رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 275

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 275 لم تعد أوليفيا تفكر في النجاة أو الخۏف. المۏت لم يعد كابوسًا يطاردها، بل صار فكرة باهتة لا تحرك في قلبها أي رجفة. روحها كانت مثقلة كحجر غارق في أعماق بحر مظلم، مرهقة إلى حد أنها لم تعد تملك طاقة للصړاخ، ولا حتى للمقاومة. الحبال التي تقيّد يديها، والعصابة المعتمة على عينيها، بدت كأنها تفاصيل هامشية أمام ما كانت تتوسله في قلبها.لم يكن همّها أن تتحرر أو تهرب، بل كانت تتوق إلى شيء آخر أعمق وأثمن: كلمة صادقة من كلوي، نظرة غير مرئية لكن يمكن الإحساس بها، دفء أمومي افتقدته منذ اللحظة الأولى التي وُجدت فيها في هذا العالم. أرادت أن تسمع في صوتها ما لم تسمعه قط: “أنتِ لستِ وحيدة”.كانت عمياء في تلك اللحظة، لا تعرف ملامح المشهد حولها، لكن إحساسها بالعجز عن رؤية وجه كلوي كان يزيد القلق اشتعالًا في صدرها. تعرف جيدًا طعم الخسارة، فقد تذوقته أكثر من مرة. لا تزال تذكر كيف هُزمت أمام مارينا من قبل، وكيف ابتلعت مرارة الفشل. والآن، كان الخۏف يتسلل إليها من جديد، همسًا قاسيًا في أعماقها: قد تخسرين مرة أخرى… لكن هذه المرة أمام الجميع.ثم انكسر الصمت بصوت حاد، حافل بنفاد الصبر، صادر من الرجل الذي يختبئ خلف بدلة باندا ضخمة. صوته كان كالمطرقة تهوي على قلب اللحظة:– “لماذا كل هذا التردد في الاختيار بين ابنتك وزوجة ابنتك؟ إذا كان الأمر صعبًا لهذه الدرجة، فسأتخذ القرار عنك… اقطع الحبلين!”كأن رياحًا جليدية اجتاحت صدر أوليفيا، فارتعشت أنفاسها، وشعرت ببرودة تلسع أطرافها. لم يكن عقلها قد استوعب الصدمة بعد، حتى جاء صوت كلوي حادًا قاطعًا كالسيف:– “لا! سأختار مارينا!”الجملة ارتطمت بجدران القاعة، فارتدت في أصداء متتالية، كأنها ترفض أن تندثر سريعًا. الحاضرين لم يملكوا إلا أن يتجمدوا في أماكنهم، وبدأت الهمسات تتفجر من كل اتجاه:– “هل سمعت ما سمعت؟ لقد فضّلت زوجة ابنها على ابنتها!”– “مستحيل… أي أم يمكن أن تفعل ذلك؟”أحد كبار السن أطرق رأسه ببطء، وقال بصوت خاڤت لكنه مشحون بمعرفة مُرة:– “أنتم لا تفهمون… هي زوجة في عائلة كارلتون. واسم العائلة عندهم فوق أي شيء. الولاء لهم قبل الډم.”لكن آخرين لم يكتفوا بالتفسير، بل وجهوا سهام الاتهام بلا رحمة:– “وكيف ستعيش ابنتها بعدما باعتها من أجل سمعة العائلة؟”– “أي قلب هذا الذي يختار الكرامة الزائفة على فلذة كبده؟”الكلمات كانت كالإبر، لكنها لم تكن شيئًا أمام الألم الذي سحق قلب أوليفيا. دموعها هطلت بلا إذن، قطرات ساخنة حفرت مسارها على وجهها، بينما عيون بعض النساء امتلأت بدورها بالدموع لمجرد النظر إليها.لم تحاول أوليفيا أن تصرخ، لم تبحث عن تفسير، لم تتمسك بأي دفاع. سكونها لم يكن استسلامًا بقدر ما كان انهيارًا داخليًا هائلًا، سكون المقاوم الذي تلقى الضړبة الأخيرة. الشخص الوحيد الذي تمنّت أن يكون درعها، هو نفسه من غرس الخڼجر في أضعف نقطة لديها.أجل… لقد جعلتني أتمنى المۏت. الفكرة ثقيلة، لكنها كانت واضحة في ذهنها. فالخېانة التي تأتي من الغرباء مؤلمة، لكن الخېانة التي تأتي من الأحباء… قاټلة.تحركت قليلاً، وكأنها تحاول أن تقترب من الصوت الذي تعرفه جيدًا. حين نطقت، كان صوتها مبحوحًا، مشروخًا بالخذلان:– “تخلّيتِ عني مرة… فلماذا تفعلينها مجددًا؟”ارتجفت شفتا كلوي، وتلعثمت الكلمات وهي تحاول أن تخرجها، كمن يبتلع شوكة:– “ليف… أنا آسفة. لكن… ليس لدي خيار آخر.”ابتسمت أوليفيا، ابتسامة خاوية، لكنها ابتسامة من ذاق الخيبة حتى الثمالة:– “آسفة؟ قلتِها حين تركتِني أول مرة. وقلتِ أيضًا إنكِ لم تملكي خيارًا. وماذا عني أنا؟ هل كان لدي خيار حينها؟ لو كان بيدي، لاخترت أن أولد في كوخ متهالك وسط الفقر، لكن مع أم تحبني بحق… بدلًا من أن أعيش عمري في انتظارك… لأراك تتخلين عني مرارًا وتكرارًا.”ارتجف صوتها، لكن الصدق في كلماتها كان جارحًا أكثر من أي صړخة:– “كانوا على حق… أنا مجرد فتاة بلا أم. كان يجب أن أتعلم منذ زمن ألا أعلّق أي أمل بك.”صوت كلوي انكسر وهي تحاول التبرير:– “ليف، أحبك… أحبك حقًا! لكن مارينا… مختلفة.”بعض الحاضرين تبادلوا النظرات، وتذكروا أن مارينا فقدت أمها في سن مبكرة، وأنها لم تتذوق حضنًا أموميًا قط. لكن الصدمة الكبرى لم تكن في ماضي مارينا، بل في حاضر أوليفيا: أمها اختارت أن تمنح غريبة ما كانت أوليفيا تحلم به طوال حياتها، بينما تترك ابنتها الحقيقية تنكسر أمام أعين الجميع.– “يا للمفارقة!” همس أحدهم.آخر هز رأسه وهو يهمس:– “لا منطق يبرر هذا القرار.”أما الرجل الذي يرتدي بدلة الباندا، فقد بدا وكأن المشهد الذي نسجه وصل إلى ذروته التي تمناها. الټفت نحو إيثان، وعيناه تلمعان بتحدٍّ:– “سيد ميلر… الآن دورك. زوجتك السابقة… أم خطيبتك؟ اختر. أنا أكثر فضولًا لسماع إجابتك منك لسماع ما قالته السيدة كارلتون.”

جميع الفصول من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top