رواية سيد أحمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 72

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 72

مدّ أحمد يده نحو جبينها بتردد، كأنه يحاول الإمساك بشيء مكسور، لكنها تفادته بخفة.
قالت ببرود حازم:
“سيد القيسي، رجاءً، لا تتجاوز حدودك.”

أخفض يده ببطء، مجيبًا بهدوءٍ يحمل شيئًا من الدفاع:
“كنت فقط أريد التأكد من أنك لم تعودي تعانين من الحمى.”

ابتسمت بسخرية مريرة، كأن كلماته أيقظت داخلها كل الألم المدفون:
“ألستَ مضحكًا؟ أنت من قيدني تحت الدش البارد! لست طفلًا في الثالثة، كنت تعلم ما تفعله، ومع ذلك تظاهرتَ الآن بالشفقة؟”

صمت لوهلة، ثم تمتم:
“لم أكن أعلم أنك ضعيفة إلى هذا الحد… لم أتوقع أن تتدهور حالتك بهذا الشكل.”

اتسعت ابتسامتها، لكنها لم تكن ابتسامة سعادة، بل ازدراء مغلّف بالحزن:
“وهل هذا يهمّ؟ ثم إننا مطلقان. فما الذي يدفعك للاستمرار في هذا التمثيل الرخيص؟ توهمني أنك لا تزال مغرمًا بي… هذا مقزز.”

لم تكن تعرف لماذا رُكان في غرفتها، لكن إحساسًا داخليًا أنذرها بأن وجوده غير آمن.
بهدوء، سحبت الطفل الصغير بعيدًا عنها برفق، كمن يخشى عليه من نفسها.

ثم ألقت الغطاء جانبًا، وسحبت الإبرة الوريدية من يدها دون تردد. سالت بضع قطرات من الدم على الجرح، لكنها لم ترف له عين، وكأن الألم لم يعد يؤثر فيها.

“أنتِ…”
قالها أحمد محاولًا منعها، لكن صوتها الحازم قطع عليه كل محاولة.

رغم ضعفها، نهضت من السرير ببطء. استقامت واقفة كمن اتخذ قرارًا لا رجعة فيه، ثم قالت بصوت ثابت:
“أنت من خذلني وطلب الطلاق، أحمد. إن كنت لا تزال غاضبًا من وفاة أختك، فسأعوّضك… بموتي.”

قبل أن يفهم نواياها، اندفعت نحو الشرفة. كانت في الطابق السابع. خطوة واحدة فقط، وقد تُسدل الستار على كل شيء.

صرخ مذعورًا:
“نوران، لا! اهدئي، أرجوك!”

ببيجامتها الخفيفة، حافية القدمين، وقفت على حافة الشرفة وسط ريحٍ ثلجيةٍ عاتية. كانت الستائر تتطاير خلفها، والثلج يتساقط على وجهها الشاحب ويذوب في صمت.
عيناها كانتا هادئتين بشكلٍ مخيف… كأنهما ودعتا الحياة منذ زمن.

أحمد…
هل تعلم؟ لقد أحببتك بصمتٍ لسنوات. وقعت في حبك منذ اللقاء الأول، حين أنقذتني من الغرق، يومها قلتُ في نفسي: “يا ليتني أكون زوجتك ذات يوم”.

حين بدأنا المواعدة، شعرتُ وكأنني أعيش في عالم آخر. كنتَ كل شيء لي، لكنني كنت قلقة. كل شيء كان يسير بسلاسة، وخشيت أن يكون ذلك الهدوء ما قبل العاصفة.

سمحتُ لنفسي أن أغرق في حبك، علّني أنسى خوفي. عشتُ أيامًا تمنيتُ لو تطول للأبد… لكن القدر لم يُمهلني.
في أقل من عامين، تحولت الجنة إلى جحيم. خُدعت، وخُذلت، وخسرت كل شيء دفعة واحدة.

في البداية، لم أصدق أنك خنتني. قلتُ لنفسي: هذا كابوس، وسينتهي. لكنه لم ينتهِ، بل ازداد فظاعة عندما رأيتك تتجه نحو مرام.

لقد تخلّيت عني، وعن طفلي. كافحت عامًا كاملًا لأستعيد نفسي، لكنني لم أعد كما كنت. لم أجد نفعًا في لومك، فحاولت احترام قرارك.

ظننتُ أننا سنعيش حياة منفصلة بهدوء. لكنك لم تتركني لحالي. هددتني، وتعرضتَ لكل من اهتم لأمري. لم أعد أفهم… أتحبني أم تكرهني حدّ الأذى؟

ما أعلمه الآن هو أنك لن تتوقف… ما دمتَ حيًا، هذا الجرح لن يُشفى. وهذا الخلاف… سيطاردني حتى الموت.

كنتُ يومًا امرأة مرحة، حرة. لكنني، يوم وافقتُ على الزواج منك، شعرتُ وكأنني نزعت جناحيّ. ضحيتُ بحريتي لأبقى بجانبك. لكنك كنت أول من طعنني في ظهري.

انهمرت دموعها على وجنتيها المتجمدتين، لكن عينيها ظلّتا معلقتين في السماء الرمادية.
“لا ألومك على حبك لشخص آخر… أعتقد أنني ألوم القدر فقط، لأنه قادني إليك.”

ثم استدارت إليه، عيناها دامعتان:
“إن كنتَ لا تزال تسجن نفسك في ماضيك بسبب وفاة أختك، فلا تقلق… سأكفّر عن ذلك بموتي. من الآن فصاعدًا، لن أكون عبئًا عليك. نحن متعادلان.”

جميع فصول رواية سيد أحمد خالص التعازي في وفاة زوجتك من هنا

رواية حتى بعد الموت الفصل 73

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top