رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 117حتى بعد الموت

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 117 

كانت كاليستا لا تزال مستاءة، مشاعر الغيرة تنهشها بصمت. تكره أن تكون أوليفيا محط الأنظار، أينما حلت أو ارتحلت. كانت تتساءل في سرها: لماذا تحصد هذه الفتاة كل الاهتمام؟ ما الذي تملكه لټخطف الأضواء دائمًا؟!

بينما كانت تراقبها من بعيد بعينين ممتلئتين بالحقد، اقترب كالفن من أوليفيا بخطوات واثقة، وعلى وجهه تلك الابتسامة الهادئة التي يُخفي خلفها دائمًا أكثر مما يُظهر.

قال بنبرة دافئة:
“مرحبًا! يشرفني حقًا رؤيتكِ في مناسبة كهذه.”

ردّت أوليفيا بلطف لا يخلو من تحفظ:
“مرحبًا، كالفن.”

نظر إليها لثوانٍ بصمت قبل أن يتابع بنبرة غير مباشرة، تحمل في طياتها شيئًا من الحنين:
“لم أكن من محبّي هذه الفعاليات يومًا… وبعد إفلاس فوردهامز، لم تسنح لي الفرصة لحضور مثلها مجددًا.”

ثم مال قليلًا للوراء، وهو يرمق الجمع بنظرة ساخرة فيها شيء من الاحتقار:
“يمكنك إنفاق 500 مليون دولار في لحظة، وكأنك لم تفعل شيئًا… ومع ذلك، يبدو أن أغلب ركّاب هذه السفينة لم تطأ أقدامهم مناسبة كهذه من قبل.”

كالفن لم يكن ساذجًا، كان يعرف جيدًا عن علاقة أوليفيا بإيثان. ومع ذلك، لم ينبس بكلمة. اكتفى بغمزة خفيفة، خبيثة، مرّت كالسهم نحو قلبها، أرسلت رسالتها دون حاجة إلى شرح.

ربما كان قد رأى شيئًا عبر كاميرات المراقبة… وربما عرف أكثر مما يُفترض به أن يعرف. كانت أوليفيا تشك، لكنها لم تكن واثقة مما رآه بالضبط. الشك وحده كافٍ ليربكها.

لكن قبل أن تتمكن من قول أي شيء، قطعتها كاليستا بسخرية لاذعة، كأنها كانت تترقب اللحظة المناسبة لتغرس أنيابها:
“ألم أقل لك يا كالفن؟ أوليفيا على الأقل ستواعد رجلًا عجوزًا غنيًا! مظهرها مثالي لهذا الدور!”

ثم التفتت نحو أوليفيا مباشرة، وكلماتها كالسياط:
“لم أسمع عن ۏفاة أي ملياردير مؤخرًا. هل تُعدّين أيام زوجك العجوز يا أوليفيا؟ أم أنكِ لست شريرة كفاية بعد؟”

من منظور كاليستا، كانت الأمور واضحة جدًا. أوليفيا بالتأكيد تُخفي علاقتها برجل مسن فاحش الثراء، ولهذا السبب لا تتباهى به. وإلا، ما الذي يدعوها لإبقائه سرًا؟ إن لم يكن عجوزًا ومثيرًا للشفقة، فلا تفسير آخر.

صړخ بها كالفن فجأة، بنبرة حادة أربكتها:
“كفى هراءً في العلن يا كاليستا!”

نظرت إليه پغضب، وقد أوجعتها كلماته أكثر مما أرادت أن تُظهر:
“ولِم تحميها بهذه الطريقة؟ هل تنوي الزواج منها بعد أن ټموت ضحيّتها؟ والدك لن يقبل بذلك أبدًا، ولن يسمح بڤضيحة جديدة تلطخ اسم العائلة!”

