الفصل 288
حين أغلق إيثان باب الغرفة خلفه، شعر ببرودة غريبة تزحف على جسده، وكأن الهواء نفسه قد تجمد من حوله. كانت خطواته ثقيلة، وصوتها يتردد في الممر الطويل، يرافقه صدى سؤالٍ واحد ظل يطرق رأسه بلا رحمة:
“لماذا أوليفيا هي المېتة… وليس أنا؟”
كان هذا السؤال يلتهمه من الداخل. تذكر فجأة كيف طرح سؤالًا مشابهًا على أوليفيا من قبل، حين سألها لماذا كانت ليا هي المېتة وليس هي. والآن، وهو يستحضر تلك اللحظة، أدرك كم كانت كلماته قاسېة، وكم من الألم تسببت فيه.
أحس بقبضة من الندم تعتصر قلبه. كيف استطاعت أوليفيا أن تتحملني؟ كيف صمدت أمامي كل هذا الوقت؟
في نهاية الممر، لمح امرأة تقف قرب غرفة العمليات، عيناها دامعتان، ووجهها مشدود بالقلق. للحظة، ظن أنها أوليفيا، ورأى في مخيلته ملامحها وهي حامل، واقفة بهذه الطريقة، تنتظر مصيرًا مجهولًا.
اقترب برنت قليلًا، ولاحظ اتجاه نظر إيثان:
– “سيد ميلر، إلى ماذا تنظر؟”
لم يلتفت إيثان، واكتفى بالرد بصوت مبحوح:
– “أرسل لي جميع لقطات المراقبة في المستشفى… كل ما يحتوي على أوليفيا.”
– “حسنًا، سيدي.”
عند خروجه من المستشفى، كاد أن يتعثر وهو يخطو نحو السيارة. كان جسده منهكًا بعد أيام بلا راحة، لكن عقله ظل متيقظًا بشكل مؤلم، غير قادر على الاستسلام للنوم.
جلس في المقعد الخلفي، وأرخى جسده على الجلد البارد. لم يتوقف السؤال عن ملاحقته:
“إذا لم يكن جيف هو قاټل ليا… فلماذا عذبتُ أوليفيا طوال العامين الماضيين؟”
تخيل للحظة أن إجابته قد تكون أسوأ من السؤال نفسه. تخيل أنه بنى كل أفعاله على خطأ قاټل… وأن المرأة التي أحبها أكثر من أي امرأة، كانت أيضًا أكثر من أذاها.
تدفقت الذكريات: دموعها التي حاولت إخفاءها، نظراتها الفارغة حين كان ېصرخ في وجهها، وجسدها الذي أصبح أكثر هشاشة مع كل يوم يمر. كانت تحمل ندوبًا لن تندمل، ليس فقط على جسدها، بل في قلبها وروحها.
انحنى للأمام، وډفن رأسه بين يديه، وأمسك بشعره كأنه يحاول اقتلاع أفكاره من جذورها. شعر بحرارة الدموع تتجمع، لكن كبرياءه منعه من السماح لها بالسقوط.
– “لا تقلق يا سيد ميلر، ستكون السيدة ميلر بخير.”
كلمات كيلفن وبرنت كانت تحاول طمأنته، لكنهم لم يعرفوا أن الأمر لم يكن مجرد قلق. كان شعورًا بالذنب ېخنقه، يلتف حول رقبته مثل حبل مشدود.
– “نعم، أخذ الخصم السيد فوردهام بعيدًا، لكنهم لم يؤذوه. إنه ورقتهم الرابحة لإخراج السيدة فوردهام… هذا يعني أنها لا تزال على قيد الحياة.”
لكن إيثان بالكاد سمع ما يقولونه. كان غارقًا في أفكاره، في خططه، وفي مخاوفه من اللحظة التي سيلتقي بها أوليفيا مجددًا. ماذا سيقول لها؟ أي مبرر يمكن أن يمحو سنتين من الچحيم الذي عاشته بسببه؟
أدرك في داخله أنه لا يملك الحق في المطالبة بها بعد الآن… لكنه لم يكن مستعدًا لتركها تذهب. ثم، وسط ظلام أفكاره، ظهر خيط من الجنون البارد:
هناك طريق آخر…
لم يهمه إن كان مۏت ليا له علاقة بجيف أم لا. كل ما عليه فعله هو تقديم الأدلة التي تقنع أوليفيا أن جيف هو القاټل، حتى لو كان ذلك كذبًا. بهذه الطريقة، ستبقى إلى جانبه… أو على الأقل، لن تعود إلى صفوف أعدائه.
رفع رأسه ببطء، وعيناه تلمعان ببريق غريب، خليط بين الهوس والعزم.
“ليف… لن أسمح لك بالابتعاد عني أبدًا. حتى لو كان موتك محتومًا، سأبقيك أمام عيني حتى النهاية.”
في المرآة الأمامية، لمح برنت انعكاس ابتسامة باردة ارتسمت على شفتي إيثان، فشعر بقشعريرة تسري في جسده.
“هل… هل جنّ السيد ميلر؟” فكر برنت في صمت. “ابتسامته مخيفة.”
قال برنت بعد تردد:
– “سيد ميلر، لن يتمكن هؤلاء في ألدنفين من الاختباء طويلًا. إنها مسألة وقت قبل أن نعثر عليهم.”
رد إيثان بنبرة هادئة بشكل مقلق:
– “لا داعي للاستعجال… فقط ابحثوا عنهم.”
في ذهنه، كانت الخطة واضحة: لن يترك قاټل ليا يفلت، ولن يسمح لأوليفيا بالفرار. كان يعلم أن الحقيقة، إن ظهرت، ستدمر كل ما بينهما… ولهذا، قرر ألا يدعها تظهر أبدًا.