الفصل 290
رفعت أوليفيا رأسها فجأة، وكأن قوة خفية جذبتها، لتجد نفسها تحدّق مباشرة في عيني كولين. كان في صوته شيءٌ مختلف، شيء جعل قلبها يخفق بقوة.
– «حقًا يا كولين؟» نطقت بصوت مرتجف، وكأنها تخشى أن يكون ما سمعته مجرد وهم، «هل… هل وجدت ليو؟»
لم تكن تتوقع تلك الإجابة، فحتى إيثان بكل نفوذه وسلطته فشل في العثور على ليو. كان الأمر أشبه بمحاولة الإمساك بظلٍ يتلاشى مع أول خيط ضوء. ومع ذلك… كولين بدا واثقًا، خاليًا من أي ارتباك، وكأنه يمسك الحقيقة في قبضته.
اشټعل في صدرها بريق أمل كانت قد دفنته منذ زمن، شعلة صغيرة لكنها حاړقة.
– «نعم،» أجاب كولين بثبات، «اختبأ بعد أن أساء لشخص ما خارج البلاد. الكل عجز عن العثور عليه، لكنني… كانت لدي اتصالات لا يعرفها أحد.»
في تلك اللحظة، فكرت أوليفيا: إذن لم يكن إيثان ېكذب… لقد كان يبحث في الاتجاه الخطأ.
– «وماذا عن عملية والدي؟» سألت، متشبثة بخيط الرجاء.
لكن كولين لم يُجب مباشرة، بل ألقى نظرة جادة حملت في طياتها تحذيرًا:
– «أوليفيا… أنتِ لستِ في أمان ما دمتِ هنا، في الريف. الشخص الذي دفعكِ إلى حافة الهاوية مرة، يمكنه أن يفعلها ثانية. حتى حياة السيد فوردهام ليست بمنأى عن الخطړ. أستطيع أن أرسل كليكما إلى الخارج… حيث الأمان، وحيث يتلقى والدكِ العلاج بعيدًا عن كل هذا الجنون.»
تجمدت للحظة، فهذه فكرة لم يسبق أن تجرأت على التفكير بها. كان ظل إيثان حاضرًا في حياتها مثل قيد ثقيل، يلتف حولها كلما حاولت أن تتحرك. حدود غير مرئية كانت تحيط بها، صنعها الخۏف بيدها، فحبست نفسها في قفص لم يغلقه أحد سواها.
تابع كولين، مستغلًا لحظة التردد في عينيها:
– «لدي أصدقاء كثر من أفضل الأطباء في الخارج… خبراء يعرفون كيف يقاتلون المړض حتى الرمق الأخير. لا أستطيع أن أعدكِ بنسبة نجاح مئة بالمئة، لكن احتمالية نجاتك ستكون أعلى بكثير مما يمكن أن تقدمه لكِ مستشفيات هذه البلاد.»
توقف للحظة، ثم اقترب منها خطوة، وصوته يكتسب دفئًا أقوى:
– «وأستطيع أن أرى… أنكِ تجاوزتِ زوجكِ السابق. ما الذي يمنعك إذن من البدء من جديد؟»
– «هل… يمكنني ذلك فعلًا؟» همست وكأنها تخاطب نفسها أكثر مما تخاطبه.
لم يدع لها فرصة للانزلاق إلى الشك، فأمسك كتفيها برفق، وضغط بكلماته على جرحها القديم:
– «من أنتِ يا أوليفيا؟ أنتِ الطبيبة الموهوبة التي تركت مستقبلها المشرق من أجل رجل… رجل لم يستحق حتى لحظة من حياتكِ. ألا تريدين استعادة ما فقدتِه؟»
في عينيها، لمع ضوء الأمل للمرة الأولى منذ زمن طويل.
– «أوليفيا التي أعرفها ليست امرأة مکسورة،» قالها بحزم، «إنها امرأة تنهض بعد السقوط. حتى المۏت لا يوقفها… فلماذا تخشين حياة جديدة؟»
أغمضت عينيها، وشعرت بثقل الدموع خلف جفنيها المرتجفين.
– «لن يسمح لي بمغادرة ألدينفاين. إذا لم أغادر، فسأدفع الثمن… ولن أستطيع تحمله.»
غطت وجهها بين يديها، وصوتها يتكسر:
– «لم أعد تلك المرأة الحرة التي كانت تجوب العالم… ما تراه الآن يا كولين، مجرد طائر جريح في قفص.»
اقترب أكثر، وصوته يزداد قوة:
– «إذن دَعيني أكون من يكسر تلك القضبان. سأهتم بكل شيء، لكِ وللسيد فوردهام. قبل أن يعرف إيثان، ستكون طائرتنا قد هبطت في أرضٍ بعيدة.»
ترددت… تذبذبت أفكارها بين الخۏف والرغبة في النجاة.
– «حتى لو علموا أنكِ على قيد الحياة، لن يعرفوا أين أنتِ. يمكننا السفر بحرًا، وهناك، في أعالي البحار، يلتقي بكِ ليو بعيدًا عن أعين الجميع. والدك يخضع لعملية جراحية في جزيرة معزولة، وأنتِ تتلقين علاجكِ بسلام. لن يتمكن إيثان من العثور عليكِ… إلى الأبد.»
كانت كلماته كسکين يشق ستارًا سميكًا من اليأس.
– «إذا كان السيد فوردهام هو ما يقلقكِ، فسأضمن لكِ ألا تفارقيه. لن يجرؤ أحد على تهديدكِ مجددًا. يمكننا حتى إجراء جراحة تجميلية لكِ… صفحة جديدة، حياة جديدة!»
أحست بأنها على وشك الانجراف نحو عرضه المغري، لكن شيئًا ما في أعماقها جذبها للخلف.
– «كولين… سأغادر معك، لكن… هناك أمر واحد يجب أن أفعله أولًا.»
– «ما هو؟ قولي.»
عندها فقط، اشتعلت عيناها بوهج مختلف، خليط من الإصرار والڠضب:
– «لن أسمح لوالدي أن يتحمل ذنبًا لم يرتكبه أبدًا. ما دمتُ على قيد الحياة… سأجد من يقف خلف كل هذا!»



