى.

همست في داخلها بمرارة: لقد انفصلتُ عنه بالفعل… لم يعد لي به أي صلة، ولا أملك ما يمكن أن يقدمه لهم بعد الآن. فماذا يريدون مني إذن؟

شدّ الرجل أصابعه حول ذقنها بقوة أكبر، حتى شعرت بوخز الألم يمتد إلى فكها. على الرغم من ذلك، لم تمنحه لذة سماع تأوهها، بل تماسكت والتزمت الصمت.
ابتسم ابتسامة صغيرة خالية من الدفء:
– “أنتِ امرأة ذكية… أفهم الآن لماذا يعجب بك كثيرًا.”

أدرك بسرعة محاولتها لجعله يبوح بمزيد من المعلومات، لكنه لم يقع في الفخ، وابتلع ما في صدره من أسرار.

قالت بحذر:
– “في وضعي هذا، أعلم أنني لن أخرج من هنا حيّة. إذا كان حدسي صحيحًا، فهذا منزل مهجور قرب المحيط. إيثان لن يكون قادرًا على الوصول في الوقت المناسب لإنقاذي.”

أومأ بإيجاز:
– “هذا صحيح.”

تنهدت بصوت خاڤت، ثم رفعت رأسها متحدية:
– “لدي طلب واحد قبل أن أموت… أرغب في رؤية وجه الشخص الذي دمّر عائلتي.”

أطبقت أصابعه مجددًا على ذقنها، پعنف هذه المرة:
– “ليس من حقك طلب أي شيء مني.”

تراجع نصف خطوة، ثم أضاف بلهجة مبهمة:
– “لقد قلت لك… ربما لا تكونين أنتِ من سيموت اليوم.”

كانت على وشك الرد، لكن صوت اهتزاز هاتفه قطع المسافة بينهما. أخرج الجهاز ببطء، وضعه على أذنه، وتحدث بنبرة هادئة لا تحمل انفعالًا:
– “أنا أمزح فقط… هل أنت غاضب لأنني آذيتها؟”

ساد الصمت للحظات، حتى ظنت أوليفيا أنها تميّز صوت رجل آخر على الطرف الآخر، لكن قبل أن تدقق، عاد ممسكًا بذقنها، ثم ابتعد ليكمل مكالمته. في نبرته تلك اللامبالاة القاسېة التي جعلتها تدرك أن حياتها لا تعني شيئًا لأي منهما.

أغمضت عينيها خلف العصابة التي تحجب عنها الرؤية، وحاولت تهدئة نفسها رغم النبض السريع في أذنيها. لم تجرؤ على محاولة فك الحبال التي تكبّل يديها، لكنها أبقت أصابعها مشدودة على سکين القلم المخفي في كفها.

حتى لو لم أغادر هذا المكان على قدمي… لن أتركه دون أن أوجّه ضړبتي لهذا الشخص.
كانت هذه فرصتها الوحيدة لمواجهته وجهًا لوجه، وربما الاڼتقام لعائلتها، وإلا فإن العثور عليه لاحقًا سيكون شبه مستحيل.

لكن الألم في معدتها بدأ يتصاعد كأمواج حادة، جعل جسدها يتكوّر تلقائيًا، وغطى العرق جبينها. عضّت شفتها في محاولة للسيطرة على أنفاسها.

وفجأة، شعرت بشيء بارد يلامس شفتيها… بدا كأنه كوب.
– “أنتِ هنا أصلًا، فلماذا نُخدّركِ؟” جاءها صوت بارد مألوف.

همست بدهشة:
– “الدكتورة غالاوي؟”

لم تنكر المرأة الأمر، بل أمرتها بجفاف:
– “اشربيه الآن.”

أخذت أوليفيا رشفتين حذرتين. كان السائل دافئًا، بطعم البابونج المهدئ.

رفعت عينيها إلى حيث ظنت أن غالاوي تقف، وسألت فجأة:
– “دكتورة غالاوي، هل قتلتِ بيل؟”

قُطع السؤال بأمر حاسم:
– “توقفي عن الكلام.”

لكن أوليفيا لم تتراجع، وأكملت بصوت يختلط فيه الحزن بالڠضب:
– “لقد رأيت جثمان بيل… كانت نهايتها بشعة. هل كان لديكِ ضغينة تجاهها؟ هل كان عليها أن ټموت بهذه الطريقة حقًا؟ لقد سلبتَ حياتها… ألا يطاردك ذلك في الليل؟ ألا يجعلك عاجزًا عن النوم؟”

جميع الفصول من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top