رواية حتى بعد الموت الفصل 74

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 74

بإصرارٍ فولاذي، قفزت نوران من الطابق السابع، كأنها أخيرًا قطعت الحبل الأخير الذي يربطها بأحمد… بالحياة ذاتها.

لكنها لم تتوقع أن يركل أحمد الحافة بقوة ويُلقي بنفسه خلفها، جسده يهبط بجوار جسدها في الهواء البارد. اتسعت عيناها بدهشة مذهولة، لم تصدق عينيها.

“هل هو مجنون؟” تساءلت داخلها.

بين زخات الثلج الهادئة، تلاقت نظراتهما. عينيه، المليئتين بالغضب والعناد، نظرتا إليها كأنهما شبكة تصطادها من جديد.
كم مرة حاولت الهرب منه؟
دائمًا ما كانت الفراشة، وهو اللهب. وكل مرة اقتربت فيها… احترقت.

كانت تتوق للحرية، لكنه ظل يُطاردها، يُقيّدها بعواطفه الغريبة، يُعاقبها وكأن حبّه سُمّ.

احتضنها بقوة وسط السقوط، حتى تداخل جسداهما في سقوطٍ سريع ومُرعب.

في الأسفل، كان كامل قد تحرك بسرعة مع الحراس الشخصيين. استطاعوا جلب وسائد قابلة للنفخ من فعالية قريبة. ومع صراخ هشام من أعلى، تم تجهيز الوسائد في اللحظة الأخيرة.

وبدويٍّ مكتوم، سقط أحمد ونوران فوق الوسائد. تدحرجا بقوة، لكن الوسائد امتصت الصدمة ومنعت الكارثة.

هشام، الذي تابع المشهد من الطابق السابع، تنهد بارتياح وهو يضع يده على صدره. لقد نجوا بأعجوبة.

أما كامل والحراس، فقد وقفوا في صدمة. كانوا يعلمون أن أي تقصير طفيف كان سيكلفهم حياتهم المهنية… وربما أرواحهم.

تدحرج أحمد على الأرض، ووجهه مشوّه بالألم، لكنه لم يتفوّه بكلمة. الشيء الوحيد الذي فعله هو عناق نوران بقوة، كما لو أنه لا يريد السماح لها بالهرب ثانية.

لكن أول رد فعل لنوران لم يكن دموعًا، بل صفعة مدوية على وجهه.

“أحمد القيسي!” صاحت، “كيف تجرؤ على سلب حقي في الموت؟! ألم تقل أنك تكرهني؟ كان يجب أن تفرح بموتي!”

تجاهل ألمه، شدّ على معصمها بعينين اشتعلتا بالشرر.
صوته كان كزمجرة وحش جريح:
“الموت هروب، نوران! وأنا أريدك أن تبقي هنا، تتذوقي كل لحظة من العار واليأس… تعويضًا عن موت أختي!”

ارتجفت. لم تعلم إن كان ذلك من برودة الطقس أم من قسوة كلماته. كانت هناك نيران مختلفة تحترق في داخله، نار لم تُطفأ منذ سنوات.

نهض أحمد بسرعة، وقف فوقها، جسده يُلقي ظلًا طويلاً على الثلج، وفكه مشدود كأن صخرةً تستقر داخله. الضوء الخافت لمصباح الشارع لم يكن كافيًا لتخفيف قسوة ملامحه. بدا كملكٍ غاضب، وهي أمامه مجرد خادمة متمردة.

شعرت بذعر حقيقي. لم يعد لديها أي سلطة، لا على نفسها، ولا على حياتها، ولا على هذا الرجل.

ارتفعت حافة معطفه بفعل الرياح وهو يرفع ذقنها بخشونة. قال ببطء، كمن يُلقي حكماً:

“نوران الهاشمي… هذا استثناء. في المرة القادمة، إن فكرتِ بالانتحار، لن تسقطي وحدك. سأرسل معك كل من أحببتِ إلى الآخرة: كريم نصير… ليان… جاد… سمّيهم.”

شدّ قبضته على ذقنها حتى كادت تبكي. كانت عيناه كقطعتي جليد، لا دفء فيهما.

“لا تفكري في الموت… قبل أن تُكفّري عن كل ما فعلتِ.”

ثم مد يده نحوها، لكن غريزتها الأولى لم تكن الامتثال… بل الهرب.

جميع فصول رواية سيد أحمد خالص التعازي في وفاة زوجتك من هنا

رواية حتى بعد الموت الفصل 75

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top