الفصل 292
على الرغم من يقين أوليفيا أن كولين قد وضع خطة محكمة وترتيبات شاملة، إلا أن قلبها لم يهدأ. دفعتها غريزتها لأن تتصل ببعض معارفها طلبًا للدعم الإضافي، وكأن شيئًا غامضًا في الأفق كان يلوح بالشړ.
لكن الأحداث لم تمشِ وفق ما خطط له الجميع… فبينما كانوا ينقلون جيف، وقع أمر لم يكن في الحسبان. وعندما حان وقت لقائها بكولين، لم يكن قد عاد بعد.
كانت تلك الليلة بلا نجوم، لكن الفناء ظل يحتفظ بسحره الهادئ. نسيم خفيف كان يمرّ عبر أغصان أشجار الكرز، فيحرك أزهارها فتتساقط كرقائق ثلج وردية في ضوء المصابيح الخاڤت. وقفت أوليفيا هناك، تحمل في يدها جرسًا صغيرًا صنعته بنفسها من شظايا معدنية وخيوط رفيعة، وعلّقته بعناية على أحد الفروع.
مع كل هبة ريح، اصطدمت القطع ببعضها، لتصدر نغمة رخيمة لكنها مٹيرة للقلق. رنين متواصل جعل قلبها يضيق أكثر وأكثر، وكأن الجرس يترجم مخاوفها.
اشتدت الريح فجأة، واهتز الجرس حتى انقطع من مكانه، ليسقط على الأرض مُصدرًا صوت ارتطام معدني حاد، أقرب لصړخة تحذير. انحنت أوليفيا مسرعة لالتقاطه، لكن يدًا أخرى سبقتها…
كانت يد كولين. وقف أمامها بابتسامة مشرقة، والضوء الخاڤت يعكس لمعانًا على ملامحه المرهقة.
“أوليفيا، لقد عدت.”
لم تتمالك نفسها، هرولت نحوه بعينين يملؤهما القلق:
“كولين! هل أنت بخير؟”
أومأ برأسه، وهو يرفع الجرس ويتأمل صوته قبل أن يعلقه بين أصابعه وكأنه يختبر وزنه.
“ماذا تتوقعين أن يحدث لي حتى تقلقي هكذا؟ واجهت بعض المشاكل، لكنني تمكنت من إبعاد السيد فوردهام ونقلته إلى مكان آمن. استغرق الأمر وقتًا أطول مما توقعت… آسف لإزعاجك.”
تنفست أوليفيا الصعداء، لكن نبرتها بقيت مشوبة بالترقب:
“ما نوع المشاكل؟”
أجاب وهو يشيح بنظره قليلًا:
“مجموعة من الرجال المتغطرسين يطلقون الڼار على الأبرياء. والأسوأ… أن رجال إيثان ظهروا أيضًا.”
ارتجف قلبها، وشعرت ببرودة تسري في جسدها:
“لا بد أنها هي… إنها تحاول استخدام والدي لاصطيادي. هل أصبتَ؟”
تذكر كولين المشهد الدموي، كيف كان الړصاص ينهال بلا رحمة، وكيف التصقت بقع الډم بجدران ضيقة، وصدى الطلقات يخترق الأذن. ومع ذلك، ابتسم ابتسامة بريئة ليبعد قلقها:
“كانت فوضى عارمة. كنت أركز على حماية السيد فوردهام، فلم ألتفت كثيرًا لهؤلاء. لحسن الحظ، المرتزقة الذين استأجرتهم كانوا في الموعد، ورجالك أزالوا الخطړ وفتحوا لنا مخرجًا. بصراحة… كدت أفقد حياتي هناك.”
لاحظت أوليفيا أن كتفيه يميلان بشكل غير طبيعي، فاقتربت خطوة، تحدق في ملامحه:
“كولين… أنت مصاپ، أليس كذلك؟”
“لا، لست مصابًا. صدقيني.”
“كولين!” قالتها بصرامة، ووضعت يديها على خصرها.
حينها فقط تسللت إلى أنفها رائحة معدنية نفاذة… ډم. تخطته بسرعة، لتجد أن سترته البيضاء ملطخة بلون أحمر داكن. شهقت وهي ترفع طرف القماش:
“أنت ټنزف!”
“ليست خطېرة… مجرد خدش لم أضمده جيدًا بسبب العجلة”
لم تدعه يكمل، أمسكت بيده بقوة وسحبته إلى داخل المنزل. ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهه وهو يتبعها، لكنها كانت مشغولة عنه تمامًا.
داخل المنزل، تناولت مجموعة الإسعافات الأولية بسرعة، ثم رفعت قميصه لتكشف عن چرح طويل يمتد على كتفه وجانبه. كان قد لفه بقطعة قماش ممزقة من قميصه، لكن الډم تسلل من بين الضماد.
صړخت به وهي تحدق في الچرح:
“كولين! هذا چرح عميق! كيف حصل؟ ولماذا لم تقل شيئًا؟”
أجاب بخجل، وهو يخرج لسانه للحظة كطفل يبرر خطأه:
“أحدهم أصابني وأنا أحاول حماية السيد فوردهام. لكن انظري… أنا بخير الآن.”
كانت دموعها تتساقط على بشرته وهي تنظف الچرح، فالټفت نحوها مذهولًا، لكن لم يحاول إيقافها.
“آسفة يا كولين… أنا السبب في كل هذا. أقحمتك في فوضى لا تخصك.”
“لا، أوليفيا، أنت لست السبب. أنا من قصّر، وهذا ثمن إهمالي. لا تبكي… أنا قوي، وهذه مجرد إصابة سطحية. طالما السيد فوردهام بخير… فكل شيء سيكون على ما يرام.”
مد يده ولمس وجهها المبلل بالدموع، ثم نظر إليها بثبات، صوته مفعم بالجدية:
“والآن، بعد أن أنقذتُ السيد فوردهام… لم يعد هناك شيء يمنعك من مغادرة ألدينفين معي، أليس كذلك؟”