تجاهل كالفن كلماتها وغيظه منها. كانت تافهة بما يكفي لتظن أن العالم يدور حولها. استدار نحو أوليفيا وقال بلطف:
“ادخلي من فضلك، الجو بارد على الشرفة… وهذا المكان لا يصلح للحديث.”

لم تكن أوليفيا راغبة في الدخول. لكنها لم تعد تحتمل وجود كاليستا، الذي بات خانقًا. كانت تطاردها كما يطارد كلبٌ جائع عظمة ثمينة، بإصرار مقزز.

أومأت برأسها، دون أن تنبس بكلمة، وغادرت بهدوء صامت… لكنه كان صمتًا مليئًا بالرفض.

وراءها، اڼفجرت كاليستا كبركان:
“أنت تراقبها، أليس كذلك؟ أعلم أنك كتبت لها رسالة حب أيام المدرسة! رأيتك تخبئها في درجك، وتعيد قراءتها كالمراهقين!”

لكن كالفن لم يرد. عيناه كانتا تتابعان أوليفيا وهي تختفي في الداخل. لم يكن يهم إن كان الوقت مناسبًا الآن، أو لاحقًا. الحقيقة أنها لا تزال تشغل جزءًا منه.

في سنوات الدراسة، لم يكن سوى واحد من العشرات الذين أُعجبوا بها. لم يكن حبًا، لكنه كان يحمل مشاعر صادقة، بريئة، ومربكة.

أما الآن؟ فالمراهقة انتهت، والزمن تغيّر. العمل غطّى على كل العواطف القديمة. تلك المشاعر ډفنها منذ زمن، ولا نية له في إحيائها.

ومع ذلك… بعد أن عرف حقيقتها، شعر باحترام كبير لها. امرأة مٹيرة للفضول، قوية رغم هشاشتها الظاهرة، وغامضة بدرجة لا تُحتمل.

ألقى كلمات مقتضبة مع بعض الحضور، ثم انسحب بهدوء… ليبحث عنها.

في الداخل، كانت مارينا تُحدق في أوليفيا بوجه يفيض بالڠضب والمرارة. لم تستطع نسيان تلك اللحظة المهينة… حين لطخت أوليفيا وجهها بالعجين وصڤعتها أمام الجميع. كانت لحظة سخيفة، لكنها جرحت كبرياءها. تركت أثرًا لا يُمحى.

أما كلوي، فاستقبالها كان مختلفًا تمامًا. وجهها أشرق فور رؤيتها لأوليفيا، ركضت نحوها بلهفة أمٍّ ضائعة.

قالت بانفعال:
“أنا سعيدة جدًا بنجاحك يا ليف! لكن لماذا قصصتِ شعرك؟”

ثم توقفت لحظة، قبل أن تبتسم وتضيف:
“مع ذلك، تبدين جميلة جدًا. جيناتك قوية حقًا! تليق بكِ كل الإطلالات.”

كان حماس كلوي دافئًا، يحمل شيئًا من أمومة لم تعرفها أوليفيا يومًا. في طفولتها، كانت تتمنى حضنًا منها حين تمرض، أو كلمة حانية، أو حتى لمسة بسيطة.

لكن كلوي رحلت… تزوجت من والد مارينا، وغابت عن حياتها لتصبح فقط “زوجة الأب”. غريبة قريبة.

أوليفيا تجاوزت ذلك كله. لكنها لم تنسَ.

نظرت إليها بهدوء، وقالت بنبرة خالية من الانفعال:
“هل يهمك حقًا إن كان شعري طويلًا أم قصيرًا؟”

ثم أضافت بجفاء:
“سيدة كارلتون… لم ترسلي لي حتى بطاقة بريدية طوال هذه السنوات. والآن، فجأة، تتقمصين دور الأم الحنونة؟”

رفعت حاجبيها بسخرية، وقالت بتهكم لاذع:
“ألا تشعرين بالخجل؟ اهتمامك المفاجئ محرج… لدرجة أنني قد أموت من فرط الإحراج.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top