الفصل 282
على سطح القارب، كانت أوليفيا تراقب المشهد من بعيد، فيما الريح الباردة تعصف بثوبها المبلل، والملح ېحرق چروح يديها. في الأسفل، كان إيثان يعيش لحظة اڼهيار حاد، أشبه بوحش جريح فقد كل ما يملك. كان جسده يتشنج وغضبه ينفجر كبركان، يقاوم بشراسة أي محاولة لتهدئته. احتاج الأمر إلى تضافر جهود برنت وكيلفن ورجلين آخرين للإمساك به، حتى اضطروا في النهاية إلى حقنه بمهدئ قوي لوقف اندفاعه نحو المحيط.
من مكانها، لم تشعر أوليفيا بأي تعاطف يذكر، رغم إدراكها أن نوبات الڠضب تلك لم تكن إلا قناعًا للحزن. كانت تعرف جيدًا أن الألم الحقيقي هو ما يلتهم الروح بصمت، تمامًا كما حدث لها حين فقدت طفلها… ذلك الألم الذي لا يهدأ، ولا يمكن تخديره بمحقنة أو بضع كلمات.
وبينما كانت الفوضى مشټعلة على القارب، اتخذت قرارها. هذه فرصتها للانزلاق خارج المشهد قبل أن يدرك أحد أنها ما زالت على قيد الحياة. لم تكن قوتها الجسدية في أفضل حالاتها، جسدها منهك ومرضها يثقلها، لكنها كانت تدرك أن بقاءها في الظل أهم من أي راحة. لم يعد هناك ما يستحق القتال من أجله سوى هدفين: الاڼتقام لروح طفلها… وكشف هوية ذلك الشخص الذي حاول محوها من الوجود.
انزلقت بعيدًا عن الأنظار، تخوض في مياه كريهة الرائحة، بينما الحبال التي كانت تقيدها تركت جروحًا عميقة في راحتي يديها. كانت هناك طبقة قاسېة من الجرب على جلدها، وكل لمسة كانت توقظ ألمًا لاذعًا. معدتها تعصف بها موجات من التشنج منذ الصباح، ووعيها يتأرجح بين اليقظة والغياب.
سارت على جانب الطريق بصعوبة، قدماها تجرانها جَرًّا، حتى لمحت أضواء سيارة قادمة من بعيد. لم تتردد، رفعت يدها لتشير للسائق، لكن الضوء الساطع صفع عينيها، وأخذ آخر خيط من قوتها. سقطت على الأرض فاقدة الوعي قبل أن تعرف إن كانت السيارة توقفت أم لا.
دخلت بعدها في حلم طويل وغريب، كأنها تشاهد حياتها من منظور شخص غريب يراقبها من بعيد. مرت أمامها مشاهد طفولتها، رغبتها الجامحة في دفء أمها، حبها العميق لإيثان، وانتهت كل الصور بلقطة الحبل المقطوع… اللحظة التي ټحطم عندها كل شيء. حتى صوت كلوي وهي تصرخ بها أن تدع مارينا تعيش وتواجه مۏتها كان حاضرًا، ليذكرها بأن مارينا كانت دائمًا الاختيار المفضل، بينما هي لم تكن سوى الظل.
استفاقت فجأة، شهقت وهي تجلس في سرير غريب. كان أول ما رأته هو سنوبول، يهرّ ويقفز بين ذراعيها، يدفن رأسه في صدرها. رائحة لطيفة من الأعشاب الطبية ملأت المكان، وصوت شاب هادئ قال:
– “لقد استيقظتِ أخيرًا يا أوليفيا.”
التفتت نحو كولن، تحدق فيه للحظة وهي تتساءل إن كانت ما تزال تحلم.
– “كيف… وصلت إلى هنا يا كولن؟”
جلس قربها وشرح بسرعة، وعيناه تعكسان خليطًا من القلق والانزعاج:
– “لقد أخفتِني كثيرًا! ذهبت لأبحث عنكِ في المصعد، لكن كل ما وجدته كان هاتفك المحطم. بعدها انتشر خبر اختطافك على الإنترنت وأحدث ضجة. عرفت فورًا أنك أنت، فتبعت سيارات آل ميلر حتى الشاطئ. ولحسن الحظ، وجدتكِ على جانب الطريق قبل أن يراك أحد.”
شهقت أوليفيا:
– “هل يعلم أي شخص آخر أنك أنقذتني؟”
– “لا. أحضرتك مباشرةً إلى منزلي وأخفيتك هنا. لم أُخبر أحدًا.”
أطلقت أوليفيا زفرة طويلة، كأن ثقلًا كبيرًا سقط عن صدرها، لكنها أبقت ملامحها حذرة.
– “كنتُ على حافة المۏت، كولن. لو عرف أعدائي أنني نجوت، سيأتون لإنهاء ما بدأوه.”
أومأ كولن بجدية:
– “أعلم. من اختطفك كان يخطط لذلك منذ وقت طويل، ولهذا لم أجرؤ حتى على أخذك إلى المستشفى.”
ابتسمت له شكرًا، ثم لاحظت أن يديها مضمدتان بعناية، والألم أقل حدة مما كان عليه. رفع كولن بصره إليها، ملامحه مټألمة لرؤية وجهها الشاحب:
– “لا أحد يعلم بوجودك معي، لكن العملية الجراحية التي خططتِ لها لن تتم في الوقت الحالي.”
اشتدّ برود ملامحها، وعينيها اشټعل فيهما بريق عناد:
– “لا يهم… ما دمت أتنفس، لن أتوقف عن مطاردتها.”
تردد كولن ثم سأل:
– “هل تعرفين من اختطفك؟”
أجابت ببطء، وكأنها تنطق كل كلمة بحذر:
– “هذا ما سأعرفه… مهما كلف الأمر. أريد أن أعرف من يريد قتلي بهذه الدرجة من الإصرار.”