رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل 299

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 299 

تجاهل إيثان وجود كيلفن تمامًا، وكأن حضوره مجرد ظل عابر، ومد يديه نحو الصندوق باندفاع غريزي. فتح الغطاء بسرعة، وانبعثت رائحة الورق القديم الممزوجة بعبقٍ خفيف من الغبار، وكأنها تحمل تاريخًا أثقل من أن يُمحى.

كانت الملفات مرتبة بعناية، كل ورقة في غلاف شفاف، وكأن من أعدها أراد أن يضمن بقاءها سليمة مهما مر الزمن. وقعت عيناه فورًا على اسم مألوف… بيل.
لم يحتج إلى كثير من التفكير ليعرف من تكون، فذكراها ما زال محفورًا في ذاكرته. لقد كانت تلك المرأة التي حاولت أوليفيا، قبل فترة، التسلل إلى مكتبه لقراءة ملفها الشخصي. لم يكن الأمر صدفة، بل جزءًا من سلسلة خطوات مدروسة قامت بها أوليفيا.

قلب الصفحات بسرعة، وعيناه تمسحان السطور بحدة الصياد الذي يوشك أن ينقض على فريسته. توقف عند نقطة محددة… بيل لديها طفل. قلب الوثائق حتى وصل إلى نهايتها، وهناك وجد عنوانًا مكتوبًا بخط مميز، جعل ملامحه تتغير على الفور.

رفع عينيه إلى كيلفن وقال بصرامة:
“ابحثوا في هذا العنوان. قد نجد شيئًا مهمًا.”
“نعم، سيدي.” رد كيلفن دون تردد.

أضاف إيثان وهو يضيق عينيه:
“وألقوا القبض على كلارا فوستر. أريد الحقيقة منها، كاملةً.”

لكن رغم تركيزه الظاهري، كان داخله يغلي بالإحباط. فكرة أن العقل المدبر وراء هذه المؤامرة قضى سنوات طويلة وهو يزرع جواسيس داخل مجموعة ميلر كانت تثير غضبه حتى العظم. والأدهى، أنه حين بدأ التحقيق بجدية، اكتشف أن ستيفاني، التي كانت تتولى تنظيف مكتبه، قد اختفت بلا أثر.

كل شيء كان يشير إلى أن الطرف الآخر لم يترك ثغرة. كانوا يعرفون أن هذه اللحظة ستأتي، وأنه سيبدأ في الحفر تحت السطح، ولهذا كانوا مستعدين منذ البداية.

إيثان كان يعلم أن كلارا واحدة من أدواتهم، وأن السماح لها بالرحيل دون استجواب سيكون حماقة.
“مفهوم، يا سيد ميلر، سأبدأ فورًا… لكن من أخبرنا بهذه المعلومات؟”
لم يُجب إيثان مباشرة، بل رفع يده ليمسح صدغه حيث بدأ الألم يشتد، وكأنه يضغط على موضع الحقيقة نفسها. لقد كان متأكدًا أن وراء كل ذلك كانت أوليفيا… كانت تحاول أن تبرئ اسم جيف، مهما كلفها الأمر.

تساءل في نفسه بمرارة:
“هل أصبحت تكرهني إلى هذا الحد؟ هل وصل الأمر بها إلى أن ترفض حتى إرسال رسالة أو إجراء مكالمة؟”

كان عالقًا في دوامة غريبة، بين رغبته العارمة في معرفة الحقيقة وخوفه من أن تؤدي هذه الحقيقة إلى قطع الخيط الأخير الذي يربطه بأوليفيا.

“ألم تعثروا عليها بعد؟” سأل بصوت منخفض، لكنه كان حادًا كالسيف.
أجابه كيلفن:
“فتشنا جميع الفنادق، ومنزل فوردهام، والشقة الخاصة بها، وحتى منازل صديقاتها. لم تزر أيًا من هذه الأماكن. يبدو أنها مصممة على الاختباء… وبالمناسبة، من المحتمل أنها لا تختبئ منك أنت، يا سيد ميلر.”

لكن حتى لو لم تكن تختبئ منه، كان إيثان يعلم جيدًا أن الثقة التي حطّمها لن تعود أبدًا. مد يده ليغطي وجهه، وابتسامة عابثة ارتسمت على شفتيه، لكنها كانت ابتسامة العاجز، المهزوم.

“هذه هي الكرامة… أن أكون سببًا في ابتعادها، ثم أعجز عن استعادتها.”

قطع كيلفن شروده وهو يقول بثقة:
“اطمئن يا سيد ميلر. قد تتمكن السيدة ميلر من الاختباء أيامًا، لكن ليس إلى الأبد. لقد أمرت بإغلاق كل الممرات الحدودية. لن تستطيع مغادرة ألدينفاين. الأمر مسألة وقت فقط.”

لكن إيثان شعر بانقباض غريب في صدره، حدسه ېصرخ بأن الزمن لا يعمل لصالحه… أن أوليفيا تبتعد، لا بالمسافة فقط، بل بالقلب والروح.

أنهى تعليماته ورتب الإجراءات، ثم تناول حبوبًا منومة لعلها تمنحه بعض الراحة. أغمض عينيه، لكنه لم يجد سوى كابوس جديد بانتظاره.

رآها تقف عند حافة البحر، ترتدي ثوبًا طويلًا يرفرف مع الريح، شعرها يتماوج كالموج خلفها، وعيناها تحدقان فيه ببرود قاسٍ.
قالت بصوت كالسهم:
“إيثان ميلر… أنت قاټل. لقد أفسدت حياة والدي، وقټلت طفلي. والآن، ستدفع الثمن بحياتك!”

“ليف، أرجوك… اسمعيني!” صړخ، لكن صوته بدا ضعيفًا أمام هدير الأمواج.
أجابت بابتسامة مشبعة بالأسى:
“الزواج منك كان أسوأ قرار اتخذته في حياتي.”

ثم، دون إنذار، أمسكت پسكين وطعنت صدرها بقوة، والډماء تنهمر على الرمال، ترسم بقعًا حمراء قاتمة. ومع ذلك، كانت تبتسم، تلك الابتسامة التي جمعت بين الاڼتقام والتحرر:
“لا أريد موتك، إيثان… أريدك أن تعيش عمرك كله غارقًا في الندم.”

ثم قفزت في البحر، تاركة خلفها دوامات من الزبد الأبيض.
“ليف! لا تذهبي!” ركض نحوها بكل ما أوتي من قوة، أمسك طرف ثوبها، لكنه لم يجد سوى قطعة قماش مبتلة بين يديه.

استيقظ فجأة، جسده مبلل بالعرق البارد، أنفاسه متسارعة، وقلبه يخفق پجنون.
كانت صورة أوليفيا وهي تختفي وسط الأمواج كافية لأن تنزع النوم من عينيه للأبد، ومعها جاء ذلك الإحساس المرعب…
أوليفيا على وشك أن تتركه، إلى الأبد.

جميع الفصول من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top