رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 101 رواية حتى بعد الموت

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 101

شعرت أوليفيا بجاذبية غامضة تسحبها نحو النافذة العالية فوق رأسها. رفعت عينيها ببطء، وقلبها يخفق دون سبب واضح، لتتفاجأ بذلك الوجه الصغير المألوف… كونور.

كان يبدو كدمية من القطن، بستراته البيضاء المنتفخة، مستندًا بخده وراحتيه على زجاج النافذة البارد. ابتسامته كانت أنقى من النور، مغمورة ببراءة لا تُشترى ولطفٍ لا يُصطنع. ورغم أن حاجز الزجاج عزل صوته عنها، إلا أن بريق عينيه اللامعتين كان كفيلًا بأن يهمس لها بالتحية.

ابتسمت، رغم أن الألم المتجذر في صدرها كان كفيلًا بكسرها. لوّحت له بأصابع مرتعشة، وفي تلك اللحظة العابرة، تلاشى شعورها بالوحدة والخيانة… ولو مؤقتًا.

وفي الزاوية المقابلة، كان إيثان يراقب المشهد بصمتٍ ثقيل. توقف الزمن في ذهنه، وتدفقت من أعماقه صورة قديمة نقشتها الذاكرة على جدران قلبه.

كانت شمس ذلك الصباح ساطعة، حين لمحها للمرة الأولى… فتاة بشعر مربوط في ذيل حصان، تلوّح له بابتسامة أشرقت بها الدنيا. مرت عشر سنوات، ولم يخفت بريق تلك الابتسامة في وجدانه يومًا.

استفاق من شروده على وقع أفكاره التي ترددت في رأسه بحدة:

“أوليفيا لا يمكن أن تأتي إلى خليج كولينغتون وحدها… لا بد أن هناك سببًا. إنها تقيم في فوردهام، هذا هو التفسير الوحيد.”

أنهى المكالمة مع برنت، وقد وصله للتو خبر حادثة المسلخ. تجهم وجهه أكثر، وغضبٌ مكتوم بدأ يغلي في أعماقه.

“مارينا…” تمتم وهو يضغط على أسنانه، “تصنع المزيد من الفوضى… كل يوم.”

ثم صاح ببرود قاتل لا يقبل النقاش:
“جهّز السيارة.”

في هذه الأثناء، كانت أوليفيا ما تزال واقفة أمام النافذة. النسيم يداعب خديها برقة، وقشعريرة خفيفة تسللت إلى جسدها، لكنها لم تتحرك. لم ترغب في العودة إلى تلك الغرفة التي بُنيت خصيصًا لمارينا، فقد بدا دفؤها ملوثًا بالعداوة… وكانت تفضل قسوة البرد على زيف الراحة.

أما في الطابق السفلي، فقد خرجت مارينا تواً من الحمام، مرتدية رداء استحمام أبيض وقبعة مزخرفة بعناية، بينما خدش صغير على رقبتها كشف عن لحظة غضبٍ لم تندمل. جلست على الأريكة الجلدية البيضاء، تدلّل نفسها وتنتظر خبيرة العناية بالأظافر، التي وصلت للتو استعدادًا لجلسة باديكير فاخرة.

دخلت أوليفيا الغرفة بهدوء، لم تكن تتوقع أن تجد مارينا بهذه الدرجة من البرود. كانت مختلفة… لم تعد تلك المرأة المتغطرسة، بل بدت أكثر اتزانًا، وأكثر دهاء.

قالت مارينا، بعينين تنضحان خبثًا:
“يمكنني أن أؤمن لكِ إقامة في فوردهام، لكن بشروط. اثنان، لا ثالث لهما.”

تقطبت حاجبا أوليفيا:
“شروط؟ هل بدأنا التفاوض مبكرًا؟”

ضحكت مارينا بسخرية ناعمة:
“كسب العيش ليس مجانيًا، خاصة هذه الأيام. منزل بقيمة خمسة ملايين دولار؟ لا بأس ببعض المقابل.”

تأهبت أوليفيا بنفاد صبر:
“تفضلي… أطلقي النا.ر.”

ردت مارينا، وعيناها تتلألآن بلمعان شرير:
“أولًا: تتركي ألدنفاين. ثانيًا: تشوّهي وجهك… إلى الأبد.”

شهقت أوليفيا، كأن الهواء اختفى من الغرفة:
“هل فقدتِ صوابك؟! هل تعين ما تقولين؟!”

رمت مارينا بسك.ين فواكه على السجادة، صوت ارتطامه كان عنيفًا، تمتمت:
“لا أريدك قريبة من إيثان. وجودك يهدد كل شيء.”

ثم أضافت بصوت منخفض لكنه يقطر سمًا:
“حين تشوّ.هين وجهك، لن تعودي خطرًا على أحد. وأنا… سأكون بأمان.”

نظرت مباشرة في عيني أوليفيا:
“ربما تملكين شيئًا ضدي… لكن تذكّري، والدك هو نقطة ضعفي الوحيدة. هل تريدين أن أفتح ملف فضائحه للعامة؟”

اصفرّ وجه أوليفيا، وتجمدت ملامحها، وتسلل التوتر إلى أطرافها. مارينا لاحظت ذلك، وابتسمت كمن استعاد زمام الأمور.

تابعت بصوتٍ أقرب للهمس، كأنها ترسم نهاية قصتها بيدها:
“نحن لسنا مختلفتين كما تظنين. لا أحد فينا بريء… مهما تظاهر.”

ثم أعلنت وكأنها قاضية تصدر الحكم الأخير:
“أوليفيا فوردهام… إما أن تدمري وجهك وتغادري ألدنفاين، أو تودّعي فوردهام إلى الأبد.”

لكن أوليفيا لم تكن هناك من أجل المنزل فقط. كانت تشعر أن ثمة خيوطًا تُحرّك مارينا من الظل… عقلًا مدبرًا أكثر خطورة، لم يكشف نفسه بعد.

وفجأة، صاحت مارينا على الخادمة. اقتربت امرأة ممتلئة الجسد، وقبل أن تستوعب أوليفيا ما يحدث، ركلتها الخادمة من الخلف بقسوة، لتسقط على ركبتيها.

ثم أخرجت سك.ينًا لامعًا ومدّته نحوها:
“تفضلي، يا آنسة فوردهام.”

حدقت أوليفيا في السكين، ورأت انعكاس وجهها المرتبك في نصله البارد. ثم رفعت عينيها نحو مارينا:
“مارينا كارلتون… لم أوافق بعد.”

لكن الخادمة لم تتوقف. ابتسمت ابتسامة مشوهة وقالت:
“هذا خيارك الوحيد. لا أحد يمنح النجاة مجانًا.”

ثم اقتربت أكثر، وهمست بصوت كالسم الزاحف:
“وبما أنكِ لا تستطيعين فعلها بنفسك… اسمحي لي أن أتشرف بمساعدتك.”

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 102 رواية حتى بعد الموت

جميع الفصول من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top