رواية حتى بعد الموت الفصل 80

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 80

لم ترَ نوران أي أثر لأحمد خلال اليومين التاليين. غاب تمامًا، وكأن الأرض ابتلعته، لكن ليان كانت حاضرة دومًا، لا تفارقها، تعتني بها وتصبّ جام غضبها على أحمد نيابةً عنها.

قالت ليان وهي تمشط شعر نوران بلطف:
“هل تعتقدين أن هذا الأحمق ممسوس؟ حقًا، لا تفسير لتصرفاته! أولًا، يطلب الطلاق. ثم يغار عليكِ إن اقترب منكِ أحد. والآن يتهمك بالتظاهر بالمرض؟! أعتقد أن عليكِ شرب الماء المقدس لطرد أي جنّ استحوذ عليه!”

ردّت نوران بنبرة هادئة، كأنها سئمت من تحليل جنونه:
“إنه ليس ممسوسًا يا ليان… إنه فقط مجنون، وهذا أسوأ.”

مرت اليومان بهدوء نسبي، واستعادت نوران جزءًا من طاقتها. بدا جسدها أكثر ارتياحًا، لكن معدتها لا تزال تؤلمها بين حينٍ وآخر. وحين استمع كامل إلى وصفها لحالتها، اقترح عليها إجراء فحص جديد للاطمئنان، لكنها اعتذرت بأدب. قالت:
“أجريتُ فحصًا في مستشفى آخر، وأخضع لعلاج هناك بالفعل. الأمر تحت السيطرة.”

احترم كامل رغبتها، ولم يُلح. كان منشغلًا بأمور أخرى، أهمها التحقيق الذي باشره بسرية تامة. استغرق الأمر يومين من البحث والتقصّي، ثم قرر أن يواجه نوران بالحقيقة.

دخل الغرفة وهو يرتدي معطف الطبيب الأبيض فوق قميص أبيض وربطة عنق سوداء، وسروال أسود أنيق. بدا طويل القامة، وسيمًا، يشع ثقة وهدوءًا.

رفعت ليان عينيها إليه، وتوقفت عن شتم أحمد، ثم صفّرت ساخرة وهي ترفع حاجبيها:
“من المفترض أن تبدو كمدير مستشفى، لكنك تبدو كعارض أزياء يحاول إغواء إحدى المريضات.”

ضحك كامل بأدب، وأشار إلى بطاقة هويته الطبية المثبّتة على صدره، وقال بمزاح خفيف:
“يمكنكِ الشك في أناقتي، لكن لا تشكّي أبدًا في مهنيتي.”

تابعت ليان المزاح، لكن كامل حافظ على ابتسامته الدافئة، ثم التفت إلى نوران وقال:
“نوران، يبدو أننا لم نرَ أي مؤشر خطر في فحصك الأخير. إن لم تظهر مشكلات أخرى، يمكنكِ المغادرة قريبًا.”

نهضت نوران وقالت لليان:
“انتظريني هنا، سأعود حالًا.”

وضعت ليان حبة كرز في فمها، وسألت بخفة:
“هل تريدين مرافقتي؟”

هزّت نوران رأسها ولوّحت بيدها:
“لا داعي. مجرد فحص روتيني.”

ثم خرجت مع كامل إلى غرفة جانبية مخصّصة للفحوص.

كان الطبيب المناوب قد غادر بالفعل، ولم يكن في الغرفة سواهما. جلس كامل خلف المكتب، وأشار لها بالجلوس، قائلًا بنبرة جادّة:
“اجلسي، نوران.”

جلست وهي تشعر بأن شيئًا ما غير طبيعي. التوتر بدا جليًا على ملامح كامل، واختفت ابتسامته المعتادة.

قالت بنبرة قلقة:
“يبدو أنك وجدت شيئًا ما.”

أومأ كامل برأسه، ثم قال بصوت منخفض حازم:
“كنتِ محقة. أحدهم تلاعب فعلًا بنتائج فحصك.”

سرت قشعريرة في جسدها. أمسكت بحافة الكرسي دون أن تدرك.
“من؟ من فعل ذلك؟”

أخذ كامل نفسًا عميقًا، وقال:
“في ذلك اليوم، تم استدعاء طاقم محترف لفحصك بأمر من زياد، وكان الدكتور ثورمان مسؤولًا عن جهاز التصوير المقطعي. لكن بشكل مفاجئ، أُصيب بوعكة معوية حادة، اضطر على إثرها إلى مغادرة القسم.

لعدم تضييع الوقت، أوكل ثورمان المهمة إلى مايك كروسبي، الطبيب المتدرّب. مايك أعدّ تجهيزات الفحص، وكان على وشك إرسال النتائج لقسم التحاليل، لكن ممرضة استدعته في تلك اللحظة.”

توقف قليلًا، ثم تابع بنبرة ثقيلة:
“في هذا الفراغ الزمني القصير، دخل شخصٌ ما إلى الغرفة. كان يعرف ما يفعل تمامًا. تلاعب بالبيانات، واستبدل نتائجك الأصلية بتقارير أخرى تظهر معدتك سليمة.”

ناولها كوبًا من الماء الدافئ، وتابع:
“كان محترفًا. عطّل نظام المراقبة مؤقتًا، وحجب الكاميرات في المنطقة بالكامل. ليس هناك سوى عدد محدود من الأشخاص القادرين على فعل ذلك.”

ارتشفت نوران من الماء ببطء، ثم سألت:
“هل رأى أحد هذا الشخص؟”

أومأ كامل:
“نعم. لحسن الحظ، كان عامل النظافة يمرّ في الممر الخلفي، ولاحظ دخول رجل إلى غرفة الفحص دون تصريح.”

اتسعت عينا نوران:
“هل وصفه؟”

قال كامل وهو يقلب بعض الأوراق:
“نعم. كان رجلًا طويل القامة، يقارب المترين، بنيته ضخمة، وكان يرتدي زي المستشفى. لكن الغريب أنه كان يضع نظارة شمسية داكنة داخل المبنى. لم يستطع عامل النظافة رؤية وجهه بوضوح، لكنه لاحظ شيئًا مهمًا.”

اقترب كامل قليلًا وقال:
“الرجل كان يضع وشم نسر على ذراعه اليمنى، وكان هناك شامة واضحة على أذنه اليمنى. كما كاد ينزلق على الأرض المبللة وهو يخرج مسرعًا، وكأن لديه ما يخفيه.”

قالت نوران وهي تحدّق بكوب الماء:
“وشم؟… لا يمكننا العثور عليه بناءً على وشم فقط.”

ابتسم كامل بهدوء وقال:
“لا تقلقي. لقد أرسلت لقطات التعتيم إلى خبير اختراق إلكتروني موثوق. يعمل الآن على استعادة البيانات الأصلية من الكاميرات. سنحصل قريبًا على صورة أو فيديو واضح يكشف من تجرأ على فعل هذا. وسأبلغكِ فورًا عند ظهور أي مستجدات.”

رواية سيد أحمد خالص التعازي في وفاة زوجتك كاملة من هنا

رواية حتى بعد الموت الفصل 81

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top