رواية سيد أحمد خالص التعازي في وفاة زوجتك (رواية حتى بعد الموت) كاملة

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك

الفصل 51

كان تجمع الصف الذي طال انتظاره ممتعًا ومفعمًا بالحيوية. ليان، بطبعها الاجتماعي، انسجمت سريعًا مع الحاضرين، وتحدثت ببراعة مع الجميع تقريبًا. غير أن أكثر ما أثار دهشة الحضور في ذلك المساء لم يكن الزينة أو الحدث، بل ظهور نوران.

فور أن رآها بعض زملاء الفصل، تجمعوا حولها بدهشة وحنين:
“نوران! سمعنا أنكِ تزوجتِ منذ فترة. لماذا لم تدعيننا إلى حفلتكِ؟ ألا نستحق الدعوة؟”

قبل أن تنبس نوران ببنت شفة، قاطعتها امرأة بصوتٍ ساخرٍ حاد:
“ليس الأمر أنكم لا تستحقون، بل ربما هي من تعتقد أنها لا تستحقكم الآن! ربما كانت تختبئ لأنها خجلت من إفلاس عائلتها!”

كانت المتحدثة كارين عبدالجبار، منافسة نوران القديمة. لطالما اعتبرت نوران عدوّتها اللدودة منذ أيام المدرسة. لم تكن عائلة عبدالجبار تملك ما يملكه آل الهاشمي من نفوذ وثروة، ولذلك كانت كارين دومًا في المرتبة الثانية بعد نوران، سواء في الجاذبية أو المكانة. الغيرة التي أحرقتها في الماضي عادت لتغذي انتقامها الآن، بعد أن تبدلت الأدوار.

والآن، بعدما أعلن آل الهاشمي إفلاسهم، لم تفوّت كارين الفرصة لتوجيه طعنة أخرى.

كانت كل ليلة بتقفل الباب على نفسها، وتقعد قدام الشاشة اللي مابتفصلش، تحاول تهرب من الوحدة. في الخلفية، كان صوت التكييف بيملأ الفراغ بصمت بارد.

لكن رئيس الفصل، كامل الطرابيشي، تدخّل سريعًا لتهدئة الموقف:
“كارين، هذا قاسٍ بعض الشيء. كل شخص يمر بفترات صعود وهبوط. لقد مر وقت طويل منذ التقينا. فلنُبقِ اللقاء ودّيًا.”

نظرت إليه كارين بازدراء خفي، لكنها تراجعت احترامًا له:
“حسنًا، سأتوقف هنا. لكن أليست وقاحة أن تغيب نوران عن كل اجتماعاتنا، ثم تظهر فجأة لتشاركنا الفطيرة؟”

ردّت نوران باستغراب صادق:
“ألم يكن هذا اجتماعًا لزملاء الدراسة؟ لم أكن أعلم أن له طبيعة مختلفة.”

ابتسم بعض الحضور بخفة، لكن كارين استغلت اللحظة لترد بنبرة ساخرة:
“هل تتظاهرين بالجهل؟ الجميع يعلم أن اللقاء يدور حول مشروع مستشفى أوكلاند.”

شعرت نوران بغصة؛ إذ بدت فجأة كأنها غريبة عن كل ما يجري. انعزلت عن العالم طويلًا، ولم تكن تدري أن شيئًا بهذا الحجم يُنظم بين زملائها.

أوضح كامل بلطف:
“مستشفى أوكلاند هو أكبر مشروع طبي قيد التنفيذ حاليًا. استثمار ضخم بقيمة 3.5 مليار دولار. نحن نحاول جمع أفضل الكفاءات للمشاركة في بنائه وإدارته.”

قاطعتها كارين مرة أخرى، مستعرضة معلوماتها:
“المستشفى سيكون عالمي المستوى، بفرق طبية مؤهلة، ومرافق متطورة، ورواتب تتجاوز المعدل الوطني بثلاثة أضعاف. وكامل، رئيسنا العزيز، كان كريمًا بما يكفي ليمنحنا هذه الفرصة.”

الحاضرون تبادلوا الحديث بحماس عن المشروع وفرصه. بدا أن كل من في القاعة يطمع في الانضمام إليه. لكن معايير القبول كانت صارمة، وكان امتلاك العلاقات المناسبة أحد مفاتيح الدخول.

تدريجيًا، بدأت نوران تفهم خلفية هذا “اللقاء الاجتماعي”. لم يكن مجرد لمّ شمل ودي، بل واجهة أنيقة لمبادرة توظيف وانتقاء نخبة الكوادر.

ورغم كل هذا، كانت ليان ما تزال تدور بين المجموعات، تروج للعقارات التي تبيعها. بدا وكأنها لم تفهم طبيعة اللقاء، أو أنها لا تبالي. أما نوران، فشعرت بالحرج، إلى أن اقترب منها كامل، بلطفه المعتاد.

“نوران، إن كنتِ مهتمة، فإن مستشفى أوكلاند يرحب دائمًا بعبقرية مثلك.”

ابتسمت نوران ابتسامة فيها شيء من الألم:
“كامل، لا بد أنك تمزح… لقد انقطعتُ عن الدراسة منذ سنوات.”

رفع حاجبيه بدهشة:
“لا، لم تنقطعي. كنتِ في إجازة. لكنكِ تخرجتِ رسميًا، وحصلتِ على شهادتكِ الجامعية.”

تجمدت ملامح نوران.
“ماذا؟! كامل، أنتَ حتمًا مخطئ.”

ابتسم كامل متذكرًا:
“أنا من وزعت الشهادات، بنفسي. استلمتها عائلتكِ بالنيابة عنك. ألم تُسلَّم إليكِ لاحقًا؟”

تبددت تعابير وجه نوران تدريجيًا، لتفسح المجال للصدمة. لم يستغرق الأمر طويلًا حتى اتضحت الصورة في ذهنها:
أحمد.
لا بد أنه هو من تحكم بالأمر. استلم شهادتها دون علمها، ربما لإبقائها تحت سيطرته. كخيوط دمية، كانت تحركاتها محددة بمشيئته.

جميع فصول الرواية من هنا

رواية حتى بعد الموت الفصل 52

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top